المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإيرانية والحداثة المناهضة للاستعمار - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في خضم تصاعد التوتر العسكري غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، شارك الأكاديمي والمفكر الإيراني حميد دباشي في بيان مفتوح وقعه مع عدد من المفكرين الإيرانيين المعارضين، أكدوا فيه أن الاختلاف مع السلطة لا يبرر الصمت في وجه "عدوان خارجي دموي". ودعوا إلى التكاتف والتعقل، وحذروا من تحول الأزمة إلى كارثة تمزق وحدة البلاد وتضاعف الانهيار الداخلي.

حميد دباشي أستاذ الدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك، والذي ولد في 15 يونيو/حزيران 1951 لعائلة من الطبقة العاملة في مدينة الأحواز جنوب غرب إيران، في محافظة خوزستان، تلقى تعليمه المبكر في مسقط رأسه وتعليمه الجامعي في طهران، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على درجة الدكتوراه المزدوجة في علم اجتماع الثقافة والدراسات الإسلامية من جامعة بنسلفانيا عام 1984، تلاها زمالة ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد.

يعد دباشي ناقدا ثقافيا عالميا ومؤلفا حائزا على جوائز، وقد ترجمت كتبه ومقالاته إلى العديد من اللغات؛ حيث ألف 20 كتابا حول مواضيع تتراوح بين الدراسات الإيرانية والإسلام في العصور الوسطى والحديثة والأدب المقارن والسينما العالمية وفلسفة الفن، هذا الزخم في العطاء الأكاديمي يدعنا نتساءل عن تصوره وفلسفته حول إيران، لذا سنقدم من خلال هذا العرض أهم 4 كتب قدمها حميد دباشي والتي تكثف رؤيته متعددة المركبة لإيران، والتي يتحدى فيها التصورات السائدة، ويركز على هويتها المركبة والمستقلة عن السرديات الغربية والاستعمارية.

كتاب
كتاب "إيران: شعب مقاطع " الصادر عام 2007، لمؤلفه حميد دباشي، يقدم دليلا قيما للعلماء والسياسيين، والدبلوماسيين الساعين لفهم أعمق للعقلية الإيرانية (الجزيرة)

"إيران: شعب مقاطع"

يعد كتاب "إيران: شعب مقاطع " (Iran: A People Interrupted) الصادر عام 2007، لمؤلفه حميد دباشي عملا تحليليا وعاطفيا وجدليا في آن واحد؛ ويقدم دباشي في هذا الكتاب سردا موجزا للتاريخ الإيراني منذ أوائل القرن الـ19 إلى إيران اليوم؛ استثمر دباشي مهاراته التحليلية الثاقبة لوضع حجة قوية ضد وجهات النظر السائدة عن إيران في الغرب.

وفي جوهر حجته، يرى دباشي أن المقاربات الغربية لإيران لطالما تلونت بافتراضات محاصرة بين "تقليد" رجعي و"حداثة" تقدمية، لكنه يجادل بأن الواقع الإيراني مغاير لذلك تماما؛ وإيران حسب دباشي في كتابه "إيران: شعب مقاطع " لديها أيديولوجيتها المميزة للحداثة، والتي تتعارض مع العديد من المثل الغربية. ولإثبات وجهة نظره، يعتمد دباشي على خبرته الطويلة في النقد الأدبي لتحليل العلاقة بين النخب الفكرية والسياسية في إيران على مدى قرنين من الزمان. وعليه قدم دباشي الأدلة الأساسية الداعمة لمنطقه، ووجد دباشي مرارا آثارا لمفهوم إيراني فريد للحداثة يتناقض تماما مع نظيره الغربي.

ويصنف كتاب "إيران: شعب مقاطع" ضمن مجالين أكاديميين واسعين؛ مجال الدراسات ما بعد الكولونيالية والدراسات الإيرانية، ويهدف دباشي من خلال هذا العمل إلى تحدي التصنيف النمطي لإيران كدولة عالقة بين "تقليد محارب وحداثة غريبة"، ويدعو إلى تبني قراءة أكثر تاريخية، متعددة الأوجه ثقافيا، ومترسخة ماديا لإيران. ويرى أن هذا التصوير النمطي يخدم مصالح غربية ويسيء لتاريخ وثقافة المنطقة وليس فقط إيران.

إعلان

ويظهر الكتاب كيف تطورت "الحداثة المناهضة للاستعمار" بشكل طبيعي عبر الأجيال من خلال ما أنتجه المفكرين الإيرانيين، كما يبحث في كيفية استيعاب هذه الأفكار للمثل التي نشأت عن عصر التنوير، مثل "العصيان المدني"، لمواجهة القمع من الداخل والخارج، ويعتبر دباشي أن "الهدف الرئيسي من الحداثة الإيرانية على مدى الـ200 عام الماضية يتمثل في الكفاح المستمر ضد الهيمنة الاستعمارية والإمبريالية لمصيرنا".

وتبرز أهمية كتاب "إيران: شعب مقاطع " في كونه من الأعمال الأولى التي أرخت لتطور الأفكار وفق مقاربة نقدية مناهضة للاستعمار ويوثق للتطور الفكري لإيران باللغة الإنجليزية، وقد نشر عام 2007، في وقت كانت فيه إيران تتصدر العناوين الدولية بسبب برنامجها النووي في حقبة محمود أحمدي نجاد.

ويقدم هذا الكتاب دليلا قيما للعلماء والسياسيين، والدبلوماسيين الساعين لفهم أعمق للعقلية الإيرانية؛ حيث يكشف عن تاريخ فكري غني يرتكز على مقاومة القمع الداخلي والخارجي، ويؤكد على الإحساس العميق بالفخر الوطني لدى الإيرانيين، لذا يظل "إيران: شعب مقاطع" مساهمة أصيلة وقيمة في دراسة إيران، ويساعد في تفسير العديد من تصرفات إيران اليوم من خلال كشف تاريخها الفكري الغني المقاوم للقمع الداخلي والخارجي.

كتاب حميد دباشي
يرى دباشي في كتابه  "إيران: إعادة ميلاد أمة" بأن الشعر والسينما الإيرانية أدوات أساسية لفهم تطور الفكر الإيراني ومقاومته للقمع والتعبير عن الهوية الوطنية في مواجهة محاولات الهيمنة (الجزيرة)

"إيران: إعادة ميلاد أمة"

يقدم كتاب حميد دباشي "إيران: إعادة ميلاد أمة" (Iran: The Rebirth of a Nation) الصادر عام 2016 تحليلا معمقا لإيران ليس كدولة قومية فحسب، بل كـ"أمة" ذات هوية متجذرة تتجاوز حدود الدول وأيديولوجياتها المتعاقبة؛ ويرى دباشي أن مفهوم "الأمة" الإيرانية متمايز عن "الدولة" الحاكمة، وأن هذا التباين التاريخي لا يضعف أيا منهما، بل يمنحهما قوة متبادلة بطريقة متناغمة.

ويجادل دباشي بأن إيران كأمة لديها "حداثتها الخاصة المناهضة للاستعمار"، والتي تطورت بشكل طبيعي عبر قرنين من التفاعل بين مثقفي إيران؛ وهذه الحداثة بحسب دباشي ليست مجرد استنساخ للمفاهيم الغربية، بل هي رؤية أصيلة للحياة الحديثة تتشكل وفقا لشروط إيران الخاصة. والكتاب يستند إلى فكرة أن الوعي الوطني الإيراني قد توسع وتجاوز الحدود الوهمية التي فرضتها الدولة القومية ما بعد الاستعمار.

ويسلط دباشي الضوء على حقيقة أن "الفضاء العام" الإيراني عبر تاريخه كان مسرحا للتعبير عن الإرادة الوطنية ومقاومة الأنظمة الحاكمة، سواء كانت ملكية أو دينية، ويؤكد أن هذه المساحة تتجاوز حدود الدولة الجغرافية وتتأثر بالحوارات الثقافية العالمية، مما يمنح الأمة الإيرانية قوة ومرونة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

ويطرح دباشي مفهوم "الحدس الجمالي للتجاوز" كقوة دافعة تمكن الأمة من إعادة اختراع نفسها وتجاوز قيود "العقل ما بعد الكولونيالي" و"الحداثة الاستعمارية"؛ هذا الحدس يتجلى في الفنون والآداب الإيرانية التي تمثل في نظر دباشي تعبيرا عن الروح الحقيقية للأمة، بمعزل عن الأيديولوجيات السياسية.

إعلان

ويرى دباشي بأن الشعر والسينما الإيرانية أدوات أساسية لفهم تطور الفكر الإيراني ومقاومته للقمع والتعبير عن الهوية الوطنية في مواجهة محاولات الهيمنة، سواء كانت داخلية أو خارجية، كما يرى أن هذه العلاقة المعقدة بين الأمة والدولة تجسد مفتاحا مهما لفهم إيران اليوم، وقوتها في المشهد الإقليمي والعالمي.

كتاب حميد دباشي
يهدف كتاب "إيران بلا حدود" إلى تفكيك الثنائيات الخاطئة، مثل "إسلامي/أصولي" مقابل "علماني"، و"التراث" مقابل "الحداثة"، أو "إيران" مقابل "الغرب"، والتي شوهت المجتمع الإيراني تاريخيا وقيدت خياله الأخلاقي (الجزيرة)

"إيران بلا حدود"

يركز كتاب حميد دباشي "إيران بلا حدود: نحو نقد الأمة ما بعد الاستعمارية" (Iran Without Borders: Towards a Critique of the Postcolonial Nation) الصادر عام 2016، على فكرة أن "إيران" كأمة محصورة بشكل مصطنع داخل حدودها ما بعد الاستعمارية المصطنعة، وهدف الكتاب إلى تفكيك الثنائيات الخاطئة، مثل "إسلامي/أصولي" مقابل "علماني"، و"التراث" مقابل "الحداثة"، أو "إيران" مقابل "الغرب"، والتي شوهت المجتمع الإيراني تاريخيا وقيدت خياله الأخلاقي. وبدلا من ذلك، يقترح الكتاب أن "الكونية العالمية"، التي يراها دباشي السمة الحقيقية للثقافة الإيرانية، والمتجذرة في ماضيها الإمبراطوري وتفاعلاتها العابرة للحدود الوطنية.

وتتمثل الفكرة الرئيسية الأخرى في أن "الهوية الوطنية" الإيرانية كانت دائما عملية عابرة للحدود الوطنية وما بعد وطنية، وقد تشكلت من خلال التفاعل والتأثير الواسعين مع أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك الهند وآسيا الوسطى والعالمين العربي والعثماني وأوروبا. وتجلى ذلك في تبادل الأفكار والمنشورات، وسفر المثقفين والفنانين والساسة الإيرانية الذين غالبا ما عملوا خارج الحدود المادية لإيران.

ويؤكد دباشي من خلاله كتابه أن الثقافة الإيرانية تتميز بـ"الكونية العالمية" المتأصلة ودينامية داخلية تتجاوز باستمرار القوميات الضيقة. ويتضح ذلك من خلال أمثلة مثل تأثير الشعراء العالميين (نيرودا، ماياكوفسكي، محمود درويش، هيوز) على الشعر الإيراني، والنجاح العالمي للسينما والفن الإيراني، والترابط التاريخي للحركات السياسية الإيرانية مع النضالات العالمية ضد الاستعمار.

كما سلط الكتاب الضوء على أهمية هجرة العمال في تشكيل الطابع الكوني للمدن الإيرانية مثل الأحواز، متجاوزا مفاهيم السكان "الأصليين" ومؤكدا أن الهويات العرقية المصطنعة تتجاهل مركزية العمل في التكوين الحضري. ويؤكد أيضا كيف أظهرت الحركات العمالية التي تظهر تضامنا عابرا للحدود الوطنية بين العمال من مختلف الخلفيات، والتي تكون غالبا ضد الاستغلال الاستعماري والطغيان.

ويقدم الكتاب نقدا لدراسات "الشتات" التقليدية، والتي يرى أنها غالبا ما تبالغ في تمجيد مفهوم "الوطن" و"المنفى"، ويجادل بأن مثل هذه المقاربات تميل إلى إضفاء طابع محلي وعزل الإبداع في الحدود الوطنية المصطنعة.

كتاب حميد دباشي
يجادل حميد دباشي في كتابه "إيران في ثورة" بأن الدولة القومية ما بعد الاستعمارية فقدت شرعيتها وأصبحت مجرد أداة للقمع بدلا من أن تكون آلية للرفاه الاجتماعي (الجزيرة)

الثورة في عالم ما بعد ديمقراطي

يدرس كتاب حميد دباشي "إيران في ثورة: تطلعات ثورية في عالم ما بعد ديمقراطي" (Iran in Revolt: Revolutionary Aspirations in a Post-Democratic World) الصادر عام 2025، الانتفاضات الأخيرة في إيران، لا سيما "انتفاضة جينا" (أو انتفاضة مهسا أميني) عام 2022، متسائلا عن طبيعة الثورات في عالم اليوم الذي يصفه بـ"ما بعد الديمقراطي" ؛ يرى دباشي أن مفهوم "الديمقراطية" قد أصبح وهما كولونياليا، ومجرد حيلة للرأسمالية العالمية.

ويجادل دباشي بأن هذه الانتفاضات، التي تقودها النساء الإيرانيات من جميع الطبقات والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، ليست مجرد احتجاجات دورية، بل هي مظاهر لثورة أعمق تحدث تدريجيا في عقلية الناس، وفي أسلوب حياتهم، وعلاقاتهم الاجتماعية.

إعلان

هذه الثورة التي يطلق عليها دباشي اسم "خيزش" (انتفاضة باللغة الفارسية)، لا تهدف بالضرورة إلى إسقاط نظام حكم واستبداله بآخر، بل إلى تفكيك مفهوم الدولة ذاته، وتعزيز حكم ذاتي على المستويات المحلية والشعبية.

وينتقد دباشي التصورات السائدة في الغرب والتي تبناها بعض الأوساط الإيرانية المعارضة في الخارج، التي تحاول ربط هذه الانتفاضات بأجندات خارجية أو تصويرها كحنين لعودة النظام الملكي؛ حيث يؤكد أن مثل هذه المحاولات لا تفهم الطبيعة الحقيقية للحركة، التي هي أوسع وأكثر تعقيدا من مجرد تغيير نظام حكم.

كما يجادل دباشي في الكتاب بأن الدولة القومية ما بعد الاستعمارية فقدت شرعيتها وأصبحت مجرد أداة للقمع بدلا من أن تكون آلية للرفاه الاجتماعي. هذا الفشل يفسر "الغضب الخام" الذي يدفع الانتفاضات المعاصرة.

كما أظهرت "انتفاضة جينا" حسب دباشي الدور المحوري للمرأة الإيرانية التي تقود الاحتجاجات ضد اجبارية الحجاب وتطالب بالفرص الاقتصادية والحرية الاجتماعية والمشاركة السياسية. ويرى دباشي أن نضال المرأة هو ضد ذكورية وأبوية الدولة الحديثة.

كما أكد دباشي في الدراسة على التعددية العرقية والثقافية واللغوية في إيران، وأعلن عن رفضه للقوميات العرقية الضيقة التي تسعى إلى تقسيم البلاد وانتقد بشدة "النشطاء المشاهير" في الفضاء السيبراني، حيث يرى أنهم يساهمون في تزييف الواقع وتحويل النضال الحقيقي إلى سلعة. كما يحذر من "المراقبة الرأسمالية" التي تستغل البيانات لتوجيه الاحتجاجات.

كما يقترح الكتاب ظهور ما سماه بـ"اللاهوت الجديد" المتجاوز لثنائيات التقليدية بين "الإسلام" و "العلمانية" أو "الشرق" و "الغرب" والمتأصل في الوعي الجمعي للإيرانيين، ويعكس رفضا للإسلام السياسي في صيغته المتطرفة ويسعى إلى إيمان أكثر عالمية وإنسانية، ويختم برفضه الحازم لأي عودة لحكم سلالة الشاه بهلوي، ويرى أن هذه الحركة، المدعومة من قبل بعض الشتات الإيراني في الخارج، هي "فاشية صريحة" ونسخة أخرى للأنظمة القمعية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق