عاجل

نفاد الحطب واشتعال أسعاره يزيد معاناة سكان غزة - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

غزة – ينحني فكري أبو وردة بهدوء فوق كومة من الحطب، محاولا إشعالها للمرة الثالثة هذا الصباح. ويضع قطعة من الإسفنج تحت الأخشاب، ثم يشعلها بقدّاحة صغيرة بالكاد تعمل، فيتصاعد الدخان الكثيف، فيغمض عينيه قليلا ويتراجع إلى الخلف، في حين يسعل سعالا جافا لا يكاد يتوقف.

كانت حياة أبو وردة الصحية صعبة قبل الحرب، إذ يعاني من مشاكل تنفسية تتطلب متابعة طبية سنوية في مستشفى بالخليل جنوبي الضفة الغربية، وهو ما يتعذر إجراؤها حاليا بسبب الحرب.

ويقول أبو وردة، النازح من شمال القطاع إلى غربي مدينة غزة، "أشعر أن حالتي الصحية تسوء منذ بدأت استخدام الحطب، لكن لا خيار آخر".

ولم يعد الخشب خيارا مجانيا أو سهلا، فقد وصل سعر الكيلو الواحد إلى 7 شواكل (دولارين)، وهو مبلغ يفوق قدرة كثير من العائلات في ظل الحصار والفقر.

ويكمل "اليوم فقط، احتجت إلى حطب بقيمة 20 شيكلا (نحو 6 دولارات) لطهو قليل من المعكرونة".

ويحتاج الشاب الفلسطيني إلى 500 شيكل (147 دولارا) شهريا فقط لشراء الحطب، مضيفا "من يستطيع توفير هذا المبلغ في ظل إغلاق البنوك، وغياب السيولة، وارتفاع العمولة (في السوق السوداء)؟".

وجبات أقل

ولا تتوقف صعوبات استخدام الحطب لدى الشاب عميد الحلو عند سعره المرتفع، بل إن إشعاله أصبح معاناة بحد ذاتها. فالقدّاحة رديئة الصنع، التي كانت تُباع بنصف شيكل، تُباع الآن بـ50 شيكلا (15 دولارا)، وغالبا ما تتلف سريعا.

8-فكري أبو وردة: أحتاج إلى 500 شيكل (قرابة 147 دولارا) شهريا فقط لشراء الحطب
فكري أبو وردة: أحتاج إلى 500 شيكل (قرابة 147 دولارا) شهريا فقط لشراء الحطب (الجزيرة)

وفي حال تعطلت بعد أيام قليلة على استخدامها، قد يضطر الحلو إلى استعارتها من الجيران.

وحينما كان سعر الكيلو من الخشب، قبل عدة شهور، 3 شواكل (0.9 دولار)، اعتبره الحلو مرتفعا جدا، ولم يتخيل أن يصل سعره اليوم إلى 7 شواكل (دولارين)، مرشحة للزيادة.

إعلان

ويضيف "هذه ميزانية يصعب توفيرها في ظل حرب عطّلت العمل، وأغلقت البنوك، ورفعت أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني".

ومع هذا الواقع، لم يعد عدد الوجبات اليومية ثابتا، فقد تكتفي الأسرة بوجبة واحدة، وفي أفضل الأحوال، اثنتين، حسبما يقول، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الكثير من العائلات لا تجد حتى وجبة واحدة تسد رمقها، وتعتمد على ما توزعه التكايا الخيرية، إن توفرت.

أفران بلا حطب

وألجأ قلة الخشب وارتفاع أسعاره أم أيمن، وهي صاحبة فرن طيني تقليدي في غزة، إلى اتخاذ قرارات صعبة، حيث اضطرت إلى رفع الأسعار، دون أن تستبعد أن تغلقه قريبا.

وتقول السيدة الخمسينية "نحن في أزمة حقيقية، والكل يعاني، الحطب أصبح نادرا، وسعره مرتفع جدا، أصبحنا نرفع الأسعار لتغطية التكاليف".

وتضيف "اضطررنا لرفع أجرة (طهي) الخبز، كنا نأخذ شيكلا (0.3 دولار) على كل 5 أرغفة، ثم شيكلا على كل 4، والآن نأخذ شيكلين مقابل كل 7 أرغفة، وهناك أفران غيرنا تأخذ شيكلين مقابل 5 أرغفة".

وحتى هذا المبلغ أصبح غير كافٍ لتغطية التكاليف، فقد أغلقت الكثير من الأفران وتوقفت عن العمل، حسب أم أيمن، التي لا تستبعد أن تحذو حذوهم قريبا.

3-اضطرت بعض الأفران التقليدية إلى إغلاق أبوابها بسبب ارتفاع أسعار الخشب فيما رفع البعض الآخر الأسعار
بعض الأفران التقليدية اضطرت لإغلاق أبوابها بسبب ارتفاع أسعار الخشب في حين رفع البعض الآخر الأسعار (الجزيرة)

الحطب ينفد والأسعار ستشتعل

ويقف رزق السرساوي في دكانه الصغير الخاص ببيع الحطب، يراقب أعين الناس وهي تتفقد الأسعار ثم تمضي.

ويقول السرساوي، وهو نازح من حي الشجاعية شرقي غزة إلى حي الرمال (غرب): إن القليل فقط هم من يشترون، فالأسعار ليست في متناول الجميع.

ويقدم البائع أسبابا تبدو منطقية لارتفاع الأسعار، حيث يقول "لم يعد هناك حطب في قطاع غزة".

ويلفت إلى أن القطاع لا يملك غابات، ولا حتى مساحات خضراء تكفي لإمداد السكان باحتياجاتهم اليومية من الأخشاب، وما تبقى من أشجار دمرته الحرب.

ثم يضيف أن أكثر من 75% من مساحة القطاع بات محظورا على السكان، مما يجعل جمع الحطب مخاطرة في حد ذاته.

كما أن الطلب أكبر من العرض، و"الناس تطبخ بالحطب، وليس هناك بديل، فكيف لهم أن يعيشوا؟"، حسب قوله.

وعلى الرغم من السعر الباهظ حاليا، يتوقع السرساوي أن تستمر الأسعار في الارتفاع، "فالحرب لم تنتهِ، والحطب لم يتجدد".

وليس بعيدا عنه، يقف محمود وهدان، بائع آخر اعتاد أن يشتري الخشب من باعة متجولين، ليقدمه بدوره للبيع في بسطته الصغيرة.

ويقول وهدان إن طريق جمع الحطب محفوف بالموت، وكل يوم يقتل الاحتلال ويصيب جامعي الحطب الذين يخاطرون بأنفسهم كي يوفروا لقمة العيش لأطفالهم.

ويضيف إن المنازل المدمرة، بما كانت تحتويه من أثاث، أصبحت هي المصدر الأساسي للحطب الذي يتم جمعه، نظرا لعدم توفر غابات أو أراضٍ زراعية.

1-أسعار الخشب تفوق قدرة سكان غزة على تحمله وهو ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم حيث وصل سعر الكيلو منه إلى نحو دولارين.
أسعار الخشب تفوق قدرة سكان غزة وهو ما يزيد أعباءهم ومعاناتهم حيث وصل سعر الكيلو منه لدولارين (الجزيرة)

جمع برائحة الدم

لم يكن هيثم حسنين يحمل سلاحا، ولا يبحث عن اشتباك، كان يبحث عن خشب حينما أُصيب بشظايا قنبلة إسرائيلية.

لا يذكر حسنين بالضبط تاريخ إصابته، لكنها كانت قبل شهر تقريبا، حينها توجه إلى منزله بحي الزيتون شرق غزة، الذي نزح منه قبل 3 شهور، كي يجلب منه بعض الحطب.

إعلان

وفي طريق عودته، لاحقته طائرة مسيّرة صغيرة، وألقت قنبلة عليه، وأصابته شظاياها واخترقت ظهره وساقيه.

واليوم، وبعد أسابيع من الإصابة، لا يزال هيثم عاجزا عن المشي بطريقة طبيعية، ويحتاج إلى عمليتين جراحيتين، تعجز المستشفيات في غزة عن إجرائها لضعف الإمكانيات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق