لطالما اعتقدنا، أن الواقع مبني على ثلاثة أبعاد مكانية (الطول والعرض والارتفاع) وبعد رابع يمثل الزمن، يمكن لنا التحرك بسهولة داخل الأبعاد المكانية، بينما نحن مجبولون على المضي في اتجاه واحد يخص البعد الرابع، إنه المستقبل.
لكن جونتر كليتيتشكا، عالم الفيزياء من جامعة ألاسكا فيربانكس، يقترح تصورا جذريًا، حيث يفترض أن الزمن هو الأساس الحقيقي للواقع، وله ثلاثة أبعاد، بينما المكان ينشأ كنتيجة ثانوية من تلك الأبعاد الزمنية، بحسب دراسة نشرت بدورية "رِبورتس إن أدفانسِز أوف فيزيكال ساينسِز".

قماش الواقع
ولغرض التبسيط تخيل أن لدينا لوحة رسم قماشية بيضاء، هذا القماش هو ما يُبنى عليه كل شيء، في التشبيه فإن الزمن بأبعاده الثلاثة هو هذا القماش الأساسي، أي أن الزمن ليس مجرد "خلفية" تمر فيها الأحداث، بل هو الإطار البنيوي الحقيقي للكون.
على نفس القماش، فإن الألوان والأشكال التي نرسمها على القماش تمثل الأبعاد المكانية الثلاثة، هذه "الألوان" لا توجد بذاتها، بل تظهر فقط عندما نرسمها على القماش.
كذلك، في تصور كليتيتشكا، المكان لا يوجد بذاته، بل يظهر فقط كنتيجة أو أثر للتفاعلات داخل بنية الزمن الثلاثي.
وعندما ننظر إلى اللوحة الفنية، نراها مزيجا من القماش والألوان. كذلك، الواقع الذي نعيشه يبدو لنا مكانا وزمانا معًا. لكن حسب هذه النظرية، الزمن هو الأصل، والمكان مشتق منه، تمامًا كما لا وجود للوحة بدون قماش، لا وجود للمكان بدون الزمن.

معادلة جديدة
في هذا السياق، فإن النموذج الجديد الذي يقترحه كليتيتشكا يفترض وجود ستة أبعاد في الواقع، ثلاثة زمنية وثلاثة مكانية، ويربطهما بمعادلة رياضية تدعم هذا التصوّر، جدير بالذكر أن تعدد الأبعاد ليس افتراضا جديدا، فنظرية الأوتار مثلا تسمح بوجود أبعاد متعددة، تصل إلى 26 بُعدا.
إعلان
ومن هذه المعادلة الجديدة، استطاع الباحث حساب كتل الجسيمات المعروفة، مثل الإلكترون والكواركات بدقة، وهو أمر مهم نادرًا ما ينجح به أي نموذج رياضي في هذا النطاق..
كما أن النموذج الجديد يحافظ على السبب والنتيجة، تمامًا كما في الزمن الأحادي، حيث تبقى العلاقة سببية؛ السبب يسبق النتيجة حتى في البُعد الزمني الآخر.

أبعاد تائهة
ولكنك في هذا السياق قد تسأل: وأين تلك الأبعاد الزمنية الأخرى، والإجابة، كما يعتقد بعض الباحثين، ولا سيما الفيزيائي النظري إسحاق بارز من جامعة جنوب كاليفورنيا، أن البعدين الثاني والثالث يظهران أو يتكشفان عند مستويات طاقة قصوى، كما هو الحال في بدايات الكون أو في تفاعلات الجسيمات عالية الطاقة.
لكن لفهمها يضرب العلماء مثالا مبسطا في بيان صحفي رسمي أصدرته الجامعة، تخيل أنك تسير في مسارٍ مستقيم، تتحرك إلى الأمام، وبالتالي تختبر الزمن كما نعرفه. تخيّل الآن مسارًا آخر يتقاطع مع المسار الأول، ويسير جانبيا.
إذا استطعت أن تسلك هذا المسار الجانبي، وتبقى في نفس اللحظة من "الزمن العادي"، فقد تجد أن الأمور قد تختلف قليلًا، ربما نسخة مختلفة من اليوم نفسه. يُمكنك السير على طول هذا المسار الثاني العمودي من استكشاف نتائج مختلفة لذلك اليوم دون الرجوع إلى الوراء أو التقدم في الزمن كما نعرفه.
وجود هذه النتائج المختلفة هو البُعد الثاني للزمن. أما وسيلة الانتقال من نتيجةٍ إلى أخرى فهي البُعد الثالث.
نظرية كل شيء
يعتقد عدد من الفيزيائيين النظريين أن السعي وراء "نظرية الزمن ثلاثي الأبعاد" يُمثل سبيلًا للمساعدة في الإجابة عن بعض الأسئلة الفيزيائية الكبرى التي حيرت العلماء، وبخاصة في نطاق توحيد ميكانيكا الكم (النظرية التي تدرس سلوك الجسيمات على أصغر المقاييس) والنسبية العامة (النظرية التي تدرس المقاييس الكبرى)، في نظرية كمية واحدة للجاذبية.
يمكن لنظرية الجاذبية الكمومية، أن تُصبح نظريةً شاملةً للكون (ما يُسمى "نظرية كل شيء")، حيث ستُوحّد هذه النظرية القوى الأساسية الأربع للطبيعة: الكهرومغناطيسية، والقوة النووية القوية، والقوة النووية الضعيفة، والجاذبية.
يعتقد كليتيتشكا أن نظريته عن الزمن ثلاثي الأبعاد يُمكن أن تُساعد في هذا المسعى، حيث يُعيد الإطار الرياضي الذي ابتكره بدقة إنتاج الكتل المعروفة لجسيمات مثل الإلكترونات والميونات والكواركات، ويُفسّر أيضًا سبب امتلاك هذه الجسيمات هذه الكتل.
ولكن على الرغم من أن نظرية كليتيتشكا عن الزمن ثلاثي الأبعاد تقدم أفكارا جديدة مثيرة للاهتمام، إلا أن نتائجها لم يقبلها بعد المجتمع العلمي الأوسع.
إلى جانب ذلك، لا تزال النظرية في مراحلها الأولى من التدقيق، ولم يتم التحقق منها بشكل مستقل من التجارب، ولم تخضع بعد للتقييم النقدي من مجتمع الفيزياء الأوسع، كما أن هناك حاجة لنشر دراسات أخرى عن نفس النظرية في مجلات متعددة.
0 تعليق