الكويت الاخباري

الحرب الاقتصادية.. هل يعيد التاريخ نفسه ؟ - الكويت الاخباري

في منتصف القرن التاسع عشر وعلى إثر حرب عسكرية خاطفة بين البريطانيين والصينيين، أجبرت المملكة المتحدة دولة الصين على استقبال مادة الأفيون المخدرة وبيعها على شعبها، على الرغم من أن الإنجليز أنفسهم كانوا يمنعون الأفيون في بلادهم، يجب أن نلاحظ أن سبب الحرب كان منع الصينيين لدخول مخدر الأفيون لبلادهم، الأمر الذي أغضب شركة الهند الشرقية – الإنجليزية؛ التي أصرت إلا أن يقبل الصينيون دخوله، اندلعت الحرب، وخسر الصينيون، ودخل الأفيون على مرأى منهم ليعطل الصين لمئتي عام قادمة.

ولولا الصراع السوفيتي الأمريكي، واندفاع واشنطن نحو الصين وتمكينها اقتصاديّاً منذ أواخر الستينيات الميلادية لما تغيّر وجه الصين، ولما تحولت إلى واحدة من أكبر الاقتصاديات في عالمنا اليوم.

كانت «حرب الأفيون» أغرب حرب تجارية شهدها التاريخ الإنساني، بعدما تحول كثير من الصينيين إلى مدمنين لتلك المادة، وكان مشهداً معتاداً أن ترى عشرات الآلاف من الصينيين يموتون في الطرقات بسبب الإدمان، وعلى الرغم من محاولات الحكومة الصينية الافتكاك منها، إلا أن ضعفها العسكري أجبرها على الرضوخ للإرادة الإنجليزية بداية، ومن ثم الإنجليزية الفرنسية لاحقاً، والخضوع لشروط قاسية ألزمتها بفتح بلدها لتجارة محرمة روجت لها شركة الهند الشرقية التابعة.

حرب الأفيون تذكرنا إلى حد كبير بحرب الكبتاجون التي استخدمها النظام السوري السابق وبعض التنظيمات الإرهابية المتعاونة معه ضد دول المنطقة والعالم، عندما تم تصنيع وتصدير مئات الملايين من حبوب الكبتاجون، واستخدم في تلك الحرب كل شيء من أجل إنهاك شعوب المنطقة وتعطيل التنمية وإبقائهم مكبلين بالإدمان، إضافة الى تحقيق عوائد مالية كبرى تساعدهم في تمويل أعمالهم الإرهابية.

الغريب في حرب الأفيون ألّا منطق تجاريّاً فيها، فالإنجليز ألزموا الصينيين بقبول شراء الأفيون بالإكراه تحت طائلة معاهدات أجبرتهم على فتح موانئهم أمام التجار الإنجليز، بل ومنحهم تعاملاً خاصاً داخل الموانئ والمدن الصينية، وفي ضوئها أخذت إنجلترا إدارة مدينة هونغ كونغ الاستراتيجية، ولم تعدها للصينيين إلا في عام 1997.

بلا شك، كانت حرباً تجارية في جذورها، لكن القوي (بريطانيا العظمى) استخدمت كل شيء ضد الضعيف (الصينيين) بما فيها الأفيون، وفتح الأسواق أمام تجارها للوصول للمال وتوسيع نفوذها الذي لم تغرب عنه الشمس، لقد كانت حرباً غير أخلاقية بالمطلق.

كان فرض الامتيازات التجارية مزدهراً في العالم منذ عام 1500 ميلادية، خاصة في المنطقة بين الأسواق الأوروبية وأسواق الهند والصين مروراً بالعالم العربي، بعدما نشط البرتغاليون والفرنسيون والإنجليز وبدأوا في توسيع تجاراتهم وتعظيم أساطيلهم البحرية؛ فارضين تجارتهم بالقوة وعاقدين اتفاقيات ومعاهدات تخدم مصالحهم، كان من أشهرها اتفاقية الامتيازات العثمانية مع الفرنسيين والإيطاليين والإنجليز، التي نصَّت على أنه «لا يجوز محاكمة الفرنسيين ومستخدميهم وخادميهم فيما يختص بالمسائل الدينية أمام المأمورين الأتراك»، كما تسمح البنود في حال وجود خلاف تجاري أو مالي بين أيٍّ من الرعايا الأوروبيين مع أحد العثمانيين، ولم يفِ الأوربي بالاتفاق فلا يسأل أبداً.

اليوم.. هل يكرر التاريخ نفسه، مع اندلاع حرب تجاريّة أخرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ربما تكون أكثر خطورة؛ لأن ضررها قد يطال العالم أجمع، إلا أنها ليست حرب الإدمان على الأفيون، بل حرب الإدمان على النفوذ والهيمنة والقوة الاقتصادية.

فالأمريكي يؤمن أنه سبب التفوق التجاري الصيني، وأنه لولا دخول التقنيات والاستثمارات الأمريكية بداية السبعينيات الميلادية، ونقل عدد كبير من الصناعات الغربية إلى الصين، لما كانت الصين اليوم بعظمتها وقوتها، والصينيون يرون أنه لولا مهارة عمالتهم ورخصها، لما استطاع العالم أن يجد بضاعة في الأسواق، ولما تمكن الأوروبي والأمريكي من بيع صناعاتهم التي تعتمد على المنتجات والعمالة الصينية، إنها حرب فرض القوة، وعض الأصابع.. فمن سيتألم أولاً؟.. هذا هو السؤال الكبير.

أخبار ذات صلة

 

أخبار متعلقة :