يواجه تنظيم الإخوان الإهابي في أوروبا واحدة من أكبر أزماته منذ عقود، بعدما بات مشروع وجوده ذاته محل تساؤل واسع، في ظل تحركات غربية متزامنة تستهدف تفكيك شبكته المالية والتنظيمية.
وفي وقت يتصاعد فيه الضغط السياسي والقانوني من عواصم أوروبية بارزة، على رأسها باريس وبرلين وفيينا، يجد تنظيم الإخوان نفسه محاصرا بين تدقيق أمني في أنشطته وحصار مالي متصاعد.
تقارير وتحقيقات
ومع تراكم التقارير الاستخباراتية والتحقيقات الرسمية التي توثق تغلغل التنظيم في مؤسسات تعليمية وثقافية ودينية، تزايدت الدعوات داخل دوائر صنع القرار الأوروبي لتشديد الرقابة على منشآت التنظيم، بل وطرح فكرة تضييق الخناق بشكل كامل في بعض الدول.
في الوقت الذي يعتبر مسؤولون ومراقبون، أن التنظيم دخل في مواجهة مفتوحة مع الأنظمة الأوروبية، انتقل فيها من كونه جزءا من مشهد التعددية عبر الجمعيات والمراكز الإسلامية التي أقامها، إلى كيان يواجه مساءلة قانونية وأخلاقية عن شرعية بقائه داخل المجتمعات الغربية.
وما ساهم في تصاعد وتيرة الحديث عن حصار جماعة الإخوان المسلمين غربيا ما كشف عنه تقرير حكومي فرنسي بشأن "الاختراق واسع النطاق" الذي تقوم به جماعة الإخوان داخل المجتمع، عبر شبكة مؤسسات وأفراد، والذي أشار إلى اتخاذ تدابير تشريعية عاجلة تهدف إلى مراجعة التمويل المرتبطة بالإخوان، وتعزيز أدوات الرقابة على المنظمات الدينية التي تتلقى دعما حكوميا أو أوروبيا، في حين خلصت الوثيقة الرسمية إلى أن الجماعة تعتمد "آليات متعددة تتراوح بين إعادة الأسلمة، والانفصالية، وأحيانا التخريب، بهدف زعزعة استقرار الجمهورية الفرنسية".
"أخطر تنظيم أيديولوجي"
ولم تكن فرنسا وحدها في هذا المسار؛ فالنمسا كانت قد سبقتها في تصنيف الجماعة تنظيما محظورا منذ عام 2021، لكن التطور الأهم جاء مؤخرا في يونيو 2025 حينما انضمت النمسا إلى فرنسا في طرح مبادرة داخل البرلمان الأوروبي تطالب بفرض قيود على المؤسسات المرتبطة بالجماعة، وفتح تحقيق شامل في مصادر تمويلها من خلال برامج الاتحاد الأوروبي.
وفي ألمانيا، التي كانت تاريخيا من أكثر الدول تساهلا مع نشاطات الجماعة، تغير المشهد تدريجيا، فقد أصدرت أجهزة الاستخبارات الألمانية تقارير صنفت فيها الإخوان على أنهم "أخطر تنظيم أيديولوجي يهدد النظام الديمقراطي"، كما تم تنفيذ إجراءات مراقبة مشددة على المساجد والجمعيات الثقافية المرتبطة بالجماعة في ولايات مثل شمال الراين وستفاليا وبرلين، وهي إجراءات تحظى بدعم سياسي عابر للأحزاب.
كما سبق أن رصد تقرير مؤشر الإرهاب الأوروبي، تغييرات كبرى في سياسات الحكومة الألمانية تجاه التيارات الدينية الإسلامية المتشددة، وعلى رأسها بالتحرك نحو التشريع، لا سيما البحث عن تقييد مصادر تمويل الجماعات المتطرفة، شنت الأجهزة الأمنية حملات ومداهمات ضد مساجد ومنظمات ومراكز تابعة للتيارات المتطرفة.
نهاية الجماعة الإرهابية أوروبيا؟
ويقول مسؤولون غربيون ومحللون في حديثهم لـ"سكاي نيوز عربية"، إن جماعة الإخوان في أوروبا باتت محاصرة من عدد من النواحي، إذ أصبحت تفقد تدريجيا أدواتها وقدرتها على التأثير في السياسات العامة؛ ومن جهة أخرى، لم تعد تحظى بنفس الغطاء المجتمعي الذي كانت تراهن عليه في السابق، ففي الوقت الذي تتجه دول أوروبية نحو تشريعات حظر أو تصنيف قانوني، تبدو الجماعة عاجزة عن تقديم مراجعة فكرية أو تنظيمية تضمن لها البقاء.
وفي تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أكدت عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، نتالي غوليه، أن باريس لا تستهدف جماعة الإخوان بشكل منفرد، وإنما تتحرك في إطار أوسع يشمل مواجهة التطرف الإسلامي والراديكالية بجميع أشكالها، مشيرة إلى أن الجماعة مشمولة ضمن هذه الإجراءات.
وأضافت غوليه: "نخوض الآن معركة مهمة على مستوى الاتحاد الأوروبي، بهدف وقف تمويل المنظمات غير الحكومية التي يقودها أشخاص على صلة بجماعة الإخوان، وهناك جهودا مستمرة للضغط على المؤسسات الأوروبية للتوقف عن دعم هذه الكيانات، والتي تنشط غالبا تحت عناوين إنسانية أو ثقافية".
وأشارت السيناتور الفرنسية إلى أن بلادها تعمل في الوقت الراهن على إعداد تدابير جديدة تهدف إلى حظر التمويل الخارجي ومراقبة مصادر تمويل الجماعات المتطرفة بشكل عام، وهذا الملف يعد أولوية في جهود مكافحة التطرف داخل أوروبا.
وفيما يتعلق بالوضع القانوني للجماعة داخل أوروبا، أوضحت غوليه أن تصنيف عدد من الدول الأوروبية لجماعة الإخوان كتنظيم متطرف قد ترك أثرا ملموسا على وضعها القانوني والاجتماعي، لا سيما في فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة، حيث اتخذت خطوات في هذا الاتجاه منذ سنوات.
وقبل عام، وضعت لندن، جماعة الإخوان على رأس قائمة التطرف، وفق مقاييس التعريف الحكومي الجديد للتطرّف.
مواجهة تمدد الجماعة
وأوضحت غوليه، أنه "رغم ما تم اتخاذه من إجراءات أوروبية، لا تزال الجماعة تمارس نفوذا كبيرا داخل المجتمعات، وأسهمت في خلق بيئات موازية تكرّس الانفصال عن القيم الوطنية، وبالتالي فالجماعة لا تنشط في فرنسا كحزب سياسي أو كيان قانوني رسمي، وهو ما يصعّب من مسألة حظرها بشكل مباشر، لكنها لا تزال فاعلة عبر شبكات غير رسمية".
وكشفت المتحدثة عن عقدها اجتماعا في مجلس الشيوخ مع عدد من السفراء الأوروبيين والأجانب، ناقشوا خلاله استراتيجية موحدة لمواجهة تمدد جماعة الإخوان في القارة، مشيرة إلى وجود تقارب واضح بين العواصم الغربية في هذا الملف، تمهيدًا لاعتماد نهج مشترك أكثر فاعلية.
نشاط الجماعة في بريطانيا
ومن لندن، قال عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، إن وضع جماعة الإخوان في أوروبا يختلف من دولة إلى أخرى، سواء كانت فرنسا أو إنجلترا أو بلجيكا، لكنه أكد أن "الوضع في بريطانيا يظل مختلفا"، إذ أن الجماعة لا تزال تتمتع بهامش من حرية الحركة.
وأضاف رجب أن "التمويل بالنسبة للإخوان في بريطانيا يصل إليهم عبر مسارات غير مباشرة، إذ لا يكون تحت غطاء ديني أو خيري، لكن خلال أنشطة تجارية واستثمارية وواجهات بنكية".
واعتبر أن الجماعة باتت "تتبع تكتيكا أكثر حذرا في السنوات الأخيرة، إذ يعتمدون على التحرك غير المباشر، عبر تنظيم فعاليات ثقافية وندوات عامة تبدو في ظاهرها اجتماعية أو عربية الطابع، لكنها في جوهرها موجهة من قبل الإخوان".
وتابع: "أمس فقط، كان هناك مؤتمر جرى تنظيمه تحت لافتة الجالية العربية، لكنه تم بدعم وتمويل من تنظيم الإخوان، وكان الهدف الأساسي منه هو استقطاب عناصر جديدة من جنسيات عربية مختلفة"، محذرا من أن الجماعة باتت تستغل أدواتها المالية لخدمة أجنداتها السياسية داخل بريطانيا.
ودلل على ذلك بالقول إن "الإخوان يستخدمون التمويل في دعم بعض أعضاء البرلمان، سواء بشكل مباشر أو عبر حملاتهم الانتخابية، مما يمنحهم قدرة على ممارسة ضغط سياسي في أوقات حساسة، مثل مناقشة أي تشريعات أو قرارات تتعلق بالتضييق على نشاطهم".
نقلا عن سكاي نيوز
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
0 تعليق