فخلال العقد الماضي فقط، شهدت مساحة الجليد البحري في القطبين انخفاضا حادا. وفي عام 2023، وصلت مساحة الجليد البحري الشتوي في أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية) إلى مستوى قياسي منخفض، بأقل بـ1.55 مليون كيلومتر مربع من المتوسط المعتاد، أي ما يعادل اختفاء مساحة جليدية تعادل 6.5 ضعف حجم المملكة المتحدة. واستمر الانخفاض في عام 2024، بينما يتجه عام 2025 نحو مستوى كارثي مماثل.
وأشار العلماء إلى أن كل متر مربع من الجليد البحري المفقود لا يترك فراغا فقط، بل يتحول إلى مصدر دائم للاحترار. فالجليد الأبيض الناصع الذي كان يعكس أشعة الشمس مثل مرآة عملاقة، يحل محله الآن سطح مائي داكن يمتص الحرارة بشراهة. والأخطر أن هذه الحرارة لا تتبدد بسرعة، بل تظل محبوسة في أعماق المحيط لسنوات، ما يخلق تأثيرا تراكميا أشبه بفرن حراري يعمل على تذويب المزيد من الجليد كل عام.
ويقود إدوارد دودريدج، العالم البارز في جامعة تسمانيا، فريقا بحثيا كشف النقاب عن هذه الآلية الخطيرة. فبعد تحليل دقيق لبيانات السنوات الأخيرة، وجد الفريق أن كل صيف يشهد انحسارا حادا للجليد يترك بصمته على المحيط لمدة ثلاث سنوات على الأقل. و"ذاكرة المحيط" الحرارية هذه تعني أن الأضرار ليست مؤقتة، بل إن كل موجة حر تزيد من شدة التي تليها، في حلقة مفرغة تهدد بتسريع ذوبان القارة الجليدية.
وليس هذا كل شيء، فالجليد البحري المنهار يفتح الباب أمام كوارث أخرى. فمن دون هذه الطبقة الواقية، تصل أمواج المحيط الهائجة إلى الحواف الجليدية للقارة، ما يسرع من تفكك الصفائح الجليدية الضخمة. وينتج عن ذلك تضاعف عدد الجبال الجليدية العملاقة التي تنفصل عن القارة، حيث يسجل الباحثون ستة جبال جليدية إضافية بمساحة تزيد عن كيلومتر مربع لكل 100 ألف كيلومتر مربع من الجليد المفقود.
وسيؤثر فقدان الجليد البحري بشدة على الكائنات التي تعتمد عليه كمنصة للراحة والتكاثر، مثل بطاريق الإمبراطور (Aptenodytes forsteri) والفقمات آكلة السرطان (Lobodon carcinophagus)، حيث ستجد هذه الكائنات نفسها فجأة بلا موطن. والمشهد المتكرر لآلاف الصغار التي تموت غرقا بعد ذوبان الجليد المبكر لم يعد حدثا نادرا، بل أصبح جزءا من نمط مأساوي متكرر.
ويعقد أن انحسار الجليد أيضا الجهود العلمية. فمع تراجع الجليد البحري، تصبح عمليات إمداد المحطات البحثية أكثر خطورة وصعوبة، ما يعرض واحدة من آخر المناطق البكر على الأرض لخطر فقدان الرصد العلمي المستمر في لحظاتها الأكثر حراجة.
وقال البروفيسور نيريلي أبرام من الجامعة الوطنية الأسترالية بقلق: "ما نشهده ليس مجرد تغير عابر، بل تحول جذري في النظام البيئي للقارة القطبية الجنوبية.
وكل مؤشرات الخطر تحولت إلى اللون الأحمر، والأوان قد يكون قد فات لعكس هذه التغيرات".
نقلا عن روسيا اليوم
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
0 تعليق