علم الفيزياء يشرح القوة الهائلة للصواريخ الباليستية - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

تعد الصواريخ الباليستية من أخطر وأعقد الأسلحة التي صنعها الإنسان، إذ تستطيع أن تحمل رؤوسا حربية مدمرة وتسافر إلى مسافات شاسعة بسرعات خيالية قد تتجاوز سرعة الصوت بمرات عدة.

لكن ما السر وراء هذه القوة وهذه السرعة؟ وكيف تستطيع هذه القطعة المعدنية أن ترتفع في السماء وتخترق الفضاء، ثم تعود إلى الأرض وتصيب هدفها بدقة؟

الجواب يكمن في "الفيزياء"، ورغم أنه علم معقد فإننا سنحاول أن نوضح المبادئ الأساسية بطريقة مبسطة وسلسة دون الدخول في تعقيدات رياضية.

مسار الصاروخ الباليستي

قانون نيوتن الثالث

الصاروخ الباليستي هو نوع من الصواريخ يطلق في البداية بواسطة محرك صاروخي قوي، ثم ينفصل عن محركه ويسير في صورة قوس ضخم في الغلاف الجوي أو حتى قد يخرج إلى الفضاء، ويعود ليسقط نحو هدفه بقوة الجاذبية كما تسقط كرة رميتها في الهواء إلى صديق يقف على مسافة أمتار عدة مثلا، ولكن على نطاق هائل.

ولفهم قوته نحتاج أن نفهم 3 مراحل رئيسية يمر بها، الأولى هي مرحلة الدفع (الإقلاع)، وينطلق فيها الصاروخ من الأرض باستخدام محركات قوية، والثانية هي مرحلة الطيران الباليستي (التحليق)، ويسافر فيها الصاروخ في قوس عال يشبه حركة القذيفة، وأخيرا مرحلة العودة (إعادة الدخول)، ويعود فيها الصاروخ نحو الأرض ويسرع بشدة ليسقط على الهدف.

إعلان

في البداية، الصاروخ يحتاج إلى التغلب على الجاذبية الأرضية التي تسحبه إلى الأسفل، وللقيام بذلك يستخدم محركا صاروخيا يولد قوة دفع ضخمة، بسرعة قد تتجاوز 25 ألف كيلومتر في الساعة.

هذا المحرك يعمل من خلال مبدأ بسيط في الفيزياء يقول "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه" (قانون نيوتن الثالث)، فعندما يحرق الصاروخ الوقود تندفع الغازات الساخنة من الأسفل بسرعة هائلة، ونتيجة لذلك يُدفع الصاروخ في الاتجاه المعاكس، أي إلى الأعلى.

تخيل أن تقف على لوح تزلج أو ترتدي حذاء بعجلات وتقذف كرة ثقيلة إلى الخلف ستلاحظ أنك تتحرك للأمام، هذا تماما ما يحدث للصاروخ، لكن بدل كرة هناك أطنان من الغازات المتفجرة تُدفع بسرعة خرافية.

JERUSALEM - JUNE 13: Iranian army launches a retaliatory attack, reportedly firing hundreds of ballistic missiles to Jerusalem following Israel's attacks on various cities, on June 13, 2025. (Photo by Mostafa Alkharouf/Anadolu via Getty Images)
وصول الصواريخ الباليستية الإيرانية إلى إسرائيل خلال الحرب الحالية (وكالة الأناضول)

القصور الذاتي

بعد أن يصل الصاروخ إلى ارتفاع معين وينفصل عن المحرك يدخل في مرحلة تشبه إلى حد كبير حركة القذيفة، ولهذا سمي "باليستي"، لأن كلمة "باليستي" مأخوذة من مصطلح قديم يشير إلى مسار السهام أو المقذوفات.

في هذه المرحلة لا يعمل أي محرك، لكن الصاروخ يطفو في مسار منحن بسبب الدفع الذي حصل عليه في البداية، وهو هنا يعمل عبر قانون القصور الذاتي الذي يقول إن الجسم المتحرك سيستمر في حركته ما لم تعترضه قوة خارجية تؤثر على حالته، فمثلا الكرة المتحركة لا تتوقف إلا إذا اصطدمت بشيء أو وُجد احتكاك، والسيارة لا تتوقف فجأة إلا إذا ضغطنا على الفرامل.

وفي الحالات بعيدة المدى يرتفع الصاروخ إلى آلاف الكيلومترات، بل قد يخرج إلى خارج الغلاف الجوي الأرضي، أي إلى الفضاء القريب، وعلى هذا الارتفاع لا توجد مقاومة هواء كبيرة ولا توجد قوة تبطئه، وبالتالي يظل الصاروخ يتحرك بسرعة عالية دون أن يحتاج إلى أي طاقة إضافية.

وأثناء تحليقه تؤثر قوة الجاذبية الأرضية على الصاروخ، فيرتفع تدريجيا حتى يصل إلى أعلى نقطة في القوس، ثم تنتصر الجاذبية، وتبدأ من جديد بسحبه إلى الأسفل، هذه العودة للأسفل تُستغل في المرحلة الثالثة.

ارشيف YEMEN - SEPTEMBER 15: (This handout screengrab was provided by a third-party organization and may not adhere to Getty Images' editorial policy.) (EDITOR'S NOTE: Best quality available) In this handout screengrab released by the Houthi group Media Center on September 16, 2024, Yemen's Houthi group shows the firing of the so-called surface-to-surface “hypersonic ballistic missile” on Sunday morning, which targeted central Israel after traveling 2,040 km in just 11 1/2 minutes, according to the group's military statement, at an unrevealed site in Yemen. (Photo by Handout/Houthi Media Center via Getty Images)
تسهم زاوية الإطلاق في تحديد المسافة التي سيقطعها الصاروخ (غيتي)

الطاقة الحركية

حين يبدأ الصاروخ بالهبوط يدخل الغلاف الجوي بسرعة رهيبة، وقد تصل سرعته إلى 20 ضعف سرعة الصوت (نحو 24 ألف كيلومتر في الساعة)، هذه السرعة تولّد حرارة هائلة بسبب احتكاك الصاروخ بجزيئات الهواء، تماما كما تحترق النيازك عند دخولها الغلاف الجوي، لذلك يجب أن يكون رأس الصاروخ مغطى بمواد خاصة مقاومة للحرارة تسمى "الدروع الحرارية" لحمايته من الاحتراق.

إعلان

بعد اختراق الغلاف الجوي يكون الصاروخ في مسار السقوط الحر نحو الهدف، وبسبب سرعته الهائلة يكون من الصعب اعتراضه، ولهذا يعد سلاحا مرعبا.

لكن، لماذا الصاروخ الباليستي سريع جدا أثناء السقوط؟ عند إطلاقه يُستخدم وقود عالي الطاقة يعطيه تسارعا كبيرا ليصل إلى ارتفاع هائل كما أسلفنا، ويتسبب هذا الارتفاع في حصول الصواريخ الباليستية على سرعة كبيرة، وهناك سبب علمي لذلك، حيث يسافر الصاروخ إلى أعلى ويكتسب ارتفاعا، محولا الطاقة الكيميائية من وقود الصاروخ إلى "طاقة حركية" تدفعه إلى أعلى، وكلما ارتفع حصل على "طاقة وضع أعلى" (تلك التي يكتسبها الجسم بتأثير الجاذبية عليه).

طاقة الوضع هي الطاقة التي يملكها الجسم بسبب موقعه أو ارتفاعه، ومثلا يمتلك حجر في يدك قبل أن ترميه طاقة وضع أعلى مقارنة بوجوده على الأرض، وكلما كان الجسم أعلى كانت طاقة وضعه أكبر، لأنه يمكن أن يسقط بقوة أكبر.

ولأن الصاروخ يصل إلى طبقات الجو العليا أو الفضاء الخارجي تكون لديه طاقة وضع كبيرة جدا بالنسبة للأرض، وأثناء دخوله الغلاف الجوي مرة أخرى تعمل الجاذبية على تسريع وصول الصاروخ إلى هدفه وتحويل هذه الطاقة المخزنة إلى طاقة حركية، مما يزيد سرعته أثناء هبوطه.

A missile flies during what state media KCNA says is a test of a new intermediate-range hypersonic ballistic missile at an undisclosed location January 6, 2025, in this photo released on January 7, 2025 by North Korea's official Korean Central News Agency. KCNA via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THIS IMAGE. NO THIRD PARTY SALES. SOUTH KOREA OUT. NO COMMERCIAL OR EDITORIAL SALES IN SOUTH KOREA. TPX IMAGES OF THE DAY
للفيزياء دور مهم في تصميم الصاروخ (رويترز)

مدى متنوع

وفي هذا السياق، فإن للفيزياء دورا مهما في تصميم الصاروخ، حيث يدرس علماء الفيزياء بدقة قوة الدفع المطلوبة للوصول إلى مسافات عالية، وتأثير الجاذبية الأرضية على المسار، وشكل الرأس الأمامي ليكون أكثر مقاومة للحرارة والضغط، وزاوية الإطلاق المثالية للحصول على أقصى مدى، وكيف يمكن للصاروخ أن ينجو من الحرارة الشديدة عند العودة.

وما سبق يمكّن العلماء والمهندسين من تصنيع الصواريخ الباليستية في مدى متنوع جدا، فتبدأ من مدى قصير ينخفض عن ألف كيلومتر، لكنها ترتفع لتكون عابرة للقارات بحيث يبلغ مداها أكثر من 5500 كلم وقادرة على ضرب قارات بعيدة.

إعلان

تعلمنا قبل قليل أن الصاروخ الباليستي لا يطير في خط مستقيم، بل يطلَق بزاوية محددة تجعله يسير في مسار قوسي، هذه الزاوية مدروسة بحيث تحقق توازنا بين الارتفاع والمسافة.

وبالإضافة إلى قوة المحرك يمكن للعلماء والمهندسين ضبط هذين المعيارين للحصول على المدى المناسب، والذي يمكن أن يكون عابرا للقارات كما أسلفنا بسبب قوة الدفع الهائلة التي تتسبب في ارتفاع هائل، الأمر الذي يطيل مسافة المسار القوسي.

ولفهم الفكرة تخيل أنك تلقي بكرة إلى صديق يقف على مسافة عشرات الأمتار، ستقذفها بأكبر قوة لديك، لكن ليس في اتجاهه مباشرة، بل للأعلى في مسار قوسي، لكن ذلك الارتفاع إلى الأعلى يعطي الكرة فرصة للهبوط على مسافة أبعد مما لو كنت قد أطلقت الكرة مباشرة ناحية صديقك.

سلاح للردع

ولهذا التنوع في المسافة ما بين البعيد جدا والمتوسط والقريب أهمية إستراتيجية شديدة لكل دولة أو جهة تمتلك صواريخ باليستية، حيث تتمكن بالتبعية من تحديد مستوى الردع الذي تريده.

فإلى جانب ما سبق يمكن للصواريخ الباليستية أن تحمل أنواعا مختلفة من الرؤوس الحربية: التقليدية، والكيميائية أو البيولوجية، والنووية.

كما أن بعض الصواريخ الباليستية مجهزة بتقنية المركبات المتعددة الأهداف المستقلة، أي أن الصاروخ الباليستي لا يحمل رأسا حربيا واحدا فقط، بل عدة رؤوس حربية لضرب أهداف مختلفة تنطلق قبل وصول رأس الصاروخ إلى المنطقة الجغرافية محل الاستهداف.

ويفيد كل هذا في أمر مهم، وهو استخدام الصواريخ الباليستية بوصفها سلاح ردع، حيث تعمل القوة التدميرية الهائلة وسرعة الصواريخ الباليستية وتنوع المسافة كرادع قوي ضد الخصوم، مما يجعلها حجر الزاوية في إستراتيجيات الدفاع الحديثة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق