تشهد مياه المحيطات تغيرا ملحوظا في ألوانها، حيث أصبحت أكثر اخضرارا في المناطق القطبية، وأشد زرقة في المناطق الاستوائية، وفقا لدراسة جديدة نشرت في 19 يونيو/حزيران في مجلة "ساينس".
ويعزى هذا التغير إلى تراجع تركيز صبغة الكلوروفيل الخضراء في بعض المناطق، وزيادتها في أخرى، وهي صبغة تنتجها العوالق النباتية، الكائنات الدقيقة التي تقوم بعملية البناء الضوئي وتشكّل قاعدة السلسلة الغذائية في المحيطات.
هذه التحولات، التي تم رصدها باستخدام بيانات الأقمار الصناعية على مدى 20 عاما، قد تحمل تأثيرات بعيدة المدى على النظم البيئية البحرية، بل قد تهدد مستقبل مصايد الأسماك العالمية، خاصة في الدول التي تعتمد عليها في غذائها واقتصادها، بحسب المؤلف الرئيسي للدراسة هايبينغ تشاو، باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة ديوك.

محيطات تزداد تفاوتا
اعتمد الباحثون على بيانات من جهاز تابع لوكالة الفضاء الأميركية ناسا، يقوم بمسح شامل لكوكب الأرض كل يومين، ويقيس الأطوال الموجية للضوء المنعكس من سطح المحيطات.
واستخدم الفريق هذه البيانات لتقدير تركيز الكلوروفيل كدليل غير مباشر على وفرة العوالق النباتية، لكنهم استبعدوا المناطق الساحلية من التحليل، لأن خصائص المياه الضوئية هناك تختلف بسبب الرواسب المعلقة.
يقول تشاو في تصريحات للجزيرة نت: "كشف التحليل عن اتجاه واضح، حيث تتراجع الكتلة الحيوية للعوالق النباتية في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، بينما ترتفع في المناطق القطبية، وخصوصا في نصف الكرة الشمالي". وأضاف: "هذا التباين يعكس نمطا شبيها بالتفاوت في توزيع الثروة داخل المجتمع".
وللتغلب على الضوضاء الخلفية في البيانات، استعان الفريق بمفاهيم اقتصادية مثل منحنى لورنز ومؤشر جيني، والتي تستخدم عادة لقياس التفاوت الاقتصادي أو مؤشرات النمو السكاني. "فكرنا، لماذا لا نستخدم هذه المؤشرات لرصد كيفية تغير توزيع الكلوروفيل في المحيطات؟ وقد كشف التحليل عن حقيقة مذهلة: المناطق الخضراء أصبحت أكثر اخضرارا، والمناطق الزرقاء أصبحت أكثر زرقة" يقول الباحث.
إعلان
لكن الفريق البحثي أوضح أن هذه التغييرات لا يمكن نسبها حاليا بشكل قاطع إلى تغير المناخ، نظرا لأن فترة الدراسة لم تتجاوز العقدين. ويقول تشاو: "هذه المدة قصيرة نسبيا للحكم على آثار الظواهر المناخية طويلة الأمد. نحتاج إلى مزيد من البيانات على مدى العقود القادمة لفصل أثر التغير المناخي عن تأثيرات دورية مثل ال نينيو".

تداعيات بيئية واقتصادية محتملة
قد تؤثر التحولات في مواقع العوالق النباتية أيضا على دورة الكربون العالمية، فعندما تمتص هذه الكائنات ثاني أكسيد الكربون خلال عملية التمثيل الضوئي، ثم تموت وتغوص إلى قاع المحيط، فإنها تساهم في تخزين الكربون بعيدا عن الغلاف الجوي. ويوضح الباحث أن مكان وعمق هذا التخزين لهما تأثير كبير، فالكربون المخزن في أعماق لا تعاود المياه فيها الظهور بسرعة يبقى هناك لفترة أطول، مما يساعد في تقليل الاحترار. أما الكربون المخزن على أعماق سطحية، فيمكن أن يعود بسرعة إلى الغلاف الجوي.
ولا تقتصر المخاوف على التغيرات المناخية فقط، بل تمتد إلى تهديد الأمن الغذائي، فالعوالق النباتية هي الغذاء الأساسي للكائنات البحرية الصغيرة، والتي بدورها تغذي الأسماك والحيتان وغيرها من الكائنات الأكبر. ويضيف تشاو: "إذا استمر تراجع العوالق في المناطق الاستوائية، فقد نشهد تحولات في توزيع الأسماك، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على الدول الجزرية والمناطق الساحلية منخفضة ومتوسطة الدخل، التي تعتمد على مصايد الأسماك كمصدر غذائي واقتصادي رئيسي".
ويلفت الباحث إلى أن لون المحيطات هو بمثابة بصمة رقمية للنظام البيئي البحري، وإذا تغيرت هذه البصمة، فإننا بحاجة إلى فهم ما يحدث، لأن أي خلل في قاعدة السلسلة الغذائية قد يؤدي إلى تداعيات يصعب تداركها لاحقا.
0 تعليق