ابن المقريف: والدي بدأ معارضة القذافي بـ3000 دولار وإيمان لا يتزعزع - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

لا يشبه طارق يوسف غيره من أبناء نخب ليبية نشؤوا بكنف سلطة الزعيم الراحل معمر القذافي، فرغم أن والده شغل منصبا رفيعا بدولة العقيد، فإن تلك المكانة لم تحمه من خيانة النظام ولا من رحلة المنفى الطويلة.

وفي بودكاست "مغارب" (يمكن مشاهدة الحلقة كاملة عبر هذا الرابط) كشف طارق كيف انتهت عائلة نافذة في حضن المعارضة، بعد أن كانت شريكة في بناء مؤسسات الدولة الليبية.

ولد أواخر الستينيات في العاصمة البريطانية، حيث كان والده محمد يوسف المقريف يُكمل دراسته العليا، ويعيش مع زوجته وطفله الوحيد آنذاك بشقة صغيرة في حي فولهام. ورغم البُعد الجغرافي، لم يكن البيت معزولا عن قضايا المنطقة وكان مقصدا للنخب العربية، كما يتذكر طارق.

وعاد الطفل مع أسرته إلى بنغازي مطلع السبعينيات، ليعيش في بيت جدّه وسط المدينة القديمة، حيث شكّل حي سوق الجريد وأزقته الذاكرة الأولى التي وسمت علاقته بالمكان. وهناك، اصطدم باختلاف القواعد، حين ضربه سائق عربة "كروسة" لأنه تعلق بها، في لحظة فهم فيها أن ليبيا ليست لندن.

وكان والده حينها قد التحق بالجامعة الليبية معيدا، قبل أن يُعيّن لاحقا رئيسا لديوان المحاسبة بدرجة وزير عام 1972، مما وضعه في قلب الدولة الناشئة بقيادة مجلس الثورة، رغم توجسه من حكم العسكر، ومن مآلات المشروع القذافي، كما يروي نجله.

حماسة وقلق

يصف طارق المرحلة الأولى من حكم العقيد بأنها كانت مزدوجة الإحساس، فقد جمعت بين حماسة التطوير وقلق المصير، فالمملكة الليبية كانت قد أنجزت كثيرا في وقت وجيز، ويقول طارق بصفته الاقتصادية إن منجزاتها التنموية بين 1951 و1969 تُحسب لها، مقارنة بالفوضى التي تركها القذافي بعد 4 عقود.

وعاشت الأسرة بين بنغازي وطرابلس، لكنها بقيت لصيقة بالمجتمع والنخبة، وظل بيتهم مقصدا للأساتذة والطلبة والنقاشات السياسية، ويستذكر طارق طفولته حيث لم تكن المظاهر المادية طاغية، بل ساد نمط من التضامن الاجتماعي حتى بين كبار المسؤولين.

ويؤكد أن والده حافظ على توازنه الفكري وسط تقاطعات الانتماءات، فكان بيته ملتقى وزراء النظام، كما لأساتذة محسوبين على تيارات إسلامية ويسارية، دون أن يتخلى عن دوره الأكاديمي أو ينعزل عن المجتمع.

إعلان

ولكن أجواء المدرسة بدأت تتغير، لا سيما بعد عام 1977، حين اختُرقت المناهج التعليمية بأفكار "الكتاب الأخضر" وأُدخل التدريب العسكري الإجباري للتلاميذ، ويقول طارق إنه فُوجئ بأن عليه شرح مقولات مثل "البيت لساكنه" ثم فهم لاحقا أن المدرسة لم تكن تملك من أمرها شيئا.

ويرى أن هذه الشعارات لم تكن إلا تمهيدا لتأميم العقارات، ونهب أملاك الليبيين تحت غطاء الأيديولوجيا، حيث تم حرق السجل العقاري، مما أدى إلى مأساة اجتماعية ما تزال البلاد تدفع ثمنها حتى اليوم.

السفر للهند

أواخر السبعينيات، سافر والده إلى الهند سفيرا، وبقي طارق في بنغازي مع خالته، يزورها كل صيف. وهناك، عاش لحظات فارقة، إذ شهد منزلهم زيارات من شخصيات بارزة، من بينها رئيس الوزراء الهندية الراحلة أنديرا غاندي أثناء خضوعها للإقامة الجبرية، والتي التقته في إحدى المناسبات.

ويتذكر طارق تلك المرحلة بوصفها مزدحمة بالرموز والتحولات، فبيتهم في نيودلهي لم يكن فقط بيتا دبلوماسيا، بل كان مركزا لحوارات الجالية المسلمة الهندية التي حاول والده الدفاع عن حقوقها ضمن عمل دبلوماسي فريد، بعيد عن ضجيج طرابلس.

ولكن المفارقة الكبرى في مسار الأسرة جاءت عام 1980، حين قرر الوالد الانشقاق علنا عن نظام القذافي، في خطوة كانت محفوفة بالمخاطر، فالنظام وصف خصومه بـ"الكلاب الضالة" ولم يتردد في تصفية المعارضين حتى خارج البلاد.

ويقول طارق إن والده أخذه جانبا في أحد الأيام، وأخبره بنيته مغادرة البلاد إلى غير رجعة، قائلا له "سنعارض، لن نعود، ولن يكون لدينا شيء نعتمد عليه سوى الله" عندها سأله طارق "كم نملك؟" فرد الوالد "لدينا 3000 دولار فقط".

ويتابع طارق "كنت أحمل الشنطة بنفسي، وأنا أفكر: هل حقا سنواجه نظام القذافي بهذه الحقيبة؟" مضيفا أن تلك اللحظة بلورت فهمه العميق لمعنى التضحية والاختيار الأخلاقي.

دعم مغربي

نزلوا أولا في المغرب، حيث أقاموا في الدار البيضاء عدة أشهر، ثم بدأت مرحلة جديدة من النضال السياسي، بدعم مغربي غير مباشر للمعارضة الليبية، ويؤكد طارق أن لقاءات والده مع السلطات المغربية كانت قصيرة لكنها جوهرية، ولم تتدخل الرباط في التفاصيل.

ويرى طارق أن وجود عائلته في المغرب آنذاك لم يكن فقط خطوة لطلب اللجوء، بل كان جزءا من مناورة سياسية أوسع، أراد بها النظام المغربي الضغط على القذافي، خاصة أن الرباط كانت قد احتضنت محاولات انقلابية ضده.

وفي هذا السياق، بدأت تتشكل لدى طارق صورة مختلفة عن السياسة، حيث بات يرى في المعارضين قادة شجعانا، لا سند لهم سوى الإيمان بالله وعدالة قضيتهم، وبعضهم -كما يقول- ضحى بكل شيء دون دعم مالي أو حماية اجتماعية، وهو ما أثر فيه شخصيا.

ويتذكر رحلته لاحقا إلى الولايات المتحدة، حين وصل وفي جيبه 500 دولار فقط، لا يعرف أحدا ولا يملك خطة واضحة. وكان الدافع -كما يقول- هو اليقين بأن الله لا يخذل من يترك وطنه طلبا للحرية.

قصة طارق ليست مجرد سيرة شخصية، بل نافذة على التحولات الليبية العميقة، من مملكة تنهض ببنيانها إلى دولة تنهار بفعل الشعارات، ومن بيت أكاديمي في بنغازي إلى منفى دبلوماسي في الهند، ثم محطة للمعارضة في الرباط، وصولا إلى شوارع أميركا بجيوب خاوية وأحلام كبيرة.

إعلان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق