كتب محمد الجمل:
تصاعد العدوان الإسرائيلي على عموم قطاع غزة، وجنوبه وشماله على وجه التحديد، خلال الفترة الماضية، مع اتساع الجرائم والفظائع الإسرائيلية بحق المدنيين، وتشديد الحصار، وتزايد رقعة النزوح.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة من قلب قطاع غزة، منها مشهد يرصد مضاعفة الاحتلال للمساحات التي يُسيطر عليها في غزة، ومشهد آخر يرصد استشهاد غالبية المصابين بجروح خطيرة في المستشفيات شبه المنهارة، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على مخاطر بيع الأدوية على البسطات، وتحذيرات وزارة الصحة من هذه الظاهرة الخطيرة.
الاحتلال يضاعف المساحة المُسيطر عليها
شهدت الأيام القليلة الماضية توسعاً تدريجياً في العمليات البرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة، وسيطرة جيش الاحتلال على المزيد من الأراضي والمناطق في القطاع، خاصة في الشمال والجنوب.
فقد بات الاحتلال يُسيطر على مدينة رفح بالكامل، ومناطق شرق وجنوب خان يونس، مع إصدار أوامر إخلاء شملت أكثر من 80% من مساحة المحافظة.
وإضافة إلى ذلك وسّع الاحتلال عدوانه شرق مدينة دير البلح وسط القطاع، ووصلت الدبابات حتى حافة شارع صلاح الدين، بينما تتعمق العمليات البرية شمال القطاع، وتحديداً في منطقتي جباليا وبيت لاهيا، ويتوسع الاحتلال تدريجياً في تلك المناطق، ويسيطر على المزيد من الأراضي هناك.
ووفق مصادر مطلعة فإن مجموع المناطق التي يُسيطر عليها الاحتلال، أو أنذرها بالإخلاء، تجاوزت 72% من مساحة قطاع غزة، وهذه المناطق تشمل ما تم تحويله إلى "مناطق حمراء"، بينما تم زج السكان البالغ عددهم أكثر من 2.3 مليون شخص في ثلاثة تجمعات رئيسة، وهي غرب مدينة غزة، ووسط القطاع، وفي مواصي خان يونس، بما لا يتجاوز 35% من مجموع مساحة القطاع.
وكانت القناة "12" العبرية، نقلت عمّا وصفتها مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة قولها، إن جيش الاحتلال يسيطر حالياً على نحو 50% من مساحة قطاع غزة، بينما عملية "عربات جدعون"، ما زالت في بداياتها.
ونتيجة للتغير الديمغرافي القسري في القطاع، تُعاني بعض المناطق اكتظاظاً كبيراً وغير مسبوق، إذ يوجد نازحون في الشوارع، ولا يجدون مكاناً يؤويهم.
وذكر المواطن عبد الله النجار، من سكان شرق خان يونس، أنه وبسبب أوامر الإخلاء والقصف المدفعي والجوي العنيف، اضطر إلى ترك منزله، ونزح وعائلته إلى مواصي خان يونس، ولم يعثر على مكان يؤويه، وقد لجأ إلى شاطئ البحر، واستخدم بعض الأغطية، لإقامة خيمة متواضعة لتستر عائلته التي باتت ليلتين في العراء.
وأشار إلى أن الاحتلال سيطر على غالبية مناطق شرق خان يونس وجنوبها، وطرد المواطنين من منازلهم، وزج بهم في منطقة مُكتظة، ممتلئة بالنازحين، ولا توجد فيها خدمات.
ولفت النجار إلى أن الاحتلال يُعيد رسم الخارطة الديموغرافية لقطاع غزة على نحو خطير، وأخلى أكثر من نصف القطاع من السكان، ويواصل إصدار أوامر نزوح، تتسبب في إخلاء المزيد من الأحياء والمدن، وهذا يُنذر بالأسوأ.
وحذر مختصون من مخاطر مُحتملة جراء التكدّس الكبير للسكان في مناطق صغيرة سيئة الخدمات، مع انتشار النفايات الصلبة والمجاري في محيط المخيمات، ما قد يؤدي إلى انتشار أمراض خطيرة على نطاق واسع، خاصة أن التقارب بين المواطنين يؤدي إلى سرعة العدوى.
شهداء متأثرون بجروحهم
لا يكاد يمر يوم دون الإعلان عن ارتقاء العديد من المواطنين داخل مستشفيات قطاع غزة، متأثرين بجروحهم الخطيرة التي كانوا أصيبوا بها في أوقات سابقة.
وجرّاء تدهور الأوضاع الصحية في المستشفيات، ونقص العلاجات، زاد عدد الجرحى الذين يموتون بعد إصابتهم بساعات أو أيام، بسبب تعذر تقديم العلاجات والتدخلات الطبية العاجلة لهم.
ووفق أطباء ومختصين، فإن أسباب وفيات الجرحى في قطاع غزة تعود إلى أمرين، الأول استخدام الاحتلال صواريخ وقنابل مُحرمة ومحظورة، تصيب المواطنين بجروح وحروق شديدة، يصعب النجاة منها، وهو ما أكدته وزارة الصحة في غزة، في وقت سابق، موضحة أن غالبية المصابين من الغارات يفارقون الحياة بعد أيام وساعات من إصاباتهم.
أما السبب الثاني، وفق المصادر الصحية، فيتمثل في الوضع الصحي الحرج في قطاع غزة، ونفاد الأدوية، وتهالك المعدات الطبية، ونقص الأسرّة، حيث يحتاج جرحى لتدخلات طبية معمقة، وهي غير متوفرة في الوقت الحالي.
وزادت الأوضاع الصحية صعوبة في قطاع غزة، بعد الإعلان عن توقف مستشفى غزة الأوروبي أحد أكبر مستشفيات القطاع عن العمل، حيث كان المستشفى يضم 28 سرير عناية مركزة، و12 حاضنة أطفال، و260 سريراً للمبيت، و25 سريراً للطوارئ، و60 سريراً مُخصصة لمرضى الأورام، عدا أقسام ميدانية أقيمت لتوسعة المستشفى، وما تبعه من إخراج قسري لمستشفيات شمال القطاع.
بينما أكدت وزارة الصحة في غزة أن أعداد الشهداء قد تتضاعف خلال الأيام القادمة، في ظل عدم قدرة المستشفيات على استيعاب المصابين، محذراً من أن المنظومة الصحية باتت على وشك الانهيار الكامل.
من جهته، قال الطبيب محمد عوض، الذي يعمل في قسم الطوارئ بمستشفى الأندونيسي في بيت لاهيا شمال القطاع، متحدثاً عن المجازر الأخيرة، إن "المستشفى لم يتسع للمصابين، لا توجد أسرّة كافية ولا أدوية ولا إمكانيات لعمليات جراحية أو علاجية، ما يجعل الأطباء عاجزين عن إنقاذ العديد من المصابين الذين يموتون بسبب عدم تلقي العلاج"، وقد زادت الأمور صعوبة بعد تعرض المستشفيات للقصف، وإخراج المزيد منها عن الخدمة.
في حين أكد الطبيب محمد أبو سلمية، مدير عام مجمع الشفاء الطبي، أن آلاف الجرحى بينهم مَن هم في حالات حرجة، لا يتلقون العلاج المناسب بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يجعل ارتفاع عدد الشهداء أمراً محتوماً.
وعبّر أبو سلمية عن أسفه لفقدان الجرحى حياتهم أمام أعين الفرق الطبية بسبب نقص الإمكانات، قائلاً إن كثيراً من المصابين يمكن إنقاذهم لو توفرت المستلزمات الطبية الأساسية.
تحذيرات من بسطات الأدوية
حذرت وزارة الصحة في غزة المواطنين من شراء الأدوية من البسطات أو الأكشاك التي تنتشر في الأسواق والطرقات، لما يشكله ذلك من خطر حقيقي على صحة وحياة المواطنين.
وأوضحت وزارة الصحة أن غالبية الباعة في هذه النقاط العشوائية، غير حاصلين على ترخيص من الوزارة، ما يترتب على ذلك بيع ووصف أدوية خاطئة، ما قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة قد تصل إلى الوفاة.
وبينت أن ️الأدوية المُتداولة في النقاط العشوائية تُعرض وتُحفظ في ظروف تخزين سيئة تحت حرارة وأشعة الشمس، ما يؤدي إلى فقدانها فعاليتها وتلفها وزيادة خطر تحولها إلى مواد ضارة بالصحة.
وطالبت الوزارة المواطنين بعدم شراء أي أدوية من خلال هذه النقاط، والتوجه إلى الصيدليات الرسمية المُرخصة من الوزارة، والتي تضمن جودة الأدوية المتداولة فيها، ووجود أشخاص مؤهلين بها.
وشوهد في مناطق وسط وجنوب قطاع غزة، بعض البسطات تعرض كميات من الأدوية، لا يعرف حتى مالكها طبيعتها، ولا طُرق استخدامها، وكل ما يعرفه عنها هو أسعارها، وبعض البسطات، إن لم يكن غالبيتها، تعرض الأدوية في الشمس وعلى الأرصفة، دون أية وسيلة لحماية الأدوية.
ولا يُعرف من أين يأتي أصحاب هذه البسطات بالأدوية، غير أن بعض المصادر أكدت أنها كميات سُرقت سابقاً من شاحنات مساعدات كانت تحمل أدوية، خلال توجهها إلى مستشفيات ومخازن.
ويُقبل مواطنون على شراء أدوية يعرفونها من تلك البسطات، بينما يعتمد آخرون على وصفات البائع، الذي لا يمتلك خبرات في علم الأدوية، الأمر الذي قد يُهدد حياة المواطنين.
وتباينت آراء المواطنين حول بسطات الأدوية، فيرى البعض أنها جيدة وتسهّل على المواطنين، وقد يتوفر فيها أنواع من الأدوية غير متوفرة في الصيدليات، بينما اعتبر غالبية المواطنين أنه أمر شديد الخطورة، ويُهدّد حياة المرضى الذين قد يعتمدون على هذه الأدوية، وقد تستخدم هذه البسطات لترويج عقاقير محظورة، تحوي مواد مخدرة، وهذا يزيد الأمور خطورة.
ووفق صيادلة فإن الخطورة في الأمر أن بعض هذه الأدوية لا تُصرف دون وصفات طبية، وبحاجة إلى شرح من الصيدلاني حول طريقة الاستخدام السليمة.
أخبار متعلقة :