عاجل

المغرب يبحث عن توازن تجاري مع تركيا بعد إلغاء الإجراءات الحمائية - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

الرباط – رغم 5 سنوات من فرض رسوم جمركية على عدد من المنتجات التركية، لم يتمكن المغرب من كبح العجز التجاري المتفاقم مع تركيا، والذي بلغ ذروته في عام 2024 بحوالي 27 مليار درهم (2.7 مليار دولار)، مما أعاد النقاش حول جدوى الإجراءات الحمائية، ودفع الرباط نحو مقاربة جديدة لتعديل ميزان المبادلات مع أنقرة.

فقد انتهت هذا العام المهلة التي حددها المغرب بـ5 سنوات، وكان قد قرر خلالها فرض رسوم جمركية على عدد من السلع التركية، بهدف حماية الصناعة الوطنية من المنافسة غير المتكافئة ومنع إغراق السوق المحلية. وبناءً على ذلك، أصدرت إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالمغرب مذكرة تُبلِغ فيها مختلف مصالحها بانتهاء العمل بهذه الإجراءات الحمائية.

أرقام متصاعدة تؤكد محدودية الأثر

ورغم أن هذه التدابير شملت فرض رسوم جمركية تصل إلى 90% على بعض المنتجات التركية، فإن العجز التجاري بين البلدين استمر بالاتساع، ما يعكس محدودية أثر هذه الإجراءات على هيكل الميزان التجاري، مما أعاد طرح التساؤلات حول قدرة الاقتصاد المغربي على منافسة نظيره التركي في ظل تفاوت كبير في القدرات الإنتاجية والتصديرية.

وفي هذا السياق، زار كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية عمر احجيرة العاصمة التركية أنقرة بعد أيام قليلة من صدور المذكرة، حيث ترأس إلى جانب مصطفى توزكو نائب وزير التجارة التركي أشغال الدورة السادسة للجنة تتبّع تنفيذ اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا.

المغرب/ الرباط/ سناء القويطي/ كاتب الدولة المغربي المكلف بالتجارة الخارجية ونائي وزير التجارة التركي/ مصدر الصورة: مواقع التواصل
كاتب الدولة المغربي عمر احجيرة (يسار) مع مصطفى توزكو نائب وزير التجارة التركي (وزارة التجارة التركية)

وتم تخصيص هذه الدورة لمناقشة سبل تعزيز الصادرات المغربية نحو السوق التركية، والعمل على تطوير الشراكة الاقتصادية بين البلدين بما يحقق توازنًا أكثر عدالة في العلاقات التجارية، خاصة بعد أن تبين أن الإجراءات الجمركية وحدها لم تكن كافية لمعالجة الفجوة.

إعلان

يُذكر أن المغرب وقّع اتفاقية للتبادل الحر مع تركيا في عام 2004، ودخلت حيز التنفيذ سنة 2006. وفي عام 2020، قرر المغرب تعديل الاتفاقية عبر فرض رسوم جمركية على عدد من المنتجات الصناعية التركية، بلغت 90% من قيمة الرسوم المطبقة، في خطوة تهدف إلى وقف إغراق السوق المحلية وحماية الصناعات الوطنية.

وعلى الرغم من هذا التعديل، فقد استمرت الواردات المغربية من تركيا في الارتفاع، حيث بلغت 18 مليار درهم (1.8 مليار دولار) في عام 2020، و27 مليار درهم  (2.7 مليار دولار) في عام 2022، ثم 25 مليار درهم (2.5 مليار دولار) في عام 2023، قبل أن تقفز إلى 39 مليار درهم (3.9 مليارات دولار) في سنة 2024.

في المقابل، ارتفعت الصادرات المغربية نحو تركيا من 5.7 مليارات درهم (570 مليون دولار) في عام 2020 إلى 11.2 مليار درهم (1.12 مليار دولار) في 2022، و11.8 مليارًا (1.18 مليار دولار) في 2023، ثم 11.6 مليارًا (1.16 مليار دولار) في 2024، وهو ما يمثل فقط 2.8% من إجمالي الصادرات المغربية الموجهة إلى أوروبا.

خبراء يشخصون أصل الخلل

ويشير هذا التطور إلى أن الصادرات المغربية، رغم تضاعفها خلال فترة تعديل الاتفاقية، لم تنجح في تقليص العجز التجاري، الذي بقي في مستوى مرتفع، مما يبرز حجم التحديات البنيوية التي تواجه الاقتصاد المغربي في علاقته بالاقتصاد التركي.

ويرى الخبير الاقتصادي عبد النبي أبو العرب أن الإجراءات الحمائية التي اتخذها المغرب كانت محدودة الأثر ولم تعالج أصل المشكلة، مؤكدًا في تصريح للجزيرة نت أن "الخلل ليس في أن تركيا تصدّر إلى المغرب حوالي 40 مليار درهم، بل في أن المغرب لم يستطع اقتحام السوق التركية بمنتجات وقدرة تصديرية منافسة ومتزايدة".

أما رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري، فقد أوضح للجزيرة نت أن استمرار هذا العجز يعكس اختلالًا بنيويًا في ميزان القوى الإنتاجي بين البلدين، مشيرًا إلى أن تركيا تتميز بقدرة تصديرية قوية في الصناعات التحويلية والاستهلاكية ذات الكلفة المنخفضة، في حين تبقى صادرات المغرب محدودة وغير متنوعة في السوق التركية، مما يجعل تأثير الإجراءات الحمائية ظرفيًا وضعيف الأثر إذا لم يُواكب بإصلاحات هيكلية.

ولفت الغنبوري إلى أن تجاوز هذا العجز لا يمكن أن يتحقق فقط من خلال رفع حجم المبادلات التجارية، لأن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة إذا استمرت الواردات في النمو بوتيرة أسرع من الصادرات. ورأى أن الحل يكمن في تنمية العرض التصديري المغربي نحو تركيا، خصوصًا في القطاعات التي يتمتع فيها المغرب بمؤهلات حقيقية، مثل الصناعات الغذائية، وصناعة السيارات، والنسيج التقني، والزراعة ذات الجودة العالية.

كما أشار إلى أن تعزيز الاستثمارات التركية في المغرب يمكن أن يشكل وسيلة لتحقيق توازن غير مباشر، من خلال إنشاء وحدات إنتاجية موجهة للتصدير، وتوطين صناعات مشتركة تعزز الاندماج الصناعي وتوسع نطاق التعاون.

دعوات لتغيير نموذج الشراكة

من جهته، شدد عبد النبي أبو العرب على ضرورة "الضغط على الشريك التركي لقبول وبلورة نموذج آخر من الاتفاقيات التجارية الثنائية، تكون مرهونة بشراكات واستثمارات مشتركة تربط اقتصاديات البلدين بمشاريع صناعية وهيكلية تهدف إلى تحويل التكنولوجيا وتوطين الصناعات التركية في المملكة".

وأكد أن هذه الرؤية تتطلب إستراتيجية وطنية واضحة، ترتكز على دعم الإنتاج المحلي الموجه للتصدير واستقطاب الاستثمارات التركية في مجالات تميزت فيها أنقرة دوليًا، مثل الصناعات العسكرية والميكانيك والصلب والخدمات والسياحة.

إعلان

تعاون رابح – رابح

وكانت قضية العجز التجاري من بين أبرز المواضيع المطروحة في أشغال لجنة تتبّع تنفيذ اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا، إضافة إلى مناقشة سبل تجاوز العراقيل التي تواجه المصدرين، وتقوية الاستثمارات كآلية رئيسية لتطوير التعاون الاقتصادي.

وطالب المغرب خلال اللقاء بالحصول على الأفضلية لتوسيع نطاق منتجاته الزراعية داخل السوق التركية، بينما اتفق الطرفان -وفق بيان مشترك- على تعزيز التعاون بهدف رفع حجم التجارة الثنائية، ضمن مقاربة تقوم على مبدأ "رابح-رابح"، مع الإقرار بأن الصناعات التحويلية في البلدين يمكن أن يكمّل بعضها بعضا.

كما تم الاتفاق على تنظيم مؤتمرات واجتماعات ترويجية لفرص الاستثمار المشترك للشركات التركية والمغربية، من أبرزها منتدى الأعمال والاستثمار التركي المغربي خلال عام واحد، إلى جانب تطوير العلاقات التجارية في مجالات المقاولات والخدمات الاستشارية الفنية، بهدف تعميق الشراكة في مشاريع البنية التحتية وسلاسل التوريد، بالاستفادة من بنود اتفاقية التجارة الحرة.

المغرب/ الرباط/ سناء القويطي/ إحدى علامات بيع الملابس التركية بالرباط/ مصدر الصورة: سناء القويطي
الاستثمار التركي في المغرب يمكن أن يشكل مدخلًا غير مباشر لتحقيق التوازن التجاري (الجزيرة)

خارطة طريق جديدة لتوسيع قاعدة التصدير

ولا يقتصر العجز التجاري للمغرب على تركيا فقط، بل يمتد إلى دول أخرى تجمعها به اتفاقيات تبادل حر، مثل الولايات المتحدة ومصر، حيث بلغ العجز التجاري العام للمملكة حوالي 306 مليارات درهم (30.6 مليار دولار) سنة 2024، بحسب بيانات مكتب الصرف.

وفي محاولة للتقليص من هذا العجز، أطلقت الحكومة المغربية في مايو/أيار الماضي خارطة طريق للتجارة الخارجية 2025-2027، تهدف إلى توسيع قاعدة التصدير عبر تأسيس 400 شركة تصديرية جديدة سنويًا، ورفع قيمة الصادرات بـ80 مليار درهم (8 مليارات دولار) بحلول عام 2027.

وأوضح الغنبوري أن هذه الاختلالات تعود إلى البنية الاقتصادية المغربية التي ظلت لعقود تعتمد على قطاعات أولية ضعيفة القيمة المضافة، دون وجود قاعدة صناعية قوية وقادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، مضيفًا أن المغرب لم يواكب توقيع الاتفاقيات التجارية بسياسات صناعية وتجارية هجومية ودفاعية متكاملة، وهو ما جعل السوق المغربية مفتوحة دون ضمان استفادة متبادلة حقيقية.

كما أشار إلى غياب تقييم دوري للأثر الاقتصادي لهذه الاتفاقيات، وتأخر تفعيل أدوات الإنذار المبكر في حالات الإغراق، كما حصل مع تركيا، مما أسهم في تراكم الاختلالات.

ورأى عبد النبي أبو العرب أن المغرب يدخل اتفاقيات التبادل التجاري الحر وهو غير مهيأ بالصورة الكافية، إذ لا يملك الصناعات التنافسية التي تهم الأسواق المستهدفة مثل السوق التركية والأميركية، لافتًا إلى أن المنتجات المغربية تظل ضعيفة ومكررة وتغطي قطاعات محدودة، دون وجود رؤية إستراتيجية واضحة تشجع على الاستثمار المشترك وخلق سلاسل إنتاج متكاملة.

وفي ختام تحليله، دعا أبو العرب إلى إعادة طرح إشكالية اختلال الميزان التجاري في إطار رؤية إستراتيجية ومقاربة اقتصاد سياسي، تجعل من الاقتصاد أداة تخدم المصالح الوطنية، مؤكدًا أن اتفاقيات التبادل التجاري الحر لا ينبغي أن تتحول إلى بوابة لإغراق السوق المغربية بالسلع الأجنبية، بل إلى مرتكز لرؤية تنموية تجعل من الاقتصاد المغربي منصة إقليمية تتقاطع فيها سلاسل الإنتاج العالمية، بما يحقق قفزة نوعية نحو نهضة اقتصادية شاملة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق