استعادت صحيفة لوفيغارو ذكرى موجة الحر غير المسبوقة التي ضربت أوروبا، وفرنسا خاصة في صيف عام 1911، لأكثر من شهرين، متسببة في وفاة 40 ألف شخص.
ووصف رئيس تحرير الصحيفة وقتها إميل بير "موجة الحر" كما سماها خبراء الأرصاد الجوية، وهي أشد موجة حر فتكا في التاريخ -حسب الصحيفة- قائلا: "تضرب الحرارة جدراننا، وتنشر رذاذها الناري في شوارع باريس، وتجفف الحناجر، وتحرق الجماجم، وتذيب الشجاعة، وتدفع حتى أكثر الناس سرورا إلى البكاء"، وأضاف: "آه! هذه الموجة، كم سنبارك الجزر الذي سيحملها بعيدا".
وذكرت الصحيفة -في تقرير بقلم ماري أود بونيل- أن الحرارة اللافحة تواصلت، وكان يوما 22 و23 يوليو/تموز استثنائيين، حيث تجاوزت درجة الحرارة في كل مكان 35 درجة مئوية، وقالت الصحيفة وقتها "هذا لا يمكن أن يدوم".

وزعمت الشائعات وقتها أنه "عندما يكون يوليو/تموز حارا، يكون أغسطس/آب باردا"، ولكن الحرارة تواصلت 13 يوما متتالية من أغسطس/آب، وقد سجل مرصد مونتسوريس 37.7 درجة مئوية في العاشر من أغسطس/آب 1911، وهي "أعلى درجة حرارة سجلها مقياس الحرارة منذ عام 1757، في عهد ملك فرنسا لويس الـ15"، حسب لوفيغارو.
الموجة الأكثر فتكا عبر التاريخ
استمرت موجة الحر حتى منتصف سبتمبر/أيلول، وكانت واحدة من أطول موجات الحر في التاريخ وأكثرها فتكا، إذ أودت بحياة 40 ألف شخص في فرنسا، معظمهم من الأطفال، أكثر بكثير من موجة الحر التاريخية في صيف 2003 التي تسببت في وفاة 14 ألفا و800 شخص.
ورسم الكاتب الصحفي إميل بير صورة لأجواء العاصمة الخانقة في يوليو/تموز، وسخر من الباريسيين الذين ينزلون إلى مداخل المترو للسفر أميالا تحت الأرض في "ظلام بارد".
وفي الأقاليم ليس الوضع أفضل، فمن الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، درجات الحرارة مرتفعة بشكل جنوني، فقد سجلت 35 درجة في ريميرمونت، على أعتاب جبال الفوج، حيث اعتاد الناس الذهاب خلال أسوأ موجات الحر.

"التنفس -كما يقول الكاتب- كان الشغل الشاغل للباريسيين اليوم، ومن الظهيرة فصاعدا، يكون الأمر مروعا ومضحكا. تبدو الشمس المحمومة كأنها تسخن مدينة ميتة. بقي الأذكياء مختبئين في منازلهم عراة. آخرون ملتصقون بالجدران".
إعلان
ويتابع الكاتب: "يحل الليل لكن الحرارة لا تهبط، بل ترتفع خفية وغادرة، مغلَفة بالظلال، تنبثق من الجدران وتنبعث من الطرق والأرصفة، فنستنشق الهواء الحر ونحن ننتظر العشاء".
يتجه الناس نحو الغابة حيث الأشجار، ويمتلئ قطار مونمارتر الجبلي المائل بالشابات والشبان الذين تتدفق جباههم عرقا، على أمل العثور على بعض الهواء النقي هناك، "ثم يعود المساكين منهكين ومحطمين، من حيث كانوا يأملون في الانتعاش، وهم في غاية الحر والتعاسة والتعب، ثم نراهم أخيرا يبتسمون وهم ينهارون على شرفات المقاهي في حرارة فوق الـ30 وجو المدينة الفاسد، ويهمسون بصوت صادق: الجو جميل هنا".
0 تعليق