إنها ليست مجرد صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، أو قبلة للحجاج والمعتمرين، بل تحولت إلى لاعب مركزي في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي، والدبلوماسية الذكية، والتحالفات متعددة الأقطاب.
- الموقع الجيوسياسي: قلب العالم النابض:
تقع السعودية في ملتقى ثلاث قارات، مما يجعلها جسراً طبيعياً بين الشرق والغرب، وبين دول مجلس التعاون الخليجي وجيرانها في آسيا وأفريقيا. هذا الموقع أكسبها تاريخياً دور الوسيط في حل النزاعات، كما يظهر اليوم في مبادراتها لاحتواء الأزمات في اليمن وسوريا ولبنان، أو تقريب وجهات النظر بين دول عربية وإقليمية. وفي ظل تنافس القوى الكبرى على النفوذ في الشرق الأوسط، تحركت الرياض بذكاء لتعزيز شراكات متوازنة مع الولايات المتحدة والصين وروسيا، دون الانحياز إلى محور واحد، مما يعكس رؤيةً تستشرف نظاماً عالمياً جديداً تتصدره تعددية الأقطاب.
- رؤية 2030 من دولة النفط إلى قطب اقتصادي شمولي:
لم تكن «رؤية 2030» مجرد خطة اقتصادية لتنويع مصادر الدخل، بل كانت إعلاناً عن ميلاد نموذج تنموي يدمج الطموح الاقتصادي مع التحول الاجتماعي والثقافي.
مشاريع مثل «نيوم» و«ذا لاين» و«مشروع البحر الأحمر» و«بوابة الدرعية» لم تعد أحلاماً على الورق، بل أصبحت أيقونات لجذب الاستثمارات العالمية وخلق فرص عمل نوعية.
وفقاً لصندوق النقد الدولي، حققت السعودية أعلى نمو بين دول العشرين في 2022 بنسبة 8.7%، مدفوعةً بقطاعات غير نفطية كالسياحة والترفيه وتكنولوجيا المعلومات.
لكن الطموح الأكبر يتجلى في تحول المملكة إلى مركز للطاقة النظيفة عبر مشروعي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، اللذين يهدفان إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية وزراعة مليارات الأشجار، وهو تحولٌ يضعها في صدارة المعركة العالمية ضد تغير المناخ.
- الدبلوماسية الثقافية: قوة الـ«سوفت باور»:
لم تعد السعودية تعتمد فقط على قوتها المالية أو الدينية، بل تبني نفوذاً ثقافياً عبر استضافة الفعاليات العالمية كـ«موسم الرياض» و«مهرجان جدة السينمائي»، وافتتاح المتاحف الحديثة مثل «متحف المستقبل» في الرياض. هذه الخطوات تعكس رغبة في تغيير الصورة النمطية، وترسيخ مكانة المملكة كحاضنة للإبداع والانفتاح، دون التخلي عن هويتها العربية والإسلامية.
السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تصبح السعودية بحلول 2030 أحد الأقطاب الإقليمية المؤثرة في النظام الدولي، باقتصادٍ ينافس أكبر الدول، ودبلوماسيةٍ تعيد تعريف تحالفات الشرق الأوسط، وثقافةٍ تزاوج بين الأصالة والحداثة.
هذا التحول ليس مصلحة سعودية فحسب، بل فرصة للعالم لاستيعاب قوة وسطيَة قادرة على لعب دور الحَكَم في زمن تتصارع فيه القوى العظمى.
السعودية اليوم ليست مجرد «دولة عابرة» في التاريخ، بل مشروع حضاري يكتب فصلاً جديداً تحت عنوان: «القطب الأوسط للعالم».
أخبار ذات صلة
أخبار متعلقة :