الكويت الاخباري

عوامل فشل الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا - الكويت الاخباري

نشأت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا في ظل الفراغ الأمني والسياسي الذي نتج عن انسحاب مؤسسات الدولة السورية من هذه المناطق مع بدايات الثورة السورية، حيث تمكّنت القوى الكردية وعلى رأسها وحدات حماية الشعب من فرض سيطرتها وتنظيم إدارة محلية بدعم مباشر من الولايات المتحدة والتحالف الدولي تحت شعار محاربة تنظيم داعش. ومع توسع التجربة إلى ما سُمّي بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حاولت هذه القوى تقديم نفسها كنموذج حكم بديل يقوم على اللامركزية والديمقراطية المحلية، مع وعود برفع مستوى التمثيل السياسي وتحقيق العدالة الاجتماعية. غير أن هذه التجربة سرعان ما واجهت عقبات بنيوية حالت دون نجاحها أو إمكانية تعميمها على باقي سوريا. فمن الناحية السياسية، تأسست الإدارة على مشروع أيديولوجي ضيق ذي طابع قومي، وهو ما جعلها بعيدة عن التوافق الوطني وأثار تحفظات واسعة لدى المكوّن العربي في المنطقة وسائر السوريين، حيث نظر كثيرون إليها بوصفها مشروعاً موجهاً لخدمة طرف محدد على حساب بقية الأطراف. كما أن محاولاتها لإضفاء طابع ديمقراطي من خلال المجالس المحلية لم تحقق نتائج ملموسة بسبب غياب المشاركة الواسعة والاتهامات بالتهميش. أما من الناحية العسكرية، فقد اعتمدت بشكل شبه كامل في ذراعها العسكري قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على الحماية والدعم الخارجي، خاصة من الولايات المتحدة، ما جعل وجودها رهينة لتقلبات الموقف الدولي وفاقداً لأي استقلالية حقيقية، وهو ما ظهر بوضوح في لحظات التردد الأمريكي أو عند تغير الأولويات الإستراتيجية لواشنطن، مما وضع مصيرها في مهب الريح. وعلى الصعيد الاقتصادي، عانت من قصور كبير في إدارة الموارد رغم سيطرتها على ثروات نفطية وزراعية مهمة، إذ تركزت السياسات على استغلال النفط والغاز دون تنمية القطاعات الإنتاجية الأخرى أو إعادة استثمار العائدات في بنى تحتية حديثة، ما أدّى إلى تراجع الخدمات العامة، وانخفاض مستوى المعيشة، واستمرار الفجوة الاجتماعية. كما أدّت هذه السياسات إلى زيادة هجرة الشباب وتفاقم معدلات البطالة، فضلاً عن ازدياد الشكوى من سوء توزيع العائدات وغياب الشفافية. اجتماعياً، لم تنجح الإدارة في بناء عقد اجتماعي جامع، إذ بقيت حالة التوتر بين العرب والكرد وبقية المكوّنات قائمة، مع اتهامات متكررة بالتمييز في توزيع الموارد والمناصب وفرض سياسات أمر واقع في المناطق ذات الأغلبية العربية، وهو ما زاد من حدة الانقسام وأفقد التجربة مصداقيتها على المستوى الشعبي. إقليمياً ووطنياً، بقيت هذه الإدارة كياناً غير معترف به، فدمشق ترفض الاعتراف بشرعيتها والقوى الإقليمية تنظر إليها بوصفها تهديداً لوحدة سوريا واستقرارها، خاصة تركيا التي تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، ما جعلها محاصرة سياسياً ومحدودة الخيارات. وإلى جانب كل ذلك اندلعت احتجاجات محلية متكررة بسبب سياسات التجنيد الإجباري والضرائب الباهظة وغياب العدالة في توزيع السلطة والثروة. كل هذه العوامل مجتمعة تؤكد أن الإدارة الذاتية غير قادرة على الاستمرار كنموذج للحكم أو أن تتحوّل إلى صيغة وطنية جامعة، وأن التعجيل في إيجاد تسوية شاملة لملف شمال شرق سوريا سيخدم أبناء المنطقة بالدرجة الأولى، إذ سيعيد لهم الاستقرار ويضمن حقوقهم ضمن إطار وطني متوازن، كما سيخدم الدولة السورية ووحدتها على المدى البعيد، ويمنع استمرار حالة الاستنزاف التي أرهقت الجميع.

أخبار ذات صلة

 

أخبار متعلقة :