تمكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الثلاثاء، من إقناع إسرائيل وإيران بوقف إطلاق النار بين البلدين. ولكن ما الذي حدث حقا؟ وأي طرف خرج أقوى من هذا الصراع؟
في التقرير الآتي يسعى الزميل جون بساروبولوس من موقع الجزيرة الإنجليزية، من 4 محطات إلى الإجابة عن العديد من الأسئلة التي طرحت عقب توقف حرب الـ12 يوما بين إسرائيل وإيران.
فقد انقلبت الأوضاع بين إسرائيل وإيران من تصعيد الحرب إلى هدنة، ويبدو أن ما سماه ترامب "حرب الـ12 يومًا" بين إسرائيل وإيران قد انتهت، على الأقل في الوقت الراهن. حيث ادعى كل من ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة إيران، أن وقف القتال جاء وفقا لشروطهم.
إذن، ما الحقيقة؟ ماذا حققت إسرائيل؟ هل تمكنت إيران من الدفاع عن أصولها الإستراتيجية؟ وهل تمثل الهدنة طريقا إلى السلام؟
1/ كيف جرت الأحداث؟
في وقت متأخر من ليلة السبت الماضي، وبناء على طلب إسرائيل، دخلت الولايات المتحدة الحرب الإسرائيلية-الإيرانية بشن ضربات على منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، "مدمرة إياها بالكامل"، على حد تعبير ترامب.
ويوم الاثنين، ردت إيران بإطلاق صواريخ على قاعدة العديد الجوية في قطر، وبدا أن الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع وأطول.
لكن في غضون ساعات، أعلن ترامب على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به "تروث سوشيال" أنه "تم الاتفاق بين إسرائيل وإيران على وقف إطلاق النار كاملا وتاما".
ووصف ترامب ذلك بأن "حرب الـ12 يومًا… كان من الممكن أن تستمر سنوات وتدمر الشرق الأوسط".
وبعد 4 ساعات من الموعد المقرر لبدء وقف إطلاق النار، شنت إسرائيل هجومًا على إيران ردا على ما قالت، إنه صاروخان باليستيان دخلا مجالها الجوي، أطلقا من إيران، وقد دمرت إسرائيل في هجومها الانتقامي هذا محطة رادار قرب طهران.

غضب ترامب بشدة. وقال للصحفيين "أنا غير راض على الإطلاق عن هجوم إسرائيل هذا الصباح". "لدينا دولتان تتقاتلان بشراسة منذ فترة طويلة لدرجة أنهما لا تعرفان ماذا تفعلان".
إعلان
وقد أعلنت إيران أنها لم تطلق تلك الصواريخ، عاد سريان وقف إطلاق النار، وتحدث ترامب إلى نتنياهو.
2/ ماذا حققت إسرائيل؟
لطالما زعمت إسرائيل، أن إيران هي التهديد الوجودي الأول لها، لكنها لم تضرب من قبل منشآت طهران النووية. وفي 13 يونيو/حزيران الحالي، تجاوزت الخط الأحمر وقصفت المنشآت السطحية لمصنع تخصيب الوقود في نطنز ومجمع أصفهان للتكنولوجيا النووية. وردت إيران بإطلاق طائرات بدون طيار وصواريخ على إسرائيل.
وتزعم إسرائيل أن ما قامت به كان دفاعا استباقيا عن النفس، لكن ليس ثمة من يتفق معها على أن إيران تطور قنبلة نووية.
وقد تمكنت إسرائيل من إقناع الولايات المتحدة بالانضمام إليها في هجماتها على إيران. ففي الحروب السابقة مثل حربي عام1967 و1973، قدمت الولايات المتحدة دعما ماديا لإسرائيل عندما تعرضت للهجوم، لكنها لم تساعدها بالمشاركة العملياتية المباشرة. وقد شكر نتنياهو ترامب على "وقوفه إلى جانبنا".
3/ هل تمكنت إيران من الدفاع عن برنامجها النووي؟
تمكنت إسرائيل من إلحاق أضرار جسيمة بأهداف سطحية في إيران، وتزعم الولايات المتحدة أنها دمرت منشآت نووية تحت الأرض. في حين تظهر صور الأقمار الصناعية، أن الصواريخ الأميركية أصابت أهدافها، لا يوجد تأكيد مستقل للتحقق مما تم تدميره، وسيتطلب ذلك إجراء عمليات تفتيش ميدانية.
وقال رافائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي هيئة الأمم المتحدة للرقابة النووية، بعد الضربات الأميركية على المنشئات النووية الإيرانية: "في الوقت الحالي، لا أحد -بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية– في وضع يسمح له بتقييم الأضرار تحت الأرض في فوردو بشكل كامل". وأضاف "نظرًا للحمولة المتفجرة المستخدمة، والطبيعة شديدة الحساسية للاهتزازات التي تتميز بها أجهزة الطرد المركزي، من المتوقع أن تكون الأضرار التي لحقت بها كبيرة للغاية".
كما لا يُعرف مكان 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب الذي قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران تمتلكها.

وقد أشار رئيس لجنة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، إلى أن البرنامج النووي سيخرج سالما من هذه المواجهات. وقال في بيان نشرته وكالة أنباء مهر شبه الرسمية أمس الثلاثاء: "خطة عملنا هي منع أي انقطاع في الإنتاج أو الخدمات".
4/ ما احتمال شن ضربة أخرى على إيران؟
ما اتفقت عليه إسرائيل وإيران، هو وقف إطلاق النار. ولم يبرم البلدان اتفاقَ سلام. وعن البرنامج النووي الإيراني، يقول الخبراء، عموما "هناك مساران محتملان في المستقبل".
قد يساعد استئناف عمليات التفتيش التي تجريها الأمم المتحدة على المنشآت النووية الإيرانية وإبرام معاهدة جديدة مع إيران -ربما على غرار خطة العمل الشاملة المشتركة التي وضعها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في اتفاق عام 2015- في تخفيف الضغط الدولي على إيران بشأن برنامجها النووي، على الرغم من أن ترامب هو الذي انسحب من ذلك الاتفاق وليس إيران.
وهنا يمكن للقوى الأوروبية أن تلعب دورا، وقد اجتمعت ثلاث من هذه القوى، وهي المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى جانب مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في محاولة لتجنب الضربات الأميركية. وقد فشلت هذه المحاولة، لكن على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع بمفرده الضغط على إيران للتوصل إلى حل وسط، فإنه يمكنه أن يكون قوة موازية لقوة أميركا وإسرائيل.
إعلان
ووفقا لما صرح به يوانيس كوتولاس، أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة أثينا، للجزيرة: "إن إيران ستحاول إشراك الأوروبيين دبلوماسيًا باقتراح تعزيز الرقابة والالتزامات في برنامجها النووي".
وبحسب كوتولاس: "يمكن للولايات المتحدة أن تقبل برنامجا نوويا سلميا وقد صرح بذلك فعلا وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو. ومن المرجح ألّا تحاول الولايات المتحدة فرض تغيير النظام"… "أوروبا هي الآن المخرج الوحيد لإيران. روسيا غير موثوقة".

لكن إسرائيل حاولت في السابق إفشال أي اتفاق نووي بين الغرب وإيران، ومن غير المرجح أن تقبل اتفاقا جديدا. وثمة أسئلة من قبيل، هل ستكون إيران مستعدة للتنازل، بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي السابق مع طهران، ثم غيرت شروطها خلال المحادثات الأخيرة، وانضمت في النهاية إلى إسرائيل في قصف المنشآت النووية الإيرانية، بينما كان من المفترض أن تتفاوض على اتفاق؟
يجيب عن ذلك علي أنصاري أستاذ التاريخ الإيراني في جامعة سانت أندروز في اتصال بالجزيرة:
"هذا يعتمد حقا على الديناميكيات داخل البلاد وكيفية صياغة أي تراجع، لكن هناك فعلا دعوات لوقف تخصيب اليورانيوم من نشطاء داخل البلاد".
حتى الآن، تبدو إيران مصرة على المضي قدما في برنامجها النووي. ففي يوم الاثنين الماضي، وافقت لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني على مشروع قانون يدعو إلى تعليق تعاون طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تماما.
في غضون ذلك، أكد ترامب أمس الثلاثاء، على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه لن يسمح باستئناف برنامج إيران النووي. وإذا استمر هذا التوتر الأساسي على ما هو عليه، فإن جولة أخرى من الضربات والضربات المضادة بين إسرائيل وإيران والتي يمكن أن تجر الولايات المتحدة إلى الصراع، قد تكون مجرد مسألة وقت.
0 تعليق