أكدت دار الإفتاء المصرية أن الزلازل التي تحدث في مناطق معينة من العالم لا تُعد دليلًا على غضب الله تعالى أو انتقامه من أهل هذه البلاد، مشددة على أن الكوارث الطبيعية قد تقع على الصالحين كما تقع على العصاة، وأن البلاء قد يكون وسيلة للثواب ورفع الدرجات.
الزلازل من آيات الله لا دليل على الانتقام
أوضحت دار الإفتاء في بيان لها، أن الزلازل تُعد آية من آيات الله في كونه، وهي واقعة بقدرة الله وإرادته، مستشهدة بقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 73]، وبالآيات الواردة في سورة الزلزلة التي تصف حال الأرض حين تتحرك وتُخرج ما في جوفها.
وأشارت إلى أن الزلازل مثلها مثل غيرها من الابتلاءات والظواهر الكونية التي تهدف إلى تذكير الناس بقدرة الله، ودعوتهم للتوبة والخشية والتضرع، لا لإثبات غضب من الله على فئة معينة من الناس.
الابتلاء قد يصيب الصالح والعاصي
بيّنت الدار أن الابتلاء سنة إلهية قد تصيب الجميع، دون أن تكون دليلًا مباشرًا على الذنب أو الفجور، موضحة أن من ابتُلي من الصالحين فصبر، كان له عند الله الأجر والثواب، مستشهدة بقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157].
كما نقلت عن الإمام القشيري في "لطائف الإشارات" أن البلاء بالنعمة يُظهر الشكر، والبلاء بالمحنة يُظهر الصبر، فكلاهما ابتلاء يُختبر به المؤمن.
الموت بالزلازل له أجر الشهادة
أكدت دار الإفتاء أن من مات بسبب الزلازل أو الهدم يُعد شهيدًا في ميزان الشريعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله» (متفق عليه)، مما يُبيّن أن الابتلاء لا يعني الخسارة، بل قد يرفع الله به منزلة العبد.
لا يصح ربط الكوارث الطبيعية بغضب الله
فنّدت الدار مزاعم بعض الأشخاص الذين يربطون الزلازل بما يعتبرونه دليلًا على معصية أهل بلد معين، مؤكدة أن هذه الرؤية غير صحيحة شرعًا ولا تستند إلى نصوص دينية صحيحة، مشددة على أن التعميم في هذا السياق غير جائز شرعًا، بل إن الله قد يبتلي عباده ليختبر صبرهم أو ليعيدهم إلى طريقه بالرأفة والرحمة لا بالانتقام.
ما يجب على المسلم وقت حدوث الزلازل
دعت دار الإفتاء المسلمين عند حدوث الزلازل إلى التضرع والدعاء والرجوع إلى الله والإكثار من فعل الخيرات، مستشهدة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَإِنَّ صَنَائِعَ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ، وَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وَتَقِي الْفَقْرَ. وَأَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ دَاءً، أَدْنَاهَا الْهَمُّ» (أخرجه الطبراني).
كما نصحت بكثرة قول "لا حول ولا قوة إلا بالله"، لما لها من أثر في رفع البلاء وكشف الكرب، حسبما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة.
دعوة للتأمل لا للتشكيك
اختتمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن ما يحدث من زلازل أو كوارث طبيعية يجب أن يكون دافعًا للمسلمين للتأمل في قدرة الله، والرجوع إليه تائبين، والإكثار من العمل الصالح، لا أن يكون مدعاة لإطلاق الأحكام على الناس والتشكيك في نياتهم أو مستوى تدينهم.
0 تعليق