كتب محمد الجمل:
ما زال سكان قطاع غزة يواجهون الموت والمخاطر بشكل يومي، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على جميع المناطق دون توقف، وتصاعد المجازر، خاصة جنوب القطاع، وتحديداً محافظة خان يونس.
"الأيام" واصلت رصد مشاهد جديدة من العدوان، منها مشهد بعنوان "جنوب خان يونس.. احتلال بالمُسيّرات"، ومشهد آخر جاء تحت عنوان "تل رفح من موقع أثري إلى ثكنة عسكرية"، ومشهد ثالث يُوثق عودة الأمراض المُعدية للتفشي في القطاع.
احتلال بالمُسيّرات
رغم إصدار جيش الاحتلال أوامر إخلاء واسعة شملت 4 أحياء رئيسية جنوب محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، وهي "قيزان النجار، وقيزان رشوان، والمنارة، والسلام"، إلا أن الدبابات ما زالت تتواجد في مناطق محدودة من تلك الأحياء، إضافة إلى تواجدها في جميع أنحاء مدينة رفح، ولم يتم احتلال غالبية المناطق التي جرى إنذارها جنوب خان يونس.
لكن جيش الاحتلال عمد إلى نوع جديد من الاحتلال، بهدف إحكام سيطرته على جميع أحياء جنوب خان يونس دون دخول دباباته إليها، مستخدماً في ذلك سلاح المُسيّرات، إذ تُحلّق الطائرات المُسيّرة بمختلف أنواعها، سواء الكبيرة مثل "هيرموز 900"، أو المتوسطة مثل "هيرموز 450، وسكاي لارك"، أو الصغيرة كطائرات "كواد كابتر"، بشكل لا يتوقف فوق تلك المناطق، وتحمل صواريخ وقنابل، ورشاشات، وتلاحق وتقتل كل شخص يُحاول الوصول إلى تلك المناطق، حتى أن المزارعين لم يسلموا من أذاها.
ويومياً تستقبل مستشفيات محافظة خان يونس شهداء وجرحى يصلون من جنوب المحافظة، جميعهم مواطنون يحاولون العودة إلى بيوتهم التي أخلوها قسراً، بهدف جلب بعض الحاجيات من المنازل، أو مزارعون يحاولون الوصول إلى أراضيهم، حيث يتم استهدافهم وقتلهم، بينما ما زال العديد من جثامين الشهداء تتواجد في تلك المناطق لم يتسن انتشالها حتى الآن.
وقال المواطن إبراهيم النجار: إن هذه الحرب كرّست مفاهيم جديدة لم تكن معروفة في غزة من قبل، منها الاحتلال عبر المُسيّرات، فلا ينبغي أن تتواجد الدبابات والقوات البرية على الأرض كي تحتل منطقة معينة، فيكفي أن يتم تسيير طائرات فوق هذه المنطقة لاحتلالها بشكل الكامل، ومنع أي شخص من دخولها، بل تحويلها إلى مقبرة للمواطنين الذين يصلونها.
وأكد النجار أن جنوب مدينة خان يونس بالكامل خاضع للاحتلال بوساطة المُسيّرات، كما حال شرقه، وهذه الطائرات، التي يتحكم فيها جنود من بعيد، قادرة على استهداف أي شخص يدخل تلك المناطق، وبعضها صغيرة ولديها قدرة على الدخول في بعض المنازل، وتمشيطها، وأخرى تستطيع زرع أجهزة تنصت وتجسس.
بينما أشار مواطنون، من سكان جنوب خان يونس، إلى أن الكثيرين دخلوا مناطق خالية من الدبابات وجرى استهدافهم من قبل المُسيّرات، مؤكدين أهمية عدم الاستهانة بسلاح المُسيّرات، التي استخدمها الاحتلال بشكل فاعل خلال هذه الحرب، وحولها إلى أدوات قتل فتاكة.
من موقع أثري إلى ثكنة عسكرية
لطالما كان تل رفح الأثري واحداً من أهم وأقدم المواقع الأثرية في قطاع غزة وفلسطين، بل في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعود تاريخه إلى آلاف السنين قبل الميلاد.
ويقع هذا التل الضخم في أقصى الجنوب الغربي لفلسطين، وبالتحديد جنوب غربي مدينة رفح الملاصقة للحدود المصرية، ويبعد عن البحر مسافة كيلومترين تقريباً، ويرتفع عن سطح البحر حوالى 30 متراً، ولكن الاحتلال جعله منخفضاً عن مستواه الطبيعي عندما استخدمه كموقع عسكري في العام 2000، وقام بجرف الطبقات العليا منه.
وتحول التل، الذي تبلغ مساحته نحو 160 ألف متر مربع، خلال السنوات الـ15 الماضية، إلى مزار للباحثين والطلاب، خاصة بعد العثور على كثير من اللقى الأثرية الجميلة والنادرة، بعضها من الفخار، وبعضها الآخر من الزجاج، والرخام، والبازلت الأسود والأحمر، إضافة إلى العديد من العملات البرونزية التي تعود للعصر الروماني (63 ق.م ـ 395م) وكانت هذه القطع معروضة في متحف قصر الباشا بمدينة غزة.
ووفق الباحث والمؤرخ في الشأن الفلسطيني وليد العقاد، فإن تل رفح سكنته حضارات عديدة، أقدمها الفرعونية واليونانية، والرومانية، إضافة إلى حضارات إسلامية، وقد حرصت الحضارات على التواجد فيه نظراً لارتفاعه عن سطح البحر، وسهولة كشف الغزاة والأعداء من فوقه.
ومنذ أيار العام الماضي سارع جيش الاحتلال إلى السيطرة على التل، وحوله إلى ثكنة عسكرية، مُستغلاً ارتفاعه، ووضع عليه أبراجاً آلية "رافعات"، كما وضع على قمته مرابض مدفعية استخدمها في قصف المنازل والأحياء السكنية جنوب قطاع غزة.
وذكر مواطنون، وصلوا إلى حي تل السلطان غرب رفح خلال فترة التهدئة، أن جيش الاحتلال نفذ أعمال حفر وتجريف داخل التل ومحيطه، لا تُعرف ماهيتها، لكن لم يستبعد البعض أنها تهدف إلى البحث عن الآثار، وربما محاولات تزييف التاريخ، كما حدث في السابق.
وأعرب مواطنون عن خشيتهم من استمرار وجود الاحتلال على تل رفح، فهذا الوجود، إضافة إلى خطره على موقع التل الأثري، يُشكّل خطراً على كافة أحياء غرب وجنوب رفح، كون التل موقعاً مُرتفعاً، يكشف العديد من الأحياء، ويسيطر عليها عسكرياً، ما يضع حياة المواطنين مستقبلاً على المحك.
تفشي الأمراض المعدية
لم تقتصر مشكلة تجدد النزوح، واكتظاظ المخيمات في مواصي خان يونس وغرب مدينة غزة، على معاناة الخيام ونقصها، وشح المياه، بل تعدت ذلك، إذ عادت الأمراض المُعدية، بمختلف أنواعها، لتتفشى مجدداً في صفوف النازحين، خاصة الأطفال.
واشتكى نازحون من تزايد إصابات أطفالهم بأمراض الجرب، وأمراض تنفسية وجلدية، إضافة إلى الإسهال الناجم عن تلوث المياه والطعام.
وقال المواطن يوسف هلال، الذي نزح إلى منطقة مواصي خان يونس منذ أكثر من شهر: إنه منذ الأيام الأولى من نزوحه بدأت الأمراض تتفشى في صفوف أطفاله، إذ عانى بعضهم من أمراض جلدية، منها الجرب، بسبب انتشار الطفيليات والحشرات، خاصة البراغيث، فيما يعاني آخرون من إسهال مزمن.
وبيّن هلال أنه وعائلته يشربون مياهاً مستخرجة من إحدى الآبار الزراعية، دون أن تخضع لتعقيم، أو حتى فحوص، مشيراً إلى أنهم يعيشون وسط منطقة مُلوثة، مليئة بالحفر الامتصاصية والمياه العادمة تحيط بهم من كل جانب، وهذا كله تسبب بارتفاع التلوث في محيطهم، وبالتالي زيادة الأمراض.
بينما أوضح نازحون أنهم يشعرون أن الأمور من حيث انتشار الأوبئة والأمراض عادت للمربع الأول من العدوان، وهذا تزامن مع وضع صحي حرج في قطاع غزة، حيث تعاني المستشفيات من نقص كبير في الإمكانات الطبية، وندرة في الأدوية، ما يزيد من صعوبة الأمور.
وناشد نازحون مختلف الجهات الإغاثية العمل على وقف معاناتهم، وإمدادهم بمقومات الحياة، خاصة الخيام، ومياه الشرب النظيفة، والمواد الغذائية، وغيرها من المتطلبات المفقودة حالياً.
بدورها، أشارت منسقة الفريق الطبي لدى منظمة أطباء بلا حدود في غزة، كيارا لودي، إلى أن الأمراض الجلدية التي يعاني منها الأطفال "نتيجة مباشرة لتدمير غزة والحصار الإسرائيلي المفروض عليها".
وقالت: "يعالج طاقمنا عدداً متزايداً من الأطفال الذين يعانون أمراضاً جلدية مثل الجرب، الذي يسبب معاناة كبيرة، وفي الحالات الشديدة يؤدي إلى خدش الجلد حتى ينزف".
وأرجعت لودي إصابة الأطفال بالجرب إلى "عدم قدرتهم على الاستحمام"، لافتة إلى أن "اليرقان والإسهال والجرب" من أكثر الحالات التي تعالجها طواقمها في خان يونس، وهي ناتجة عن نقص إمدادات المياه الآمنة.
وحذرت المنظمة من أن نفاد الوقود في قطاع غزة من شأنه أن يتسبب بـ"انهيار نظام المياه المتبقي بشكل كامل، ما سيؤدي إلى منع وصول الناس للمياه".
أخبار متعلقة :