الكويت الاخباري

إخوان الأردن.. فصل في مسلسل سيطول ! - الكويت الاخباري

كبحتُ جماح نفسي، وأنا أقاوم الرغبة في التعليق الآني والفوري على ما جرى في الساحة الأردنية مؤخرًا، من مؤامرة «إخوانية» تعدّت حدود النشاط الدعائي الهدّام، إلى مأثمة الضلوع في أعمال مسلحة تستهدف الأمن والسلم بعمليات إرهابية، وما كانت مقاومتي الشديدة في الرد لحظتها إلا لأمرين أساسيين:

أولهما: قناعتي المطلقة أن هذا الحدث ليس الأول، بسابق علم الجميع، ولن يكون الأخير، بالضرورة، لمن يعي ويفهم ويدرك طبيعة هذه الجماعة الإرهابية.

والأمر الآخر: وددت أن تكون عودتي لهذا الحدث بمثابة جرس أعلّقه على نافذة الأيام، دائم القرع والرنين، للتذكير بخطر هذه «الجماعة»، وضرورة مغادرة دوائر «الغفلة» بالتعاطي مع موبقاتها بوصفها حدثًا عابرًا، أو فعلًا بغير مرتكزات أيديولوجية تغذّيه، بما يتوجّب الذهاب عميقًا في الاستقصاء والتحليل، وإدراك أن ما حدث في الساحة الأردنية ليس إلا حلقة من حلقات مسلسل الإرهاب الإخواني، غير بعيد الصلة عن مثيلات له، من جماعات شبيهة، تختلف اسمًا وديباجة، وتتفق في جذور الفكر، وعطن الأيديولوجيا التي تستند إليها، وهذا من مخاتلات «الجماعة»، وأساليب تحركاتها في المحاضن المجتمعية التي تنخر في جذورها، وتستهدف أمنها وسلمها.

ومع تأكيدي المطلق لما قامت به السلطات الأردنية من «حظر نشاطات ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين، واعتبارها جمعية غير مشروعة، وتسريع عمل لجنة الحل المكلفة بمصادرة ممتلكات الجماعة وفقًا للأحكام القضائية ذات العلاقة، واعتبار الانتساب لما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين المنحلة أمرًا محظورًا، وحظر الترويج لأفكار الجماعة تحت طائلة المساءلة القانونية، وأي نشاط للجماعة أيًّا كان نوعه يعتبر عملًا يخالف أحكام القانون ويوجب المساءلة القانونية»

إلا إنني أرى أن الأمر يتطلّب جهودًا مشتركة تتضافر فيما بينها لتشكيل خطاب وقائي، غايته الأساسية تعرية فكر هذه «الجماعة»، وبيان ما يحتشد به من ألغام، وما يتّسم به من مراوغات، وما ينتهجه من أساليب ذات أثر مضر وبالغ على السذّج من المنفعلين بقضايا الدين دون دراية أو فقه مستنير، بما يفضي بهم إلى محرقة التطرف، وأتون الإرهاب.

إن من اليسير على أي باحث ومستقصٍ في جذور الحركات المتطرفة والإرهابية وجماعات الإسلام السياسي، التي تتزيا به زورًا وبهتانًا، أن يقوده البحث إلى المنطلقات المعوجة التي أرساها حسن البنا، وقعّد لها من بعده سيّد قطب في كتابه المفخخ «في ظلال القرآن»، ففي طي هذا الكتاب تكمن الطامة الكبرى، وتتحفز الفتنة بكل موقظاتها الموحشة، بما تضمنه من أفكار ملغومة ومغلوطة عن قضايا مثل: الحاكمية، والخلافة، وجاهلية المجتمع، والولاء والبراء، والجهاد، وحتمية صراع الحضارات، ومفهوم التمكين، ومفهوم الوطن، ومفهوم ديار الكفر والإيمان، وغيرها من القضايا التي اشتطّ فيها سيد قطب، وحمّلها مخرجات من عقله الفالت، وألبسها لبوسًا دينيًا بكسر عنق النص الديني، وتجريده من سياقه، وحمله على وجه لم يرد في أصل النص، ولا في من فهمه على وجهه الصحيح، وعمل به على بينة من ووضوح وطمأنينة، لننتهي في الختام إلى أطروحة فكرية قلقة ومفخخة تحت ديباجة هذا الاسم الرّنان «في ظلال القرآن» أُفتتن بها من أفتتن، ووجدت طريقها إلى المكتبات وعقول اليُفّع والمغامرين والمنفعلين بقضايا الدين والمتحمسين بفورة وعماء ونوايا ساذجة تحنّ إلى «تحكيم شرع الله»، بسطوة العنف، وتغليب السلاح، وتجهيل المجتمع، وتبديع الناس، وتكفير المخالف، وإشاعة الفوضى، وخلق سلطة موازية تناوئ الحاكم، وترميه بالضلالة والكفر والزندقة، وتنزل عليه الحكم من الآيات والأحاديث بغير معرفة بصيرة، ودراية حكيمة، وفهم للمقتضى، وإدراك للمعاني وأسباب النزول، وكل ما تقتضيه بصيرة العلماء من ذوي الحجى والعقل الراجح..

إنّ الحاجة تبدو مسيّسة لتعرية هذا الفكر المتشنج، بما ينطوي عليه من عدوانية، ومراوغة متعددة اللافتات، بمثل ما يواجه به من حزم أمني لمن أدرك خطره، وبانت له سواءته، فمن المهم أن يتشكّل تيار بخطاب ديني واعٍ ومستبصر، ويتخذ من الأدوات والتقنيات الأكثر تأثيرًا، والأوفق مع دالة الزمن، ومتغيرات الحياة، بخاصة وسط شريحة الشباب، الأكثر عرضة للتأثير الانفعالي، والانجرف مع كل ناعق، وتجاوز فكرة المعالجات المنقطعة والمعزولة عن بعضها، والذهاب باتجاه تأسيس منظومة عمل مشتركة ذات أهداف محددة، وهو جهد لا أشك في أنه سيلقى تحديات كبيرة وعظيمة في ظل ما سيواجهه من نظم حاكمة في المحيط الإقليمي ما زالت تتبنى الفكر الإخواني، وتوفر له المحاضن والمعاطن لبث سمومه، وتستغل ما يتشكّل لديها من تنظيمات إرهابية لصالح أجنداتها السياسية، بما يتوجّب معالجات أخرى تختلف وفق المستجد والمتغير.

إن نهج المملكة العربية السعودية في اجتثاث هذه الجماعة وقطع دابرها وخنق رئات تنفسها في مجتمعنا، ستظل رائدة، وتجربة ملهمة في طريق العودة إلى «الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب»، كما جهر بذلك ولي العهد، وعرّاب «الرؤية»، حين أعلنها داوية ومنذرة، وقالها بالصوت المبشر والمنير: «70 في المئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سندمرها اليوم وفورًا».. فمن أراد الخلاص من هذه الجماعة المأفونة فليقرأ صنيع المملكة مع «الصحوة» فثمة العلاج الناجع، والحل الأوفق.

أخبار ذات صلة

 

أخبار متعلقة :