كتب محمد الجمل:
ما زال سكان قطاع غزة يعيشون تحت وقع العدوان الإسرائيلي المُتصاعد، وما يرافقه من غارات، وقصف مدفعي على جميع أنحاء القطاع، وتهديدات مُتصاعدة بتوسيع رقعة العمليات البرية.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان وتداعياته، منها مشهد تحت عنوان "آثار المجاعة تتعمق"، ومشهد آخر يُوثق العدوان الإسرائيلي المُتدحرج على خان يونس، وحصارها من 3 جهات، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "التمسك بالأمل".
آثار المجاعة تتعمّق
دخلت المجاعة المُستشرية في قطاع غزة فصولاً كارثية خلال الفترة الماضية، مع نفاد المواد الغذائية من الأسواق بشكل شبه كامل، وتوقف توزيع المساعدات والمعونات، ونفاد المخزون الغذائي من المنازل.
وباتت آثار المجاعة الناجمة عن أطول حصار إسرائيلي يتعرض له قطاع غزة منذ بداية الحرب، قبل حوالى 19 شهراً، واضحاً على الجميع، من خلال الهُزال ونقص الأوزان على جميع الفئات، خاصة الأطفال وكبار السن، بينما بدت غالبية الوجوه شاحبة، والأعين غائرة.
وتستقبل مستشفيات قطاع غزة يومياً مواطنين من مختلف الفئات، يعانون من آثار المجاعة وسوء التغذية، غالبيتهم من الأطفال، بينما جرى تسجيل العديد من الوفيات خلال الفترة الماضية، وسط تحذيرات من حدوث وفيات جماعية بسبب المجاعة وانعكاساتها.
وأكد نازحون في مخيمات غرب خان يونس، جنوب القطاع، أن أطفالهم ينامون بجوعهم لعدم توفر الأكل في خيامهم، ولأنهم لا يمتلكون أي مال يشترون به الطعام، في ظل الأسعار الحالية.
وقال المواطن محمد جعفر: إن أطفاله يأكلون حب الحمص الجاف في ظل عدم وجود أي بديل أو طعام، وتوقف "التكية" التي كانت توزع الطعام في المخيم.
وأشار جعفر إلى أنه لا يمتلك الطحين، ولا المعلبات، ولا أي مواد غذائية، ولولا أن الماء يصل مرات متباعدة بشكل مجاني للمخيم، لماتوا من شدة العطش.
وأكد أن أبناءه يُعانون الضعف والهُزال بسبب قلة الطعام، ويخشى أن يُصيبهم مكروه جراء تفاقم الوضع الحالي.
وأعرب برنامج الأغذية العالمي عن قلقه البالغ، محذراً من احتمالية وقوع وفيات نتيجة سوء التغذية الحاد في صفوف المدنيين، خاصة مع تدهور الأوضاع الإنسانية وعرقلة وصول المساعدات.
واتهم المقرر الأممي المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، إسرائيل بارتكاب جرائم جسيمة في قطاع غزة، مشيراً إلى أن ما يجري هناك يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، مع استخدام ممنهج للتجويع كسلاح ضد المدنيين.
وقال فخري: إن "إسرائيل تستخدم حياة الأطفال الفلسطينيين كورقة تفاوض"، مؤكداً أن الأمم المتحدة لجأت إلى كل المصطلحات القانونية والإنسانية المتاحة لوصف حجم الفظائع التي تُرتكب في قطاع غزة.
بينما قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا): إن عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج من سوء التغذية في غزة بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر، ارتفع بنسبة 80% مقارنة بشهر آذار الماضي.
خان يونس.. حصار من 3 جهات
يعيش نحو مليون مواطن ونازح في محافظة خان يونس ظروفاً معيشية قاسية، وسط حصار إسرائيلي مُشدد على القطاع بشكل عام.
وشهدت الفترة السابقة تعميق العدوان على محافظة خان يونس، وتشديد الحصار عليها، إذ باتت المحافظة مُحاصرة من 3 جهات، وسط مخاوف من أن يتم تنفيذ عدوان برّي عليها في المستقبل القريب.
وإضافة إلى قضم الاحتلال مساحات كبيرة من أراضي شرق خان يونس، لإقامة المنطقة العازلة، وتواجد الدبابات في أحياء وبلدات متاخمة لخط التحديد، وإحكام زوارق الاحتلال سيطرتها على البحر، وإغلاقه تماماً، يواصل الاحتلال إحكام الحصار من الناحية الجنوبية لخان يونس، حيث أكمل احتلال رفح، ويواصل إقامة محور "موراج" جنوبها، وبدأ باحتلال أحياء جنوب خان يونس، وأحكم حصاره على المحافظة من الناحية الجنوبية.
ولا يتردد جيش الاحتلال باستهداف أي شخص أو عائلة تتواجد في الأحياء أو البلدات التي جرى تحويلها إلى "مناطق عازلة"، سواء شرق أو جنوب محافظة خان يونس، في محاولة لإحكام السيطرة على المحافظة.
وقال المواطن علاء سليمان: إنه ومنذ نزوحه من رفح أواخر شهر آذار الماضي، وتوجهه إلى مواصي خان يونس، لم يشعر بساعة واحدة من الهدوء والأمان، فخان يونس ما زالت محور عمليات الاحتلال الجوية، والدبابات تُحاصرها من جهتين، والزوارق تُمطر شاطئها بالقذائف.
وأشار سليمان إلى أن ما يحدث يبدو أنه مقدمة لعمليات جديدة قد تشهدها خان يونس، خاصة مع تلميح الاحتلال بأنه سيعمل في مناطق لم يسبق أن عمل فيها سابقاً، وتشمل هذه المناطق مواصي خان يونس، ومحافظة وسط القطاع.
ولفت إلى أن المواطنين في خان يونس يعيشون كل أنواع الظلم والقهر والمعاناة، فإضافة إلى الجوع والقتل اليومي، يخشى المواطنون مما هو قادم.
وبيّن سليمان أنه في حال نفذ الاحتلال تهديداته، واجتاح مواصي خان يونس، سيكون الأمر كارثياً، فأين سيتوجه مئات الآلاف من النازحين الذين أجبرهم الاحتلال على التوجه إلى تلك المنطقة.
ودفع الاحتلال مئات الآلاف من النازحين من مختلف المناطق إلى مواصي خان يونس، التي زعم أنها منطقة "خدمات إنسانية"، ورغم ذلك تتعرض تلك المنطقة لغارات جوية كل يوم.
التمسّك بالأمل
مع اشتداد الكرب على سكان قطاع غزة، والتضييق الشديد عليهم، واستمرار القصف، وتفشي المجاعة، لم يعد لدى المواطنين والنازحين سوى الأمل ليتمسكوا به، وسط محاولات لمقاومة اليأس الذي يُحيط بهم من كل جانب.
ولجأ المواطنون في قطاع غزة إلى أمرين لمواجهة ما وُصف بـ"الكرب العظيم"، الأول تقوية إيمانهم، والثقة بالله تعالى بأنه لن يتركهم، وأن إرادته ستتدخل لتُفرج عنهم، وهذا ما أعطى غالبية المواطنين الثقة والأمل بأن القادم خير.
أما العامل الآخر الذي مكّن المواطنين من الصبر على الشدائد، واحتمال الأهوال التي يواجهونها، فكان عبر الأحلام والرؤى، التي يؤمن قطاع واسع من المواطنين بها، خاصة إذا ما نُقلت تلك الرؤى عن أشخاص صالحين، يُشهد لهم بالاستقامة.
وقال المواطن سمير عطا الله: إنه تعلّم من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أنه إذ اشتد الكرب وعظم البلاء، وتخلى الجميع، حينها لا ملجأ إلا لله، والتضرع والابتهال له، كي يكشف البلاء، ويُزيح الغمة.
وأوضح عطا الله أنه رغم كل ما يحدث، والتهديدات الإسرائيلية، والموقف العالمي المُساند لإسرائيل، إلا أنه لم يفقد الأمل أبداً، فطالما أن الله موجود، وأن بيده تدابير الأمور، فسيأذن للغمة أن تنجلي في مرحلة ما، وهو يثق بأن كل ما يحدث هو لحكمة لا يعلمها إلا الله، ولاحقاً قد يُدركها الناس.
وأكد أن فقد الثقة بالله، أو القنوط من رحمته، هو كفر، لذلك يجب على الناس أن يثقوا بأن الله قادر على تغيير الحال، وأن الفرج سيأتي ولن يطول.
من جهته، قال المواطن حسن عودة: إنه وإضافة إلى إيمانه الكبير بالله، يؤمن بالأحلام والرؤى، وقد وردت في القرآن، خاصة في سورة "يوسف"، لذلك يعتقد أن بعض الأحلام قد تعطينا مدلولات على المراحل المقبلة، موضحاً أن أكثر من حلم ورؤيا نقلها صالحون اتفقت على أن الفرج اقترب، فرغم أن الأمور تبدو سوداوية، والضيق بلغ أشده، إلا أنه يعتقد أن هذا هو بداية الفرج، قائلاً: "أشد ساعات الليل حلكة، تلك التي تسبق قدوم الفجر".
وأكد عودة أن على الجميع ألا يفقدوا الأمل، وأن يتمسكوا به، لأن الفرج باعتقاده لن يطول، وسيأتي لا محالة.
أخبار متعلقة :