"نبروه".. رائدة الفسيخ في مصر خلال موسم "شم النسيم" - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

نبروه- أشغال شاقة تعيشها مدينة "نبروه" المصرية الواقعة بمحافظة الدقهلية في دلتا النيل شمالي مصر مع حلول عيد الربيع، والمعروف محليا بموسم "شم النسيم"، حيث تشتهر بصناعة الفسيخ والرنجة والسردين، وجميعها أطباق أسماك مملحة ومعتقة اعتاد المصريون تناولها منذ زمن الفراعنة.

ورغم كونها مدينة غير ساحلية، تستمد نبروه والتي تقع على بعد 150 كلم شمال القاهرة، تجارتها من الأسماك من المدن الساحلية والبحيرات الصناعية القريبة من نبروه.

ويحتفل المصريون بعيد شم النسيم باعتباره بداية فصل الربيع، ويأتي في اليوم التالي لعيد القيامة (أو عيد الفصح في الديانة المسيحية)، والذي يكون دائما يوم أحد (حسب تقويم الكنيسة الشرقية يقع عيد القيامة بين يومي 4 أبريل/نيسان و8 مايو/أيار بين سنتي 1900 و2100)، فيكون عيد شم النسيم يوم الاثنين التالي له.

وشم النسيم هو عطلة وطنية في مصر، يحتفل بها أهل البلد على اختلاف أديانهم، لذلك يعتبر مهرجانا وطنيا وليس دينيا، وقد ابتكر المصريون أطباقًا خاصة لتناولها في مثل هذا اليوم خاصة الأسماك المملحة والبيض الملون.

والفسيخ أكلة فرعونية قديمة عرفها المصريون القدماء حيث ظهرت بين الأطعمة التقليدية في الاحتفال بعيد شم النسيم في عهد الأسرة الفرعونية الخامسة (القرنان 24 و25 قبل الميلاد)، مع بدء الاهتمام بتقديس النيل، وقد أظهر القدماء براعة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ، حسبما ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد.

إعلان

وفي ظل الإقبال الشعبي الكبير على عادة تناول الأسماك المملحة فإن وزارة الصحة المصرية عادت ما تصدر معايير وتحذيرات يجب اتباعها عند تناولها، إذ يشهد هذا اليوم في بعض الحالات إصابات بتسمم غذائي في عموم البلاد.

عاصمة الفسيخ والرنجة

بشارع 6 أكتوبر الواقع في قلب نبروه، حيث تتراص على جانبي الشارع عشرات المحال التجارية المتخصصة في الفسيخ والرنجة، يقبض أحمد اليماني بيديه على ذيول أسماك ذات رائحة نفّاذة، أخرجها للتو من براميل خشبية تغوص فيها أسماك البوري المملحة، ومن حوله زحام شديد على شراء طلبيات مختلفة الأحجام والأسعار من أسماك الفسيخ والسردين، المشهور تناولها في شم النسيم.

***داخلية***المحال التجارية للفسيخ والرنجة
تتراص عشرات المحالات التجارية للفسيخ والرنجة وتزدحم برواد الأسماك المملحة في قلب نبروه (الجزيرة)

يقول اليماني، صاحب أحد أشهر محل الأسماك المملحة، وعلى وجهه ترتسم علامات الثقة والفخر لـ "الجزيرة نت"، إن "نبروه أصل الفسيخ في مصر، الزبائن يأتوننا من كل مكان في مصر ومن خارجها".

يعمل اليماني في هذه التجارة منذ طفولته، وهو من الجيل الثالث لعائلة تشتهر بها، مشيرا إلى أن أول من اشتغل بها في بلاده "الفسخاني" (بائع الفسيخ) الحاج لطفي الحداد، وقد توارثها عنه أبناؤه وأحفاده وآخرون ممن عملوا معه وافتتحوا تجارتهم الخاصة، وذلك منذ منتصف القرن الماضي.

كيف يصنع الفسيخ؟

وثمة تقارير صحفية تشير إلى أن الفضل في شهرة "نبروه" في صناعة الفسيخ يعود إلى زمن الاحتلال البريطاني لمصر (من 1882 إلى 1954)، بعد أن استولى الإنجليز على معظم أراضي المدينة الزراعية؛ فاضطر عدد كبير من أبنائها للبحث عن مهن أخرى فكان الصيد وتمليح الأسماك وبيعها للمدن والقرى المجاورة، حتى ذاع صيتها ومنها جاء الوصف "نبروه مدينة الفسيخ".

***داخلية*** عملية تصنيع الفسيخ
يتم تصنيع الفسيخ بعد تعتيقه في الملح الخشن داخل براميل خشبية ما بين أسبوع لأسبوعين (الجزيرة)

وحول طريقة تصنيع الأسماك المملحة، يوضح اليماني أنهم يستخدمون أنواعا تجلب من مزارع سمكية تقع في مدينة بورسعيد الساحلية (شمال شرق)، أشهرها البوري والسردين البلدي، بعد أن يتم تربيتها وتغذيتها بأعلاف من أجود الأنواع، صُنّعت خصيصا لها.

إعلان

ومن سمك البوري يتم تصنيع الفسيخ بعد تعتيقه في الملح الخشن داخل براميل خشبية ما بين أسبوع إلى أسبوعين حسب حالة الطقس، وعلى المنوال ذاته يتم تصنيع السردين المملح، وهما الأكثر انتشارا في نبروه، حسب مشاهدات الجزيرة نت.

كما يشتهر موسم شم النسيم والأعياد الدينية الإسلامية والمسيحية على السواء (خاصة عيدي الفطر والقيامة) بأنواع أخرى؛ منها "الرنجة" وهي سمك مدخن، وأبرز أنواعها الشعبية بحسب اليماني "المبطرخة والذهب والكافيار"، إلى جانب "الملوحة" التي يتم تصنيعها من أسماك تصطاد من نهر النيل، لكنها تشهد إقبالاً أكثر في محافظات صعيد مصر (جنوب).

قبلة للمشاهير

يقبل على مدينة نبروه للتبضع بأسماك شم النسيم المختلفة مشاهير الفن والرياضة، ولكن أغلبهم يرسل مندوبين عنهم للشراء.

أسعار بيع الأسماك نبروه الأقل سعرًا
الفسيخ النبراوي مشهور داخل مصر وبات يصل إلى دول عربية مثل السعودية والكويت (الجزيرة)

ويقول "الفسخاني" اليماني إن المدينة "تخطت المحلية إلى العالمية في تجارة الأسماك المملحة، حيث بات "الفسيخ النبراوي" يصل إلى السعودية والكويت والبحرين والإمارات، إلى جانب الولايات المتحدة وبلغاريا، وفق قوله.

أسعار الأسماك المملحة

وتختلف أسعار بيع الأسماك المملحة في نبروه عن بقية المحافظات المصرية، إذ يوقل يقول اليماني إن الأسعار ازدادت قليلاً هذا العام عن ذي قبل، لكنه شددّ على أن نبروه تبقى الأقل سعرا.

وحسب مشاهدات الجزيرة نت تراوحت أسعار الفسيخ في نبروه ما بين 220 جنيها (4.3 دولار) إلى 350 جنيه (7 دولارات) للكيلو الواحد، في حين وصل سعر الكيلو منها وسط القاهرة إلى ألف جنيه (19.7 دولار).

من البوري يتم تصنيع الفسيخ
رغم الزيادة التي طرأت علي أسعار الأسماك إلا أن نبروه تبقى الأقل سعراً    (الجزيرة)

ويتفق باعة ومتبضعون على أن "نبروه" أصبحت جاذبة لسياحة المأكولات المملحة في السنوات الأخيرة، وأمام محل "اليماني" يلتقط العشريني محمود طرف الحديث، قائلاً للجزيرة نت، بعد أن قطع مسافة تتخطى 150 كيلومترًا من حي الهرم (غرب القاهرة) ليشتري الفسيخ من نبروه: "الفسيخ هنا متميز عن أي مكان آخر في مصر، خصوصًا في الطعم والحلاوة والسعر المناسب".

إعلان

ويتفق معه، حسين الذي قدم وزوجته من مدينة المنصورة المجاورة، قائلاً للجزيرة نت: "نأتي هنا لتميز المحلات بجودة الفسيخ والملوحة والسردين، نتعامل معهم منذ سنوات، كما أن الأسعار لا تقارن بأي مكان آخر".

تعزيز المأكولات التراثية

وحول كيفية استغلال وتعزيز مكانة "نبروه" وغيرها من المدن في سياحة الطعام والمأكولات التراثية، يعتقد الدكتور خالد عزب، خبير التوثيق ومشروعات الرقمنة، أن هناك ثمة فرصة في توثيق صناعة الفسيخ والأسماك المملحة المصرية في التراث اللامادي في منظمة اليونسكو.

ودعا في حديث للجزيرة نت، بلاده، إلى إعداد دراسات عن تاريخ تمليح الأسماك منذ العصور الفرعونية إلى الآن، على أن تُبين كيفية استخدام المصريين القدماء التمليح لحفظ الأسماك كغذاء إلى أن أصبحت وجبة تراثية.

وقال عزب إن "نبروه" من أشهر مدن مصر في الأسماك المملحة، وإن كانت تأتي -في هذه الصناعة- خلف "فوه" القريبة منها، وهي مدينة تقع بمحافظة كفر الشيخ، والأخيرة وفق قوله تحمل طابعًا تراثيًا خاصًا بها سواء في الأطعمة التقليدية أو المهن التراثية كصناعة الكليم (السجاد اليدوي).

"نبروه" وتطور المكان

تقع نبروه، ومعناها المكان المرتفع، على ربوة متوسطة بالقرب من أحد أفرع نهر النيل الغربية بالدلتا، وقد شهدت المنطقة العديد من الوقائع التاريخية بداية من القرن الأول الميلادي حيث نزل بها المسيح عيسى عليه السلام، والعائلة المقدسة أثناء قدومها إلى مصر، حسبما جاء من معلومات على الموقع الرسمي لمحافظة الدقهلية التي تتبع لها نبروه.

كما نالت المدينة اهتماما كبيرا في العصر الإسلامي، حيث كان لها السبق في إنشاء المساجد منذ فتح مصر على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص، حين أمر ببناء "مسجد الأربعين".

وفي العصر المملوكي (ما بين 1250 و1517) أمر الظاهر بيبرس حاكم مصر وقتذاك ببناء "مسجد سيدي مجاهد"، والذي يمثل تحفة معمارية في عصره، كما نالت اهتمام محمد على باشا (ما بين 1805و1848) حيث قرر بناء أول مدرسة زراعية في مصر على أرض نبروه.

إعلان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق