د. منال إمام تكتب: المرأة المصرية.. حارسة القيم ومصدر التوازن الأسري في زمن التحولات - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

تُمثّل الأسرة البنية التحتية الأخلاقية والوجدانية لأي مجتمع، فهي المدرسة الأولى التي يُبنى فيها الوعي، وتتكوَّن فيها الشخصية، وتتبلور فيها القيم والسلوكيات. في حضنها يتعلم الإنسان معنى الانتماء، ويكتسب أدوات التفاعل مع ذاته ومحيطه، ولهذا كان الحفاظ على تماسك الأسرة مرادفًا لصيانة استقرار المجتمع وتنميته.
وفي قلب هذه المنظومة، تقف المرأة المصرية شامخة بدورها المتجذر، لا كمجرد عنصر داخل الأسرة، بل كروح تنبض فيها الحياة، وعقل يرشدها، وضمير يقيها من الانهيار أمام العواصف الاجتماعية والثقافية.
منذ فجر الحضارات، أثبتت المرأة المصرية مكانتها الرفيعة. ففي مصر الفرعونية، لم تكن المرأة مجرد تابع، بل شريكة في الحكم والتعليم والتدبير، تُقدّر كأم وملهمة وزوجة ومعلمة. وعبر العصور الإسلامية، ازدادت مكانتها رسوخًا، فكانت نموذجًا للحكمة والصبر والتضحية، ومصدرًا لتربية الأجيال على الفضيلة والانتماء.
ومع تطوّر الزمن ودخول المجتمع المصري في معترك القرن الحادي والعشرين، بدأت الأسرة تواجه تحديات عميقة تمس جوهر القيم التي نشأت عليها، وكان للمرأة النصيب الأوفر من المواجهة والعبء.

عولمة القيم وتحدي الازدواجية

أدخلت العولمة أنماطًا ثقافية مستوردة قد لا تنسجم دائمًا مع الروح الأصيلة للأسرة المصرية. فتولد صراع صامت داخل الأبناء بين ما يُغرس فيهم داخل البيت من مبادئ، وما يواجهونه خارجه من مفاهيم مغايرة، مما خلق ازدواجية تربوية تهدد بتآكل القيم.

وسائل التواصل الاجتماعي: الاتصال الذي فرّق

رغم أن هذه الوسائل قرّبت المسافات، إلا أنها في كثير من الأحيان باعدت بين القلوب داخل الأسرة الواحدة. فقد أفرزت أنماطًا من العزلة الرقمية، وأعادت تشكيل العلاقات داخل البيت، ودفعت القيم الفردانية والاستهلاكية إلى الواجهة، على حساب التضامن الأسري والانتماء الجمعي.

التحديات الاقتصادية: عبء مزدوج على كاهل المرأة

أمام تزايد الضغوط الاقتصادية، اضطرت ملايين النساء إلى خوض سوق العمل، دون أن يُخفف عنهن عبء رعاية الأسرة. فوقعن في مأزق التوفيق بين العمل والبيت، وبين الذات والواجب، وهو ما أسهم أحيانًا في اهتزاز المنظومة الأسرية وارتفاع معدلات الطلاق، وتبدّل بعض المفاهيم المرتبطة بالزواج والأسرة.

المرأة المصرية... خط الدفاع الأخير عن القيم

وبرغم كل هذه التحديات، ورغم تعدد الأدوار لم تتخلَّ المرأة المصرية عن دورها. بل واجهت التغيرات بوعي متنامٍ، مستندة إلى إرث ثقافي عريق وتجربة تاريخية فريدة، متمسكة بجوهر هويتها الدينية والوطنية. فقد أثبتت أنها ليست مجرد متلقٍ للتغيرات، بل فاعل رئيسي قادر على تهذيبها وتكييفها بما يخدم استقرار الأسرة واستمرار نهضة المجتمع.
ولذا، فإن دعم المرأة المصرية وتمكينها ليس ترفًا اجتماعيًا، بل ضرورة وطنية. فتمكينها ثقافيًا واقتصاديًا هو تمكين للأسرة ذاتها، وللمجتمع بأسره. إنها الحارسة التي تحفظ التوازن بين الأصالة والتجديد، بين الروح والقانون، بين القلب والعقل.
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق