كتب يوسف الشايب:
تحت عنوان "على هذه الأرض"، أقام عازف البيانو الفلسطيني العالمي إياد الصغيّر، أمسية موسيقية، احتضنها مسرح قاعة الشارقة في مقر معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى بمدينة رام الله، ضمن فعاليات مهرجان "الياسمين" 2025، مساء السبت الماضي.
ولفت الصغيّر إلى أن عنوان الأمسية الموسيقية، يعكس شيئاً من مشاعره كونه العرض الاحترافي الأول له على أرض فلسطين، التي يزورها بعد غياب تواصل أربعة عشر عاماً، وفي رام الله، التي يحط بها للمرّة الأولى منذ ميلاده في العام 1993، فهو يكاد لا يصدّق أنه، عزف "على أرض الوطن".
وكانت البداية بمقطوعة من تأليف الفنان الفلسطيني أمين ناصر، تحت عنوان "فالس شرقي"، مُقدماً مفتتحاً لعرض نجح في محاكاة الإبادة المتواصلة منذ عقود، والنكبة المستمرة، بشكل أو بآخر، فناصر، الذي يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، من مواليد مدينة الرملة في العام 1935، وتهجّر وعائلته إثر هجمات العصابات الصهيونية في العام 1948، عام النكبة الفلسطينية، لتحط به الرحال يافعاً برفقة أسرته في بلدة بيرزيت قرب رام الله، التي درس في كليتها، قبل أن تتحول إلى جامعة لاحقاً، ومن ثم في النمسا وألمانيا، ليشارك لاحقاً في تأسيس المعهد الموسيقي الأردني، الذي شغل منصب رئيسه في فترة من الفترات، مُدشناً مسيرته المهنية كموسيقي ومُعلم للموسيقى.
عاد ناصر، الذي تعكس حكاياته شيئاً من سِفْر النكبة، إلى مدينة رام الله، وساعد في تأسيس المعهد الوطني الفلسطيني للموسيقى في العام 1993، وكان رئيسه في فترة من الفترات، هو الذي تحوّل لاحقاً ليحمل اسم معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، كما عمل منسقاً لبرنامج الموسيقى في جامعة بيرزيت، وفي العام 1999 صدر كتاب يجمع مؤلفاته منذ العام 1951 تحت عنوان "أمين ناصر: الأعمال الموسيقية الكاملة".
وتتميز أعمال ناصر، وبينها "فالس شرقي" التي قدمها الصغيّر، بأنها تشكل مرآة لحيواتنا في فلسطين، ما بين انتصار وظلام، وسعادة وعزلة، وأمل في ظل حالة من اللا يقين الدائم.
وكان جمهور مهرجان "الياسمين" على موعد بعدها مع ثلاث مقطوعات للموسيقار النمساوي فرانز شوبرت (1797- 1928)، أولها بعنوان "مبتهج جداً"، وثانيها بعنوان "أليغريتو"، والتي تعني موسيقيّاً "سريع إلى حد ما" أو "معتدل السرعة"، في حين حملت الثالثة عنوان "مبتهج"، في موسيقى تعكس في عناوينها ومحتواها حالة من التحدي، بحيث ألفها شوبرت في ظروف معقدة على المستويين الصحي والسياسي، كان من الصعب معها أن يكون مُبتهجاً أو مبتهجاً جداً، وهي محاكاة واعية أو في اللا وعي لحالة الصمود التي يعيشها السكّان الأصلانيّون في مواجهة جرائم الاحتلال والمستوطنين على كامل الجغرافيا الفلسطينية المحتلة.
وقدّم الصغيّر بعدها مقطوعة "ليفانتينا" أو "الشامية"، وأعدتها الفنانة البريطانية هيلين أوتاواي خصيصاً له، من وحي "ترويدة الشمالي" التي كانت ترددها نساء فلسطين كنوع من الشيفرة، في مخاطبة الثوار والأسرى لخداع الاحتلالات المتتالية على فلسطين، وراعت في لحنها هذا الإخفاء فحاكتها موسيقيّاً، حتى بات ثمة ما وراء المعزوف منها.
وختم عازف البيانو الفلسطيني العالمي أمسية "على هذه الأرض" بثلاث مقطوعات للفنان الأرمني آرام خاتشاتوريان (1903 – 1978)، الذي سبق أن أصدر أسطوانتين له سابقاً، على أن يسجل في تشرين الأول المقبل أسطوانة ثالثة، ليكون بذلك أتم تسجيل كامل مقطوعاته، التي يصفها بالساحرة، والتي أسرته في سن مبكرة نسبيّاً.. وقال، ثمة تقاطع ما في سيرتنا وهجرتنا، فخاتشاتوريان أرمني ولد في جورجيا وعاش جلّ عمره في روسيا السوفييتية، في حين أنا فلسطيني وُلدت في الأردن وعشت جلّ سنوات عمري في بريطانيا، وهذه ليست مقارنة مع قامة كخاتشاتوريان بطبيعة الحال، لكنها محاولة لتفسير انجذابي العميق لموسيقاه، التي ربّما تتأتى أيضاً "لكوني وإياه عايشنا النكبة، ولو من خلال آبائنا أو أجدادنا، أو أعراقنا، وهو ما ينعكس في موسيقاه رغم أنه زار أرمينيا في سن متأخرة، هو المولود ما بعد مجزرة الأرمن بقليل".
0 تعليق