مونيكا ويليم تكتب: مقاربة معضلة السجين .. مهلة ترامب ومأزق التصعيد بين إسرائيل وإيران - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في خضم التصعيد المتواصل والمتسارع في الحقيقة بين إسرائيل وإيران، تتعاظم التساؤلات بشأن الدور الأمريكي الموسع في هذه المرحلة المفصلية من الصراع لا سيما بعد توجيه ضربات امريكية بالفعل  لثلاثة مواقع نووية إيرانية ، وذلك في ظل واقع بالغ التعقيد يشير بوضوح إلى أن جميع الفاعلين في هذه الأزمة، بلا استثناء، يقفون أمام مأزق سياسي وعسكري عميق، فالوصول إلى معادلة صفرية أو تحقيق حسم مطلق يبدو أمرًا مستبعدًا، نظراً لتداخل الحسابات وتشابك الأولويات والمخاطر.
 

أشعر إن قرار الولايات المتحدة بإعطاء مهلة أسبوعين دون التحرك الحاسم أو الانسحاب الكامل قد يعيد إلى الأذهان أحد أشهر نماذج game theory ، وهو نموذج “معضلة السجين” (Prisoner’s Dilemma)، الذي يوضح كيف يمكن لفاعلين عقلانيين أن يتخذوا قرارات تؤدي إلى نتائج غير مثالية لكليهما بسبب غياب الثقة المتبادلة.

في هذا النموذج، يتم القبض على سجينين ويُعزل كل منهما عن الآخر، ويُعرض عليهما خيار: إما التعاون (الصمت) أو الخيانة (الاعتراف). إذا تعاون الاثنان، يُعاقبان بشكل خفيف. وإذا خان أحدهما وصمت الآخر، يُعفى الخائن ويُعاقب الآخر بشدة. وإذا خان الاثنان، يُعاقبان معًا بعقوبة متوسطة. النتيجة أن كل منهما، وهو يفكر في مصلحته الفردية، يميل إلى الخيانة، رغم أن التعاون هو الخيار الأفضل جماعيًا.

بتطبيق ذلك على الوضع الأمريكي الإيراني، نجد أن واشنطن لا تثق بأن إيران ستتراجع أو توقف التصعيد، بينما إيران لا تثق بأن أمريكا ستتخلى عن دعم إسرائيل. لذا يميل الطرفان إلى التصعيد أو التلويح به، رغم أن التعاون وليكن المؤقت مثل التهدئة قد يجنّب الجميع الخسائر الأكبر، هذه المفارقة الجوهرية هي ما تعقّد الوصول إلى مخرج سياسي متوازن.

وفي هذا الاطار ، أتصور من الضروري محاولة تفنيد واستنباط الأسباب الرئيسية الدافعة لمهلة الأسبوعين وذلك بالأخذ في الاعتبار هذا المعطي البارز ، حيث يبدو أن الرئيس دونالد ترامب يسعى لأن يُسجله التاريخ كرئيس قوي أحدث تغييرات جذرية، حتى وإن كانت مثيرة للجدل. فهو يرغب في أن يُقارن بالرؤساء الذين اتخذوا قرارات حاسمة غيّرت مجرى التاريخ، مثل الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي أمر بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما لإنهاء الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا السياق، لا يتردد ترامب في التفاخر بقراراته الجريئة، وعلى رأسها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في 2018، واعتبارها خطوة تثبت أنه الرئيس الذي لا يخضع للضغوط بل يصنع الوقائع بجرأة. وقد أحدث هذا القرار بالفعل تحولًا رمزيًا وسياسيًا كبيرًا، دون أن يكلّف الولايات المتحدة ثمنًا مباشرًا في حينه على المستوى العسكري أو الأمني، لكن، وبحسابات المنطق الأمريكي الأوسع، خاصة من منظور المؤسسات الأمنية والاستخباراتية، فإن مثل هذه الخطوات لا تخلو من تبعات اقتصادية وأمنية بعيدة المدى. فالتحولات السياسية المفاجئة قد تؤدي إلى توترات إقليمية تتطلب تدخلات أمريكية مكلفة، عبر تعزيز التواجد العسكري.

وعليه، يمكن سرد الدوافع المحتملة التي قد تكون وراء قرار الرئيس دونالد ترامب بمنح إيران مهلة زمنية محددة تمتد لأسبوعين، لاتخاذ قرار نهائي بشأن التصعيد العسكري. وتُظهر هذه الأسباب مزيجًا معقدًا من الحسابات السياسية والعسكرية والدبلوماسية، والتي تتمحور بالاساس في ارتفاع احتمالية الخداع والتضليل الاستراتيجي، حيث انه لا يستبعد أن يكون هذا القرار مجرد خدعة مدروسة، هدفها مفاجأة إيران بعمل عسكري خاطف قبل انقضاء المهلة، فترامب معروف بسلوكه غير المتوقع، لذلك تعمّد استخدام هذه النهج لتعظيم أثر الضربة وتفادي الاستعداد الإيراني.

الأ انه وبعد ساعات من أطلاق الهجمة الامريكية ، فمن الواضح الآن هو أن الرئيس الأمريكي ترامب دفع الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران يعترف هو نفسه بأنها قد تتصاعد، في ظل وجود مخاطر تتعلق بثلاثة أمور مجهولة أساسية تواجه أمريكا والعالم.

وعليه،  أن الأمر المجهول الأول هو كيفية الرد الإيراني، وذلك بالنظر إلى أن طهران تمتلك مجموعة من الخيارات، ويرجح في هذا الاطار أن إيران سترغب في الرد هذه المرة بشكل أقوى لمحاولة إعادة بناء قدرتها على الردع، لكن ربما تكون قدرتها على ذلك أكثر محدودية.
أما الأمر المجهول الثاني هو ما إذا كانت الضربات الإسرائيلية والأمريكية قد أنهت فعلاً جهود إيران النووية أم ربما سرعتها.

والخطر الآن هو أن تؤدي الهجمات إلى أن تقرر إيران أنها بحاجة فعلاً إلى أسلحة نووية ، في حين أن الأمر المجهول الثالث هو: هل هذه هي نهاية الصراع أم بدايته؟ فحتى لو تم تدمير قدرة إيران على التخصيب، فمن غير المرجح أن يتم القضاء على الخبرة الفنية لتخصيب اليورانيوم، وهو ما يشير إلى أن الصراع ربما لم ينته بعد.

وبناء علي ما تم تناوله وتفنيده ، سيكون من الضروري التوقف عند تفاصيل الضربة الأمريكية لإيران والتي يمكن توصيفها بأنها تطور متوقع ولكن محسوب، أذ وجّهت الولايات المتحدة ضربة عسكرية ضد إيران، لكنها اختارت السيناريو “الخاطف او الوسط”، والذي لا يعد انتهاكًا للدستور الأمريكي، إذ يندرج ضمن صلاحيات الرئيس تنفيذ عمليات محدودة، ولا يمثل إعلانًا رسميًا للحرب، والذي يعد بدوره صلاحية حصرية للكونجرس، وبالتالي اكتفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستهداف دقيق لعدد من المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية، مثل نطنز وأصفهان وفوردو، متجنبًا في هذا التصعيد المرحلي توجيه ضربة شاملة واسعة النطاق، سواء منفردًا أو بالشراكة مع إسرائيل، وهو خيار لا يزال مطروحًا ومؤجلاً لحين الضرورة.

وعلي هذا الأساس، يمكن تفسير هذا التغير الاستراتيجي في سياسة الولايات المتحدة من زاويتين ، الأولي، محاولة تحقيق توازن داخلي داخل تيار “أميركا أولاً” (MAGA) الذي يقود السياسة الأمريكية حاليًا، حيث ينقسم هذا التيار بين جناح متشدد يدعو لضرب إيران عسكريًا بشكل حاسم، وجناح آخر أكثر تحفظًا يرى أن التدخل العسكري المباشر ليس في صالح الولايات المتحدة في هذا التوقيت ، بالنظر إلي أن هذا الهجوم قد يشكل مدخلاً لعودة الجيش الأمريكي إلى منطقة الشرق بعد توجه أمريكي سابق لتقليص الوجود العسكري في المنطقة. وقد يؤدي رداً إيرانياً إلى تورط عسكري أمريكي أكبر في الصراع قد يأخذ أشكالاً مختلفة خاصة إذا خرجت الأمور عن السيطرة.

الزاوية الثانية، تهدف الضربة إلى اختبار رد الفعل الإيراني: بحيث هل ستقبل طهران بالشروط الأمريكية وتعود لطاولة المفاوضات من موقع أضعف، وهو سيناريو يُعد بمثابة انتصار ضمني لواشنطن حتي وإن لم يكن محل ترحيب من نتنياهو، أم أن إيران سترد بشكل اكثر قوة عبر استهداف مواقع أو قوات أمريكية في المنطقة، ما قد يُسرّع من تحوّل الموقف الأمريكي إلى إعلان حرب رسمي عبر الكونجرس. 

في المقابل تبدو خيارات إيران في الرد على الضربة الأمريكية شديدة التعقيد ومحفوفة بالمخاطر. فإن أقدمت على الرد المباشر ضد الولايات المتحدة، فإنها بذلك تفتح الباب أمام مواجهة عسكرية شاملة مع قوة عظمى، قد تنتهي بانهيار بنيتها العسكرية والأمنية، أو تدخلها في دوامة طويلة من الفوضى وعدم الاستقرار، على غرار ما شهدته العراق وأفغانستان. أما إذا اختارت التراجع وقبول وقف إطلاق النار دون رد، فإنها ستجد نفسها قد خسرت معظم مكاسبها الاستراتيجية: برنامجها النووي مدمَّر، وقواتها العسكرية منهكة، ونفوذها الإقليمي تراجع بشكل حاد، الأمر الذي يضعف قدرتها على التفاوض لرفع العقوبات المفروضة عليها.

وعلاوة على ذلك، فإن الضربة الأمريكية قد تدفع الجماعات الموالية لإيران في المنطقة إلى الرد، غير أن قدرة هذه الجماعات على الفعل باتت محدودة. فإسرائيل تمكنت من إضعاف كل من حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، فيما تراجعت الميليشيات العراقية عن استهداف القواعد الأمريكية نتيجة الضغوط السياسية والأمنية. وحدهم الحوثيون في اليمن قد يحتفظون بالقدرة والإرادة لشن هجمات ضد المصالح الأمريكية، إلا أن تأثيرهم يبقى محدودًا نسبيًا في تغيير موازين القوى الإقليمية.

ختاماً، يبدو أن خيار الضربات الخاطفة جاء لموازنة ضغوط تعرض لها ترامب لمنعه من القيام بأي عمل ضد إيران خشية أن تنجر الولايات المتحدة إلى صراع ممتد لإسقاط القيادة الإيرانية، كما أنه يؤكد ارساء نقاط تركيزه فقط على الخطوات اللازمة لضمان عدم تمكن إيران من تطوير سلاح نووي، لا سيما أن الصراع دخل مرحلة جديدة عنوانها: “جميع الاحتمالات المفتوحة، والتوقع صعب”. ولايزال يعتمد الأمر علي مدي تأثير وطبيعة الرد الايراني.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق