رغم أن الثقوب السوداء تُعرف بكونها مناطق من الفضاء لا يستطيع الضوء الهروب منها، إلا أن بعضًا من ألمع الأضواء في الكون تنبع تحديدًا من هذه الأماكن المظلمة، فمن خلال بيانات تلسكوب "فيرمي" الفضائي لأشعة جاما التابع لوكالة ناسا، والذي يرصد السماء منذ عام 2008، تم اكتشاف آلاف من مصادر الضوء عالية الطاقة التي لا تمثل نجوماً، بل تُعرف باسم نوى المجرات النشطة (AGN)، وهي مناطق تقع في قلب المجرات حيث تدور كميات هائلة من الغبار والغاز حول ثقوب سوداء هائلة، مسببةً انبعاثات قوية من الإشعاع تغطي جميع أطياف الضوء، من الراديو وحتى أشعة غاما.
الثقوب السوداء الموجودة في مراكز هذه النوى النشطة تفوق كتلة الشمس بمئات الآلاف إلى مليارات المرات. وعندما تسحب هذه الثقوب الغاز والغبار المحيط بها، تتشكل أقراص دوارة تعرف باسم “أقراص التراكم”، تنبعث منها حرارة وضوء هائلان نتيجة الاحتكاك والتفاعلات المغناطيسية. في نحو 10٪ فقط من هذه النوى النشطة، تُطلق تدفقات جسيمات عالية السرعة تُعرف باسم “النفاثات”، وهي تتحرك بسرعات تقارب سرعة الضوء.
ومن العوامل المثيرة أن نوع نواة المجرة النشطة التي يمكن رصدها من الأرض يعتمد على اتجاهها. فالمجرات الراديوية تطلق نفاثاتها بشكل جانبي، بينما البليزارات (Blazars) تطلقها مباشرة باتجاه الأرض، مما يجعلها تبدو أكثر سطوعاً في رصد أشعة غاما. وتشير بيانات “فيرمي” إلى أن أكثر من نصف مصادر أشعة غاما المكتشفة حتى الآن هي بليزارات، مما يمنح العلماء أدلة حيوية لفهم فيزياء هذه الظواهر العنيفة.
إلى جانب كونها مصادر للضوء، فإن نوى المجرات النشطة تُعد كنزاً علمياً لأنها تكشف عن ماضي الكون. فقد وُجدت AGN في بدايات الكون، ويُعتقد أنها لعبت دوراً محورياً في تشكيل المجرات وتحديد وتيرة نموها. ومن خلال دراسة البيئة المحيطة مباشرة بهذه الثقوب، يأمل العلماء في فهم أعمق لبنية الكون وتاريخه.
تظل المفارقة الكبرى قائمة: كيف يمكن لثقوب سوداء معروفة بابتلاع الضوء أن تقف وراء أعظم عروض الكون البصرية؟ الإجابة تكمن في التفاعلات الشديدة حولها، والتي تجعل من هذه البؤر المظلمة أضواءً كاشفةً لطبيعة الكون المتغيرة. وبفضل بعثات مثل “فيرمي”، تتسع صورة الكون لتكشف لنا أن بعض أكثر مصادر الضوء سطوعاً تأتي من أظلم أركانه.
أخبار متعلقة :