الكويت الاخباري

"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من قلب الحرب والمعاناة في القطاع - الكويت الاخباري

 

كتب محمد الجمل:

 

يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مترافقاً مع تصاعد القصف والحصار، واستمرار التجويع، وتفاقم معاناة النازحين.
"الأيام" تواصل رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المُتواصل على القطاع، وتنقل مشهداً بعنوان "أجساد حطمها الجوع"، ومشهداً آخر يرصد بحث المواطنين عن بدائل لمواد التنظيف، ومشهداً ثالثاً جاء تحت عنوان "لعبة الموت في مراكز المساعدات".

 

أجساد حطمها الجوع

بعد مرور أكثر من 5 أشهر على الحصار المُطبق الذي فرضه الاحتلال على سكان القطاع، باتت آثار المجاعة واضحة على أجساد الجميع، خاصة النازحين القاطنين في الخيام.
ويعاني غالبية النازحين من نقص شديد في الأوزان، وشحوب في الوجوه، وضعف عام، وعدم القدرة على القيام بالكثير من الأنشطة المختلفة.
ويقول المواطن هشام حمدان: إنه بسبب المجاعة خسر الكثير من قوته، وصحته وعافيته، ولم يعد بإمكانه القيام بالكثير من الأنشطة، فحتى المشي الذي كان في السابق رياضته المفضلة، لم يعد قادراً على ممارسته كما في السابق.
وبيّن أنه بات يعجز حتى عن حمل غالونات المياه، التي يقوم بتعبئتها من مكان قريب على خيمته، وبرزت عظام جسده بعد أن اختفت العضلات التي كانت تكسوها، وغارت عيناه في وجهه، وظهرت أوردة يديه.
بينما أكد المواطن الأربعيني يحيى عليان أنه لم يعد كما في السابق، ويشعر أن المجاعة الحالية جعلت عمره يتقدم عقدين أو أكثر، وأن جسده شاخ، وأنه لا يستطيع فعل ما كان يفعله في السابق.
وأكد أنه كان يحاول تناول الطعام دائماً، لكن تكرار تناول نفس الأطعمة خاصة البقوليات، وبكميات قليلة، حرم الجسم من أنواع كثيرة من الطعام المغذي، وأنهك جسده.
من جهته، أكد المكتب الإعلامي الحكومي أن سلطات الاحتلال واصلت تنفيذ سياسة ممنهجة تقوم على هندسة التجويع والقتل البطيء بحق أكثر من 2.4 مليون إنسان في القطاع، بينهم أكثر من 1.2 مليون طفل فلسطيني، في جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان.
وأوضح المكتب الإعلامي أن الأخطر في هذه الجريمة المتواصلة أن ضحاياها الرئيسيين هم الأطفال والمرضى، حيث إن أكثر من 40,000 طفل رضيع (أقل من عام واحد) مصابون بسوء تغذية حاد وحياتهم مهددة بالموت تدريجياً، ويُسجَّل يومياً سقوط شهداء من هؤلاء الأطفال والمرضى بسبب سوء التغذية والجوع، تُوثّق صورهم ومشاهد وداعهم المأساوية أمام العالم أجمع بالصوت والصورة، فيما يعاني أكثر من 100,000 من الأطفال والمرضى على وجه الخصوص من نقص غذائي خطير يُنذر بكارثة إنسانية واسعة النطاق.
ووفق المكتب الإعلامي، فإنه رغم التحذيرات المتكررة التي أطلقتها كل المنظمات الدولية والأممية والإنسانية والدول المختلفة التي أجمعت على تجريم ما تقوم بها سلطات الاحتلال، إلا أنها تواصل منع إدخال حليب الأطفال، والمكملات الغذائية، ومئات الأصناف الأساسية الأخرى، بينها اللحوم المجمدة بنوعَيها الحمراء والبيضاء، والأسماك، والأجبان، ومشتقات الألبان، والفواكه والخضراوات المثلجة بأنواعها. وحتى إن دخلت بعض الشاحنات القليلة بكميات محدودة جداً، يتعمد الاحتلال ترك هذه الشاحنات عرضة للنهب من جهات تابعة له، ويمنع تأمين وصولها الآمن لمستحقيها، بل ويقتل كل من يحاول تأمين هذه الشاحنات.

 

البحث عن بدائل لمواد التنظيف

دفع شح مواد التنظيف في أسواق القطاع المواطنين للبحث عن بدائل لغسل ملابسهم، وأوانيهم، وحتى تنظيف بيوتهم.
وباتت الخيارات والبدائل المتاحة محدودة، وتنفد بشكل سريع، وفقد ابتكر مواطنون طرقاً لصنع سائل غسل الملابس من صابون اليدين، بينما شاع استخدام معجون الأسنان، كنوع من سائل جلي الأواني، بعد إخضاع مكوناته لعملية تحويل معينة.
وتقول المواطنة ولاء سعد: إن آخر كمية من مسحوق غسيل الملابس نفدت من خيمتها، وبحثت مطولاً عن سائل جيد ولم تجد سوى نوعيات رديئة، حتى اهتدت إلى طريقة قرأت عنها على "الإنترنت"، تحمل شرحاً مبسطاً لتحويل صابون اليدين لسائل لغسيل الملابس، وبالفعل جهزت كمية، وتعتمد عليها في الوقت الحالي.
وبينت أنها سمعت من جارتها عن تحويل معجون الأسنان إلى سائل لجلي الأطباق والأواني، وأعطت جارتها آخر عبوة معجون أسنان لديها، وصنعت لها السائل، وبذلك توقفت قسراً هي وعائلتها عن غسل أسنانهم.
وأكدت أنها اليوم استطاعت هي وغيرها توفير بعض البدائل، لكن في المستقبل القريب سينفد معجون الأسنان، وما تبقى من صابون، وفي ظل استمرار حظر وصول مواد التنظيف ستكون هناك مشكلة كبيرة.
بينما قالت المواطنة "أم خالد": إنها تضطر في بعض الأحيان لغسل الأواني بالرمل، والقليل من صابون اليدين، لعدم توفر مواد التنظيف، كما يعاني أبناؤها جراء نفاد الشامبو وصابون الاستحمام، ويضطرون في كثير من الأحيان للاستحمام بماء البحر، رغم ضرر الأخير على الجسم والشعر، خاصة إذا ما تكرر الأمر باستمرار.
وأكدت أنها تعيش وغيرها من الأمهات وربّات البيوت في وضع كارثي، فغياب مواد التنظيف يعقد حياتهم، وينذر بانتشار الأمراض، ويزيد من انتشار الحشرات خاصة "حشرة القمل"، التي باتت تعيش في شعر رأس أبنائها، وتخشى من أن يتطور الأمر لأمراض جلدية، لذلك يجب توفير جميع المنظفات بأسرع وقت ممكن.

 

لعبة الموت في مراكز المساعدات

لا تزال مراكز المساعدات الأميركية ونقاط انتظار الشاحنات من أكثر الأماكن خطورة في القطاع، وتشهد يومياً مجازر بشعة يروح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
وبات المواطنون المجوّعون يمارسون ما يشبه "لعبة الموت"، من أجل الحصول على المساعدات، خاصة داخل مراكز المساعدات الأميركية، ويحاولون تفادي الرصاص الذي ينطلق تجاههم.
وأكد المواطن عبد الكريم حسونة، واعتاد على الذهاب إلى مركز المساعدات الأميركية "الشاكوش"، أن الحصول على الطعام هناك لا يمكن أن يتم دون المغامرة، والأمر يتعلق بأمرين، الأول سرعة الوصول للصناديق التي توضع، والثاني محاولة تلافي الرصاص الذي تطلقه الدبابات والقناصة.
وأكد أنه يصل قبل موعد افتتاح النقطة بساعة كاملة، ويختبئ خلف تلة رملية تبعد حوالى 700 متر عن صناديق المساعدات، وطالما هو هناك ينطلق الرصاص تجاههم، ومن يحاول رفع رأسه والنظر من فوق التلة يصب أو يمت، لذلك هو يعرف خطورة الأمر، ويبقى مكانه، حتى تصبح الساعة 9 صباحاً، وينتظر تحرك الدبابات التي تقف بجانب الصناديق بعيداً، حينها ينطلق بأقصى سرعة للوصول إلى المساعدات، التي عادة لا تكفي سوى 10% من المتواجدين قرب النقطة، لذلك من يصل أولاً يستطع أخذ صندوق صغير.
في حين قال المواطن عبد الله عبيد: إنه يتوجه إلى نقطة انتظار مساعدات "موراغ"، ويختبئ وسط ركام منزل مدمر، ليتوارى عن المُسيّرات الصغيرة "كواد كابتر"، ورصاص القناصة والدبابات، ويبقى مكانه ساكناً لساعات، وبمجرد وصول الشاحنات ينقض بسرعة، ويأخذ ما استطاع من طعام، سواء طحين، أو معلبات، أو غيرهما، وينطلق مغادراً المكان بسرعة.
وأكد أنه خلال اختبائه وسط الركام، يشاهد من بعيد الشهداء من منتظري المساعدات يتساقطون تباعاً، والمكان يعتبر من أخطر الأماكن.
وبيّن أنه رغم اختبائه، إلا أنه ليس في مأمن من رصاص وقنابل وقذائف الاحتلال، فالأخيرة حين تنفجر تصدر عنها شظايا تصيب لمسافات بعيدة، ولا يوجد شيء يمكن أن يحمي الشخص منها، كما أن خروجه من تحت الركام خلال التوجه للشاحنات، أو مغادرة المنطقة يعتبر خطراً كبيراً، خاصة إذا ما تزامن ذلك مع إطلاق نار من الدبابات والمُسيّرات، واصفاً ما يحدث في مراكز ونقاط انتظار المساعدات بلعبة الموت، التي قد يفقد الشخص حياته خلالها، أو يعود لعائلته ببعض الطعام، وللأسف هناك الكثيرون مُجبرون على ممارسة تلك اللعبة يومياً.

 

أخبار متعلقة :