"أقوى جيش في أوروبا"..مهمة ثقيلة تنتظر حكومة ألمانيا الجديدة - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

ألمانيا يجب أن تكون المحور الرئيسي لحلف الناتو حسب المستشار ميرتس(الجزيرة)

ألمانيا يجب أن تكون المحور الرئيسي لحلف الناتو حسب المستشار ميرتس(الجزيرة)

ناصر جبارة

29/6/2025-|آخر تحديث: 08:12 (توقيت مكة)

هل المقارنة جائزة بين المستشار الألماني، فريدريش ميرتس وكارل فون كلاوزِفِتس (Karl von Clausewitz)، أحد أكبر منظري الحروب في التاريخ؟

الأول رئيس حكومة أكبر وأهم دولة أوروبية كلما حانت المواجهة في أوروبا بين الشرق والغرب، والثاني نار على علم ومرجعية لا بد منها في جميع الأكاديميات العسكرية الغربية.

الأول أخذ على عاتقه في أول خطاب أمام البرلمان (بوندستاغ) مهمة بثقل الجبال، والثاني بدأ عملا لم يكتمل ورغم ذلك، وضع كتابه "عن الحرب" نظرية الحروب وفلسفتها.

الأول ولد في عام 1955 في بلدة بوسط غرب ألمانيا أشهر معْلم فيها غابة، والثاني في عام 1780 في بلدة ألمانية أخرى تفاخر بقلاعها، ثم توفي بالكوليرا في عام 1831 في برِسلاو (فروتسواف البولندية حاليا).

للوهلة الأولى، تبدو المقارنة صعبة بين السياسي ميرتس والعسكري فون كلاوزِفِتس صاحب مقولة "الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى". ولكن مقولة فون كلاوزِفِتس الأهم من وجهة نظر هذا التحقيق هي: "إذا أردت السلام، فحضّر للحرب".

BERLIN, GERMANY - FEBRUARY 20: Friedrich Merz, chancellor candidate of Germany's Christian Democrats (CDU/CSU), speaks to voters during an election campaign tour stop on February 20, 2025 in Berlin, Germany. Merz is currently leading in polls ahead of snap federal parliamentary elections scheduled for February 23. (Photo by Maja Hitij/Getty Images)
ميرتس تناول معادلة الردع الألمانية الجديدة بكلمات مبهمة(غيتي)

معادلة الردع هذه كانت فعليا المركز الذي حام حوله المستشار الألماني في خطابه أمام السلطة التشريعية الأولى، علما بأنه غلّفها عن قصد أو غير قصد بكلمات أخرى جاءت في ترجمة حرفية على الشكل التالي: "من يريد السلام عليه أن يكون مستعدا للحرب (...) نريد أن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا حتى لا نكون مضطرين إلى الدفاع عن أنفسنا".

ولكن المستشار الألماني استنسخ مواطنه فون كلاوزِفِتس في مواقع أخرى وأضاف في الخطاب ذاته "يجب أن تكون ألمانيا المحور الرئيسي للناتو"، وهذا يعني تلقائيا أن تكون الشوارع والجسور والسكك الحديدية والموانئ والمطارات الألمانية جاهزة لتحريك القوات الأوروبية بسرعة البرق في اتجاه الشرق.كل ذلك يتطلب -بحسب ميرتس- "بناء أقوى جيش تقليدي في أوروبا".

هذه المهمة الثقيلة تضع ألمانيا وحكومة ميرتس أمام أسئلة صعبة:

هل تستطيع ألمانيا بالفعل تحقيق هذا الهدف الطموح؟ ما العقبات التي تقف في وجه الخطة الألمانية؟ ما القدرات الحالية للجيش الألماني مقارنة بجيوش أوروبية أخرى؟ كيف همّشت الحكومات الألمانية المتعاقبة جيشها في العقدين الماضيين؟ لماذا يتخوف الألمان من هجوم روسي محتمل في عام 2029؟ وما العقيدة العسكرية (الكتاب الأبيض) للجيش الألماني؟

المستشار الألماني يعرف أن هذه المهمة ثقيلة جدا لأن جيش بلاده تعرض في العقود الماضية لتهميش ممنهج ولأن المشاكل التي يعاني منها هذا الجيش تشمل ثلاثة مجالات لا غنى عن النهوض بها إذا أرادت ألمانيا أن تكون قادرة على ضمان السلام من خلال الاستعداد للحرب هي الجنود والسلاح والمال. هذه المجالات الثلاثة تتفرع عنها 99 عقبة، بحسب وصف إحدى أكبر الصحف الألمانية، (دي تسايت).

99 عقبة

رئيس الاتحاد الألماني للشؤون الدفاعية والأمنية (EuroDefense) العقيد المتقاعد رالف تيله فصّل في جميع العقبات التي تقف في وجه الخطة الألمانية، ولكنه عنون هذه العقبات بما وصفه بـ"بطء وقلة معرفة" حكومة المستشار فريدريش ميرتس.

ويقول تيله في حديث مع الجزيرة نت إن ألمانيا -من الناحية النظرية- "قادرة بلا شك" على بناء أقوى جيش تقليدي في أوروبا، ولكنه اشترط وقوف فريق حكومي مختلف خلف هذا الهدف قائلا "بناء أقوى جيش في أوروبا يتطلب مختصين أذكياء قادرين على اتخاذ قرارات سريعة جدا وأنا لا أرى في الوقت الراهن أن المسؤولين الحاليين يستطيعون القيام بهذه المهمة".

وبغض النظر عن بطء وقلة معرفة الحكومة، فإن المشكلة الأساسية تكمن -وفق العقيد المتقاعد- في قِدَم الأنظمة الدفاعية للجيش الألماني.

تيله يضيف أن من يريد أن يبني جيشا قويا "يجب عليه أن يكون في قمة التقدم (العسكري) ولكن ألمانيا ليست كذلك لأن أنظمتنا الدفاعية قديمة (...) صحيح أن بعض الأنظمة التي حصلنا عليها مؤخرا متطورة، ولكننا نحتاج إلى أنظمة قادرة على إحداث قفزة إلى المستقبل، الأمر الذي يتطلب ربط جميع الأنظمة الدفاعية بعضها ببعض لتشمل حتى مجالات الفضاء والكوابل البحرية والذكاء الاصطناعي (...). ربما وضع الفريق الحكومي الحالي هذا الهدف نصب عينيه ولكنني لا أرى ذلك في الوقت الراهن".

MUNSTER, GERMANY - OCTOBER 10: Two Mars rocket launcher tanks of the Bundeswehr, the German armed forces, during a simulated attack during military exercises on October 10, 20187 near Munster, Germany. Today's exercises, dubbed
العقيد المتقاعد تيلة تحدث عن قدم الأنظمة الدفاعية الألمانية(غيتي إيميجز)

وعود جوفاء

في 29 فبراير/شباط من عام 2022 أي بعد يوم واحد من اندلاع الحرب الأوكرانية ألقى المستشار الألماني السابق أولاف شولتس خطابا أمام البرلمان اصطلح عليه لاحقا بـ"خطاب العصر الجديد" (Zeitenwende-Rede). كل شيء في هذا الخطاب كان جديدا والمبلغ الضخم الذي أعلن عنه شولتس لتمويل الاستعدادات العسكرية لهذا "العصر الجديد" كان أيضا جديدا: 100 مليار يورو.

وبعد سقوط حكومة شولتس وتسلم المحافظين بقيادة المستشار فريدريش ميرتس منصبه في بداية مايو/أيار الماضي، كان ميرتس أكثر سخاء لأنه أعلن تخصيص 500 مليار يورو سيذهب جزء كبير منها إلى الجيش.

Ralph Thiele
العقيد المتقاعد تيلة: المبالغ التي أعلن أنها ستقدم للجيش مجرد وعود(وكالات)

ولكن من أين ستأتي هذه الأموال؟

رالف تيله يقول إن جميع المبالغ التي تم الإعلان عنها لغاية الآن ليست أكثر من "وعود جوفاء أو على الأقل لغاية الآن" مضيفا "ما لدينا الآن هو مجرد وعود ولكن ما يحسب لألمانيا ويميزها عن الشريكين الفرنسي والبريطاني هو حجم الديون. في كلا البلدين يبلع حجم المديونية 120 بالمئة من الميزانية بينما تبلغ هذه النسبة في ألمانيا 60 بالمئة وهذا يعني أن فرصنا في صرف الأموال على الجيش أكبر بكثير من بريطانيا وفرنسا ولكن هذه الديون الفلكية ستأتي على حساب الأجيال المقبلة".

دبابة القتال ليوبارد 2 وناقلة الجند المدرعة بوما خلال تدريب في منشأة تدريب المشاة التابعة للجيش الألماني في 6 ديسمبر 2018 (غيتي إيميجز)

دبابة القتال ليوبارد 2 وناقلة الجند المدرعة بوما خلال تدريب في منشأة تدريب المشاة التابعة للجيش الألماني في 6 ديسمبر 2018 (غيتي إيميجز)

ولكن مشكلة الجيش في ألمانيا لا تكمن فقط في "بطء وقلة معرفة" الحكومة ولا في وعودها "الجوفاء" بل أيضا في قلة الإقبال على التجنيد ونقص وقدم أنظمة الأسلحة.

"ليوبارد" فخر صناعة الدبابات

فمن ناحية عدد الجنود، تشير أرقام المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS) إلى أن ألمانيا صاحبة عدد السكان الأكبر في الاتحاد الأوروبي تأتي في المركز الرابع (182 ألف جندي) بعد تركيا في المركز الأول (355 ألف جندي) وفرنسا في المركز الثاني (202 ألف جندي) وبولندا في المركز الثالث (200 ألف جندي).

وللمقارنة فقط، بلغ عدد جنود الجيش الألماني أثناء الحرب الباردة 500 ألف جندي وعدد الاحتياط 800 ألف جندي. ويسعى الجيش الألماني إلى رفع عدد جنوده بحلول عام 2031 إلى 203 آلاف جندي علما بأن وزير الدفاع بوريس بِستوريوس أصبح يجهر بأن العدد المنشود مع الاحتياط هو 460 ألف جندي.

تصميم خاص - إنفوغراف - أعداد الجنود في بعض البلدان الأوروبية

أما من ناحية عدد الدبابات القتالية، فتأتي ألمانيا أيضا في المركز الرابع بعد تركيا واليونان وبولندا متقدمة على بريطانيا وفرنسا وإيطاليا.

تعد الدبابة القتالية الألمانية الصنع "ليوبارد 2" فخر صناعة الدبابات الألمانية وإحدى أكثر الدبابات تطورا في العالم. ووفق أرقام المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS)، يمتلك الجيش الألماني في الوقت الراهن 209 دبابات من طراز "ليوبارد 2A5/A6" و104 دبابات من طراز "ليوبارد 2A7V"، وتتميز هذه الدبابات بقوة نارية كبيرة وسرعة وقدرة على التصدي للذخائر الخارقة للدروع. وفي صيف العام الماضي وافقت الحكومة الألمانية على شراء 105 من دبابات "ليوبارد 2A8" من الجيل الجديد، علما بأن الشركتين المصنعتين (راينميتال) و(كراوس ـ مافاي فيغمان) تتوقعان تسليم الدبابات المطلوبة بين عامي 2027 و2030، وأن وزارة الدفاع الألمانية تقول إنه هذه الدبابات ستُخصّص للواء الألماني المرابط في ليتوانيا.

تصميم خاص - إنفوغراف - عدد الدبابات القتالية في بعض البلدان الأوروبية

وعلى صعيد الطائرات المقاتلة، لا يعتبر وضع الجيش الألماني أفضل حالا. فهو يأتي في المركز الرابع بعد تركيا وفرنسا واليونان وقبل بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا.

ويمتلك الجيش الألماني 138 طائرة مقاتلة من طراز "يورو فايتر" تعتبر العمود الفقري لسلاح الجو الألماني، وتسعى حكومة برلين في العام المقبل إلى استبدال 93 مقاتلة قديمة من طراز "تورنادو" بـ35 مقاتلة أميركية من طراز "F-35". كما يمتلك جيش ألمانيا 226 طائرة مخصصة للنقل والتدريب والتزود بالوقود.

تصميم خاص - إنفوغراف - عدد الطائرات المقاتلة في بعض البلدان الأوروبية

وبالنسبة لحاملات الطائرات، لا تملك ألمانيا أيا منها، في حين تملك بريطانيا حاملتين وفرنسا حاملة واحدة وإيطاليا حاملة واحدة أيضا.

ومن ناحية عدد الفرقاطات والغواصات، تأتي ألمانيا في المركز السادس فقط بعد فرنسا وإيطاليا وتركيا وبريطانيا واليونان على التوالي.

تشير مصادر الجيش الألماني إلى أنه يمتلك 6 غواصات من طراز "212 A" يعتبرها الأحدث في العالم ويؤكد أنها تستطيع الغطس دون توقف مدة أسبوعين متتاليين. وتسعى ألمانيا بين عامي 2032 و2037 بالتعاون مع النرويج إلى الحصول على 6 غواصات جديدة من طراز "U 212 CD". كما تملك ألمانيا 6 فرقاطات تعد أيضا متطورة جدا.

تصميم خاص - إنفوغراف - عدد الفرقاطات في بعض البلدان الأوروبية

تصميم خاص - إنفوغراف - عدد الغواصات في بعض البلدان الأوروبية

"تاورس" الصاروخ القادر على عدّ الطوابق

تعد صواريخ "تاوروس" وهي ألمانية سويدية الصنع من الأسلحة البعيدة المدى التي يفاخر الجيش الألماني بامتلاكها، وتُلح أوكرانيا للحصول عليها، لكن الحكومة الألمانية السابقة رفضت ذلك، وتتلكأ الحكومة الحالية في تسليمها للأوكرانيين.

ويعد هذا الصاروخ إلى جانب نظيريه البريطاني "Storm Shadow" والفرنسي "SCALP" من أحدث الصواريخ البعيدة المدى التي تمتلكها الجيوش الأوروبية، ولكن الفرق بين هذه الصواريخ هو أن مدى "تاوروس" يبلغ 500 كلم في حين يبلغ مدى الصاروخين الآخرين 250 كلم.

كما يتميز "تاوروس" الذي يبلغ طوله 5 أمتار ويزن طنا ونصفا ويتم تركيبه في أسفل المقاتلة، بأنه يطلق من الجو ويُشهَد له بالدقة في إصابة الهدف. ويحلق على ارتفاع منخفض ويستطيع الاختفاء عن الرادارات الأمر الذي يجعله هدفا صعبا لأنظمة الدفاع المعادية.

وبحسب النموذج الترويجي لهذا الصاروخ، تخصص الجيوش "تاوروس" لاختراق الخنادق المحصّنة، وهذا يعني أن الصارخ لا ينفجر مرة واحدة فقط، بل عدة مرات يكون الأول منها انفجارا صغيرا ومزودا بـ"مخترق" (Penetrator) يستطيع الانفجار كلما اخترق سقفا جديدا وتقديم معلومات عن عدد الأسقف التي اخترقها.

ولا يقدم الجيش الألماني رسميا عددا دقيقا لصواريخ "تاوروس" التي يمتلكها لكن التقديرات تشير إلى أنه اشترى 600 قطعة منها بمليون يورو لكل قطعة، وأن 150 قطعة منها فقط جاهزة للاستخدام الفوري.

ولكن بعيدا عن قدرات هذا الصاروخ الخارقة ما الذي يُكسب "تاوروس" هذه الشهرة سيد تيله؟

"غباء بعض الصحفيين وقرعهم لطبول الحرب" يرد العقيد المتقاعد. "لأنهم يتعاملون مع الحرب الدائرة كلعبة الموزاييك. تارة يلمّعون دبابة "ليوبارد" وتارة مدرعة "ماردر" ويقدمونها كسلاح سيغير اللعبة (Gamechanger) وهذا يحدث عندما لا يعرف المرء كيف تدار الحروب وما مدى خطورتها. ما يحدث الآن في ألمانيا سواء تعلق الأمر ببعض الصحفيين والخبراء العسكريين الذين يقدمون أنفسهم كعارفين في شؤون الحرب يجعل الوضع خطيرا لأن عدم فهم كيف تدار الحروب واللجوء بدلا من ذلك إلى التصعيد الكلامي يؤدي غالبا إلى الوقوع في المصيدة".

- Undated file photo - of a Tomahawk cruise missile. Britain will get 22 upgraded Tomahawk cruise mi..
ابتداءا من العام المقبل ستنشر ألمانيا صاروخ توماهوك الأميركي(رويترز)

ووفق وزير الدفاع الألماني فإن بلاده تسعى ابتداء من عام 2026 إلى نشر الصاروخ الأميركي "SM 6 Tomahawk" ونظيره الجاري تطويره "Dark Eagle" على أراضيها. إضافة إلى ذلك تسعى ألمانيا في إطار مشروع مشترك مع كل من فرنسا وإيطاليا وبولندا وبريطانيا والسويد إلى تطوير صاروخ "ELSA" الذي من المتوقع أن يفوق مداه 1000 كلم، مما يعني قدرته على استهداف عمق الأراضي الروسية.

بهذه الاستعدادات تسعى ألمانيا إلى أن تكون في المقدمة أو على الأقل ألا تكون في المؤخرة إذا أراد مستشارها بناء أقوى جيش تقليدي في أوروبا وترسانة أسلحة تعفي جيشه من خوض الحرب.

"لا تكن في المؤخرة حتى لا تعضك الكلاب"

إذا أراد صديق ألماني نصوح أن يحثك على الاجتهاد والمثابرة، فسيقول لك "Den Letzten beißen die Hunde" أي "لا تكن في المؤخرة حتى لا تعضك الكلاب".

من خلال مقارنة القدرات العسكرية الألمانية بنظيرتها الأوروبية في الفقرات السابقة، يتبيّن لنا أن ألمانيا ليست في المؤخرة ولكنها ليست في المراكز الأولى التي يفرضها عليها وزنها السكاني وقوتها الاقتصادية.

ولكن الأدهى من ذلك هو أن تعويض النقص الضخم الذي خلفته سياسات الحكومات الألمانية المتعاقبة في العقود الماضية يحتاج إلى عشرات الأعوام إذا افترضنا جدلا توفر الإرادة السياسية والمال من أجل ذلك.

مِن أوفى الدراسات التي فصلت في هذه المعضلة دراسة للمعهد الألماني للاقتصاد العالمي (كيل). تقول الدراسة إن سير ألمانيا على وتيرة التسلح ذاتها التي اتبعتها في الأعوام القليلة الماضية لتأمين الطائرات المقاتلة -على سبيل المثال لا الحصر- سيعني حاجتها إلى عشرة أعوام من أجل الوصول إلى مستوى عام 2004.

أما إذا أرادت امتلاك عدد الدبابات القتالية الذي امتلكته في عام 2004 فإنها تحتاج إلى 40 عاما.ووفق هذه الدراسة امتلكت ألمانيا في عام 2004 (423) طائرة مقاتلة، ثم بلغ عدد المقاتلات التي امتلكه جيشها في عام 2021 (226) طائرة أي النصف تقريبا.

أما عدد الدبابات المقاتلة فقد بلغ في عام 2004 (2398) دبابة، ثم تراجع في عام 2021 إلى (339) دبابة. وبخصوص مدافع "هاوتزر" تقول الدراسة إن عددها بلغ في عام 2004 (978) مدفعا، ثم تراجع في عام 2021 إلى (121) مدفعا.

عدد الدبابات في الجيش الألماني تراجع إلى أقل من 400 (رويترز)

وبخصوص أنظمة الدفاع الجوي تقول الدراسة إنه لا توجد معلومات عن عددها في عام 2004، ولكن تشير معلومات الجيش الألماني إلى أنه امتلك 12 نظاما منها في عام 2021.

في المقابل، تستطيع روسيا تصنيع الكميات ذاتها في أوقات قياسية تقدرها الدراسة بنصف عام، ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير من عام 2022، تمكنت روسيا من رفع وتيرة تصنيع الأسلحة بشكل واضح لاسيما الصواريخ البعيدة المدى وأنظمة الدفاع الجوي والدبابات القتالية.

ولكن هذا النهم الروسي يشمل كذلك تكثيف صناعة أنظمة الأسلحة الحديثة مثل المسيّرات.

يضاف إلى ذلك مشكلة عجز الحكومة الألمانية عن تقديم محفزات حقيقية لشركات صناعة الأسلحة لأن هذه الشركات لا تعرف ما إذا كانت حكومة برلين ستواصل طلب الأسلحة بعد نضوب الأموال التي تم تخصيصها للتسلح، الأمر الذي يعني تأخر مواعيد التسليم وارتفاع الأسعار وقبل ذلك عدم القدرة على وضع خطط تصنيعية طويلة الأمد.

وتلقي الدراسة نظرة تشاؤمية على مستقبل الحرب في أوروبا قائلة "التحول التاريخي (إعلان المستشار الألماني السابق أولاف شولتس عن تخصيص 100 مليار يورو للدفاع) يبقى كلاما نظريا لأن السلام سيحل في أوروبا فقط إذا فهم "النظام في موسكو" أنه لا يستطيع كسب حربه العدوانية بالسلاح. هذا يتطلب من ألمانيا استعدادات عسكرية تكلف في العام الواحد 100 مليار يورو"، مما يعني مئات المليارات في الأعوام القليلة المقبلة.

لماذا عام 2029؟

بالتزامن مع التحذيرات من نفاد الوقت ودق ناقوس الخطر من التأخر في تعويض النقص الذي خلفه العقدان الماضيان، حدد مسؤولون ألمان كبار موعدا محتملا لهجوم روسي على أراضي حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالقول إنهم يتوقعون حدوث مثل هذا الهجوم ابتداء من عام 2029.

أبرز هؤلاء المسؤولين المفتش العام للجيش كارستن بروير الذي فجّر مؤخرا مفاجأة من العيار الثقيل مستندا إلى ورقة تحليل أخطار أعدها الجيش الألماني. يقول بروير إنه على الجيش الألماني "مواجهة الواقع والاستعداد لهجوم روسي محتمل بعد عام 2029 على أراض تابعة للحلف الأطلسي (...). علينا أن نأخذ ما يقوله بوتين على محمل الجد لأنه يضع الاقتصاد الروسي في حالة تأهب ويخطط لرفع أعداد جنود الجيش الروسي إلى مليون ونصف مليون ولصناعة من 1000 إلى 1500 دبابة قتالية في العام"، وكل هذه الاستعدادات تفوق بكثير ما تحتاج إليه روسيا لمواصلة حربها في أوكرانيا.

In this pool photograph distributed by the Russian state agency Sputnik, Russia's President Vladimir Putin chairs a meeting of the Russia - Land of Opportunities Supervisory Board in Moscow on May 27, 2025.
مفتش عام الجيش الألماني حذر من سياسات بوتين. (الفرنسية)

ذكْر هذا العام لم يأت فقط على لسان المفتش العام للجيش، بل أيضا على لسان وزير الدفاع الألماني، بوريس بِستوريوس. ففي مساءلة أمام البرلمان (بوندستاغ)، استنسخ بستوريوس معادلة الردع التي وضعها مواطنه، منظر الحروب كارل فون كلاوزِفِتس قائلا: "يجب علينا أن نكون قادرين على الردع من أجل الحيلولة دون وصول الأمور إلى حافة الهاوية"، أي إلى الحرب أو كما قال مواطنه فون كلاوزِفِتس "إذا أردت السلام، فحضّر للحرب".

عقيدة بِستوريوس

"الأولوية القصوى بالنسبة لنا جميعا هي عامل الوقت. سنبدأ بتسريع خطواتنا حيث كبّلنا أنفسنا بأنفسنا دون جدوى (...) هدفنا بالدرجة الأولى وفي أسرع وقت ممكن توفير المعدات الصالحة للاستخدام لجيشنا"، يقول وزير الدفاع الألماني بستوريوس في ورقة لوزارة الدفاع الألمانية نشرت في أبريل/ نيسان من عام 2023 وعرفت لاحقا باسم "عقيدة بستوريوس".

تدريبات لقوة ألمانية تتبع لجلف الناتو(رويترز)

تدريبات لقوة ألمانية تتبع لجلف الناتو(رويترز)

"لدينا المعرفة (Know-how) والتكنولوجيا اللازمة، ولكن لدينا في أوروبا أيضا مشكلة بخصوص القدرات. إذا طلبت اليوم دبابة "ليوبارد" فإن تسليمها سيستغرق سنتين وربما سنتين وشهرين (...) بعض أنظمة الأسلحة لا نستطيع في الوقت الراهن توفيرها وهذا سيعني اللجوء بسرعة إلى المتوفر في الأسواق العالمية على سبيل المثال إلى الولايات المتحدة. على المدى البعيد يجب علينا أن نكون في أوروبا قادرين على تطوير أنظمة المستقبل بأنفسنا"، يقول الوزير ذاته في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023 في مقابلة مع صحيفة "هاندلسبلات" الاقتصادية.

من خلال هذه المقابلة المطولة مع بستوريوس وورقة وزارة الدفاع، يمكن القول إن "عقيدة بِستوريوس" تقوم على أساسين: الأول حل مشكلة الوقت من خلال تسريع الحصول على أنظمة الأسلحة اللازمة، وهذا يعني اللجوء إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي وقبل كل شيء إلى الولايات المتحدة، والثاني تأسيس شبكة من شركات صناعة الأسلحة الأوروبية تكون لألمانيا فيها حصة الأسد.

بهذه العقيدة يريد وزير الدفاع الألماني، بوريس بِستوريوس توفير كل ما يحتاج إليه جيش بلاده من أنظمة دفاعية وجنود ومال عسى أن يكون هذا الجيش قادرا على إكساب ألمانيا وأوروبا السلام من خلال الاستعداد للحرب كما يتمنى رئيس الحكومة المستشار فريدريش ميرتس وقبله أكبر منظر للحروب في التاريخ كارل فون كلاوزِفِتس (Karl von Clausewitz).

فرصة للصحفيين الاستقصائيين

المصدر: الجزيرة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق