الكويت الاخباري

الوجــه الديموغرافي للتاريخ - الكويت الاخباري

تم النشر في: 

20 أغسطس 2025, 3:52 مساءً

في عام 1974 تم إجراء أول إحصاء رسمي للسكان في السعودية.. وفي ذلك الوقت، بالكاد تجاوز الرقم 7 ملايين نسمة، قبل أن يرتفع هذه الأيام، وخلال جـيلين فـقط إلى 20 مليونا ..

 أما في مصر فبلغ عدد السكان  14 مليون نسمة (في عام 1927) مقابل 107 مليونا هذه الأيام.. 

 وفي الهـند، التي يبلغ عدد سكانها اليوم 1,464 مليون نسمة، لم يكن عدد السكان يتجاوز 238 مليونا في مطلع القرن العشرين!!

وهــذه الفوارق تنطبق، ليس فـقط على جميع الدول المعاصرة، بــل وعلى كافة البشر الذين شهدوا انفجارا سكانيا غـير مسبوق خلال الأجيال الأخيرة (بفضل التقدم الطبي والرعاية الصحية، التي ساهمت في إطالة أعمار البشر من جهة، وتخفيض نسبة الوفيات بين المواليد من جهة أخرى). فــعـدد سكان الأرض بأكملها لم يكن يتجاوز في زمن المسيح، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة؛ الــ300 مليون نسمة (أي أقـل من عدد سكان أمريكا هذه الأيام). وفي تلك الفترة بلغ سكان الإمبراطورية الرومانية 57 مليون نسمة، والإمبراطورية الصينية 75 مليون نسمة ــ ومجموع الرقمين لايتجاوز سكان المكسيك هـذه الأيــام.

... وهذه الفوارق الديموغرافية الكبيرة بين الماضي والحاضر، تجعلنا نتساءل عن عـدد سكان الحضارات والامبراطوريات القديمة كلما عــدنا في التاريخ أكـثر. يجعلنا نتساءل عن عدد سكان جزيرة العرب في صدر الإسلام، وعدد سكان مصر زمن المماليك، وعدد سـكان الصين اثناء حكم سلالة هـان، وعدد سكان الدولة الأموية والعـباسية في أوج توسعهما وانتشارهما...

فـالأرقام المنخفضة للسكان في الماضي، تجعـلنا نُخفـض من سقف انبهارنا بالكثير من الأحداث والمعارك والمنجزات التاريخية القديمة. تجعلنا نستنتج بأننا كنا نبالغ في كتابة التاريخ، ونعطي معظم الأحداث والامبراطوريات القديمة أكبر من حجمها الطبيعي ــ كونها أتــت من سكان لايتجاوز عـددهم (في أفضل تقدير) عُـشــر عدد السكان الموجودين في كل منطقة هذه الأيام!!

 ولعـلك الآن تـتساءل :

                            ـــ  ولكن عظمة الإنجـاز لا تتعلق فقط بـعدد السكان مهما بلغـت ضآلته!

... وهـذا بدون شك تساؤل منطقي ومشروع؛ ولكن الصورة لاتكـتمل دون الأخذ بعين الاعتبار عــاملين مهمـين (يشتركان مع العامل الديموغرافي في تحجيم المنجزات القديمة):

ـــ الأول: هـو أن العـبقرية حـالة فردية، وطفرة استثنائية، قـد تظهر حتى في المجتمعات الصغيرة (كما حصل في أثينا القديمة حين ظهر معظم الفلاسفة الكبار ضمن سكان لايتجاوز عددهم 27 ألفا).

ـــ والثاني: أنـنا في هذا المقال نتحـدث عن العامل العددي (للسكان)، وليس النوعي الذي يسـاهم بدوره في رفـع مستوى الإنجاز ودرجة التحضر في أي مجتمع.

... وهـذين العـاملين بالذات لايتعارضان مع فكرة المقال (حول دور الديموغرافيا في التاريخ) بــل على العكس؛ يصبان في صالحها..

فـالعـبقرية الفردية (وإن كانت حـالة استثنائية) إلا أن احتمال ظهورها يرتفع بارتفاع عـدد السكان ــ بدليل أن عـدد العباقرة والموهوبين في الهـند هذه الأيام، أكبر مما كان عليه في مطلع القرن العشرين.

ولأننا نتفق على أن عظمة الأمم لاتـتعلق فـقـط بـعــدد السكان (بــل وأيضاً نوعـية السكان)، سـنتفق حتماً على أن سكان الحضارات القديمة لم يكونوا فقط أقــل عــدداً، بــل وأكثر أمية وجهلاً وفقراً وتصديقاً بالخرافات من أي مجتمع نعرفه هـذه الأيــام...

أخبار متعلقة :