باتت ظاهرة عزوف الشباب الأردني عن الزواج وتأخر سن الارتباط الاجتماعي واقعاً ملموساً يثير قلق المجتمع والمختصين.
فبعد أن كان الزواج محطة أساسية في حياة الشاب والشابة، أصبح حلماً مؤجلاً للكثيرين، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة.
فما هي الأسباب الجذرية وراء هذا العزوف، وكيف يؤثر على التركيبة الأسرية والمجتمعية في المملكة؟
العبء الاقتصادي: "الغول" الأكبر
يُعد العامل الاقتصادي السبب الأبرز والمهيمن على قرار الشباب بتأجيل أو التخلي عن فكرة الزواج.
وترتبط هذه الأسباب بشكل مباشر بـ:
ارتفاع تكاليف الزواج الباهظة
كما ورد في تقارير سابقة، تتراوح تكلفة حفل الزفاف "العادي" في الأردن بين 17,500 إلى 50,000 دينار أردني.
هذه التكاليف تشمل المهر (الذهب، المقدم، المؤخر)، تكاليف القاعة والضيافة، تجهيزات العروس والعريس، تأثيث المنزل، ومصاريف شهر العسل.
هذه الأرقام تفوق بكثير قدرة غالبية الشباب الأردني على التوفير.
غلاء المهور وارتفاع أسعار الذهب
على الرغم من أن المهور قد "تبدو" ثابتة، إلا أن ارتفاع أسعار الذهب عالمياً ينعكس على الكمية التي يمكن شراؤها بنفس قيمة المهر.
الذهب يُشكل جزءاً كبيراً من مهر العروس في الأردن، ومع وصول أسعاره إلى مستويات قياسية، أصبح تأمينه عبئاً كبيراً.
البطالة وضعف الرواتب
يواجه الشباب الأردني معدلات بطالة مرتفعة، وحتى من يحصل على عمل، فإن الرواتب غالباً ما تكون غير كافية لتغطية متطلبات الحياة الأساسية، فكيف بمتطلبات بناء أسرة جديدة؟ هذا التحدي يجعل تأمين سكن مستقل وتغطية النفقات اليومية حلماً بعيد المنال.
تكاليف المعيشة المرتفعة
ليس الزواج بحد ذاته مكلفاً فحسب، بل إن تكاليف المعيشة المستمرة بعد الزواج (إيجار السكن، فواتير، مواصلات، احتياجات الأبناء مستقبلاً) تشكل هاجساً حقيقياً يمنع الشباب من الإقدام على هذه الخطوة.
التغيرات الاجتماعية والثقافية: أولويات جديدة
إلى جانب العوامل الاقتصادية، تلعب التغيرات الاجتماعية والثقافية دوراً مؤثراً في عزوف الشباب عن الزواج.
ارتفاع سقف التوقعات والمتطلبات
يرى كثير من الشباب، وخصوصاً الفتيات، أن المجتمع يفرض معايير عالية للزواج، سواء من حيث المظهر الاجتماعي للحفل أو مستوى المعيشة المتوقع بعد الزواج.
هذا يدفع البعض إلى رفع سقف طلباتهم، مما يزيد من صعوبة الزواج.
تغير أولويات الشباب
لم يعد الزواج الأولوية القصوى لكثير من الشباب، خاصة الإناث.
فقد أصبحت أولويات مثل إكمال التعليم العالي، الحصول على وظيفة مرموقة، تحقيق الاستقلال المادي والشخصي، أو حتى الهجرة والعمل في الخارج، تتقدم على فكرة الزواج.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
تُسهم وسائل التواصل الاجتماعي في خلق صورة "مثالية" للزواج والحياة الزوجية، غالباً ما تكون بعيدة عن الواقع المالي والثقافي للغالبية، مما يزيد من الضغط النفسي على الشباب ويجعلهم يشعرون أنهم لا يستطيعون تحقيق هذه "المثالية".
الخوف من الفشل والطلاق
مع ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع، أصبح بعض الشباب أكثر حذراً وتردداً في الإقدام على الزواج، خوفاً من تجربة غير ناجحة أو تكرار لتجارب محيطهم.
غياب الدعم والتشجيع المجتمعي والرسمي
يُلاحظ أن هناك فجوة في آليات الدعم والتشجيع الموجهة للشباب لتسهيل الزواج.
ضعف المبادرات التيسيرية
على الرغم من وجود بعض الدعوات لتخفيف المهور وتكاليف الزواج، إلا أن هذه المبادرات لا تزال فردية أو محدودة التأثير على نطاق واسع.غياب صناديق الزواج الرسمية
على عكس بعض الدول العربية التي توفر صناديق زواج أو قروض ميسرة لدعم الشباب، فإن الأردن لا يزال يفتقر إلى مثل هذه البرامج الرسمية الفعالة على نطاق واسع.الآثار المترتبة على المجتمع
يؤدي عزوف الشباب عن الزواج إلى تبعات اجتماعية واقتصادية خطيرة، منها:
إن ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج في الأردن هي مشكلة معقدة تتطلب مقاربة شاملة تعالج جذورها الاقتصادية والاجتماعية. يتطلب الأمر تضافر جهود الحكومة، المؤسسات الدينية، المجتمع المدني، والأسر لتوفير بيئة داعمة وتشجيع ثقافة التيسير في الزواج، بما يضمن استمرارية بناء الأسر وتحقيق الاستقرار المجتمعي.
0 تعليق