يؤكد علماء ودعاة على ضرورة استغلال العشر الأوائل من ذي الحجة في العبادة والدعاء، مع التأكيد على التوازن بين الفرح والتضامن مع المسلمين المنكوبين في العالم.
وضرب الداعية الدكتور عمر عبد الكافي مثالا بملك عادل قرر أن يمنح رعاياه 10 أيام يعفو فيها عن كل مخطئ معترف بذنبه، فأرسل المنادي ينادي بهذا العفو العام، فاستجاب ناس كثيرون وفازوا بالعفو، إلا عبدا واحدا استعظم ذنبه وظن أنه لن يُغفر له، فأضاع فرصة عمره.
وقد استخدم هذا المثال للتأكيد على أن رحمة الله أوسع، وأن أبوابها مفتوحة دائما للتائبين.
وفيما يتعلق بفضائل الأيام المباركة والحث على استثمارها، أكد الداعية على أن الله -سبحانه وتعالى- يعلم ضعف بني آدم وكثرة نسيانهم، ولذلك جعل لهم مناسبات روحانية متعددة لتجديد الإيمان وتطهير النفس، ومن أعظمها العشر الأوائل من ذي الحجة.
وفي هذا السياق، استضافت حلقة (2025/5/27) من برنامج "حكم وحكمة" مجموعة من المختصين والدعاة لمناقشة أفضل الطرق لاستثمار هذه الأيام المباركة، حيث أجمعوا على أن أحب الأعمال هو كف الأذى عن الآخرين، ثم الصبر والتصبر على أفعالهم، وأخيرا الإحسان إليهم حتى وإن أساؤوا.
وطرح مقارنة بين شهر رمضان وشهر ذي الحجة، حيث صور حوارا تخيليا بين الشهرين أمام الناس، يقول خلاله رمضان: "أنا خير الشهور، خصني الله بالصيام والقرآن وعندي ليلة هي خير ليالي الدهر"، بينما يقول ذو الحجة: "أنا شهر الحج الأعظم، ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيامي".
إعلان
وقدم عبد الكافي توجيهات عملية ليوم عرفة والابتعاد عن "المشتتات"، تبدأ بوضع الهاتف المحمول داخل الخزانة وإغلاق الباب عليه، مشبهين ذلك بتصفيد الشياطين في رمضان.
وأكد أن يوم عرفة هو أفضل يوم طلعت عليه الشمس، وأن صيامه يكفر ذنوب سنة ماضية وسنة باقية، داعيا إلى التفرغ للذكر والدعاء وقراءة القرآن والاستغفار.
كما تناول الداعية مع ضيوفه كيفية التوازن بين فرحة العيد والأوضاع المؤلمة في غزة وغيرها من البلدان المنكوبة. وأجمعوا على أن الفرح في العيد مشروع ومطلوب، وهو فرح بنعمة الله وبالطاعة، استنادا لقوله تعالى "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا".
وأكدوا أن "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، داعين إلى مشاركة الأشقاء في غزة معاناتهم عبر الدعاء والتضامن العملي.
وأشاروا إلى قصة مؤثرة لطبيبة في غزة فقدت 9 من أبنائها، ولم تتعرف عليهم من شدة التشويه، واكتشفت أن أحد المرضى الذين تعالجهم هو ابنها.
كما استشهدوا بقول امرأة غزاوية "عندنا من الثياب البيضاء ما يكفي لتكفين شهدائنا، لكن ليس عندنا ثياب بيضاء لرفع راية التسليم".
تذكير الأمة
وفي الجزء الثاني من الحلقة، قدم الدكتور عبد الحي يوسف نصائح تذكر الأمة بوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
وأكد يوسف على أن هذه الأيام "غنيمة عظيمة أيامها معدودة وساعاتها محدودة"، داعيا المسلمين إلى أن يكونوا كالتاجر الذي يحرص على استثمار كل لحظة فيما يقربه إلى الله.
وقدم برنامجا عمليا يشمل قراءة 3 أجزاء من القرآن يوميا، والمواظبة على الصلوات الخمس مع الجماعة، والسنن الرواتب، وصلاة الضحى، والإكثار من ذكر الله.
كما قدم الشيخ يوسف شرحا عميقا لعلاقة الحج بالجهاد، موضحا أن الله سبحانه وتعالى قرن بينهما في القرآن الكريم.
إعلان
ففي سورة البقرة، جاء الحديث عن الحج متبوعا مباشرة بآيات الجهاد "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم". وفي سورة الحج، بعد تفصيل أحكام الحج والأضاحي، جاء قوله تعالى "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير".
وأشار إلى أن هذا الفهم العميق دفع الأئمة الأولين مثل الإمام مالك والإمام البخاري إلى وضع باب الجهاد مباشرة بعد أبواب العبادات الأساسية، معتبرين أن الجهاد هو الذي يحرس هذه الأركان ويحميها. وذهب بعض العلماء إلى عد الجهاد الركن السادس من أركان الإسلام، لأنه لا يتم الدين إلا به.
وشدد ضيوف الحلقة على أهمية تذكر نعم الله عليهم، وأنهم في أمن وأمان، يجدون ما يأكلون ويشربون ويتنفسون هواء نقيا، بينما إخوانهم في غزة لا يجدون ما يأكلون ولا ماء نقيا يشربون ولا هواء نقيا من كثرة ما أُمطر عليهم من الحمم والنيران.
وحذروا من أن يتعلق هؤلاء المظلومون برقاب المسلمين يوم القيامة قائلين: "يا ربي أنصفني من هذا الذي رآني ضعيفا فما نصرني ورآني ضائعا فما آواني".
لذلك أكدوا على أهمية الدعاء في هذه الأيام المباركة، ليس فقط للنفس وأمور الدنيا، بل للإخوان المسلمين في كل مكان، لأن "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله".
الصادق البديري
27/5/2025
0 تعليق