عاجل

حرب فيتنام .. جرح لم يندمل في الذاكرة الأمريكية وغير وجه جنوب شرق آسيا - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة
حرب فيتنام.. الجرح المفتوح في الذاكرة الأمريكية

بعد مرور أكثر من نصف قرن، لا تزال حرب فيتنام تُمثل فصلاً مظلماً ومؤلماً في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، ونقطة تحول جذرية في تاريخ فيتنام.

كانت حرباً استمرت عقدين من الزمن، حفرت خطوطها بالوكالة في بادئ الأمر ثم بالدم والنار بشكل مباشر، وتركت وراءها ملايين القتلى وإرثاً ثقيلاً من

الدمار والانقسام السياسي والاجتماعي الذي لا تزال آثاره ماثلة حتى اليوم. فكيف بدأت هذه الحرب، وكيف وصلت إلى نهايتها المأساوية، وما الذي تغير

بعدها؟


الجذور والبداية: من الاستعمار إلى التدخل الأمريكي

لم تبدأ الحرب بقرار أمريكي مفاجئ، بل كانت نتاج عقود من التوترات التي أعقبت الاستعمار.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، سعت فرنسا لاستعادة سيطرتها على مستعمرتها في الهند الصينية (التي تضم فيتنام)، لكنها واجهت مقاومة شرسة من قبل

قوات "الفيت مين" الشيوعية بقيادة هوشي منه. انتهى هذا الصراع بهزيمة فرنسية مدوية في معركة "ديان بيان فو" عام 1954.

عقب ذلك، قسمت اتفاقيات جنيف لعام 1954 فيتنام مؤقتاً إلى دولتين عند خط العرض 17:

فيتنام الشمالية: بقيادة شيوعية وبدعم من الاتحاد السوفيتي والصين.

فيتنام الجنوبية: مدعومة من الولايات المتحدة والغرب.

كان من المفترض إجراء انتخابات عام 1956 لتوحيد البلاد، لكن فيتنام الجنوبية، وبدعم أمريكي، رفضت المشاركة خوفاً من فوز الشيوعيين.

ومن هنا، بدأت الولايات المتحدة، في ظل عقيدة "الدومينو" التي تخشى سقوط دول المنطقة واحدة تلو الأخرى في قبضة الشيوعية، بزيادة دعمها لحكومة

سايغون.

بدأ التدخل بإرسال مستشارين عسكريين في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور، وتزايد في عهد جون كينيدي.

التصعيد والحرب المفتوحة

كانت نقطة التحول التي قادت إلى حرب أمريكية شاملة هي "حادثة خليج تونكين" في أغسطس/آب 1964.

زعمت إدارة الرئيس ليندون جونسون أن مدمرات أمريكية تعرضت لهجوم غير مبرر من قبل زوارق فيتنامية شمالية.

بناءً على ذلك، مرر الكونغرس الأمريكي "قرار خليج تونكين"، الذي منح الرئيس جونسون صلاحيات واسعة لاستخدام القوة العسكرية دون إعلان حرب

بدأ التصعيد سريعاً، وشنت الولايات المتحدة حملة قصف جوي مدمرة عُرفت باسم "عملية الرعد المتدحرج" (Operation Rolling Thunder)،

وبدأت بإرسال قوات قتالية برية بشكل مكثف. بحلول عام 1968، وصل عدد الجنود الأمريكيين في فيتنام إلى أكثر من نصف مليون جندي.

تحولت الحرب إلى مستنقع دموي، حيث واجه الجيش الأمريكي تكتيكات حرب العصابات التي أتقنتها قوات "الفيت كونغ" (جبهة التحرير الوطني في

الجنوب) والجيش الفيتنامي الشمالي في الأدغال الكثيفة.

نقطة التحول والنهاية

شكل "هجوم التيت" (Tet Offensive) في يناير 1968 نقطة تحول استراتيجية. فعلى الرغم من أن الهجوم المباغت الذي شنه الشيوعيون على

عشرات المدن في الجنوب قد فشل عسكرياً، إلا أنه كان بمثابة صدمة نفسية وسياسية هائلة للرأي العام الأمريكي.

لقد كشف الهجوم أن التصريحات المتفائلة من قبل القادة العسكريين والسياسيين حول قرب النصر كانت بعيدة كل البعد عن الواقع.

تزايدت الحركة المناهضة للحرب بشكل غير مسبوق داخل الولايات المتحدة، وأدت إلى انقسام مجتمعي حاد.

تولى الرئيس ريتشارد نيكسون منصبه عام 1969 بوعد بإنهاء الحرب، مطلقاً سياسة "الفتنمة" (Vietnamization)، التي تهدف إلى تدريب وتجهيز

قوات فيتنام الجنوبية لتتولى مهام القتال، مع سحب القوات الأمريكية تدريجياً

بعد سنوات من المفاوضات الشاقة، تم التوصل إلى "اتفاقيات باريس للسلام" في يناير/كانون ثان 1973، والتي نصت على وقف إطلاق النار، وانسحاب

جميع القوات الأمريكية، والإفراج عن أسرى الحرب. غادر آخر جندي أمريكي فيتنام في مارس/ آذار 1973.

لكن السلام لم يدم طويلاً. انهار وقف إطلاق النار، واستمر القتال بين الشمال والجنوب.

وبدون الدعم الأمريكي المباشر، لم يتمكن جيش فيتنام الجنوبية من الصمود. في 30 أبريل/نيسان 1975، اجتاحت قوات فيتنام الشمالية العاصمة الجنوبية

سايغون (التي أُعيد تسميتها لاحقًا إلى مدينة هوشي منه)، لتنتهي الحرب رسميًا بتوحيد فيتنام تحت الحكم الشيوعي.

ما الذي تغير؟ إرث الحرب الثقيل

تركت الحرب ندوباً عميقة لا تزال ماثلة:

الخسائر البشرية: كانت كارثية. قُتل ما يصل إلى 2 مليون مدني فيتنامي، وأكثر من 1.1 مليون جندي فيتنامي شمالي، وحوالي 250 ألف جندي فيتنامي

جنوبي.

أما الولايات المتحدة، فقد خسرت أكثر من 58,000 جندي.

التأثير على الولايات المتحدة: أدت الحرب إلى انهيار الثقة في الحكومة والجيش، وخلقت ما عُرف بـ"متلازمة فيتنام"، وهي حالة من التردد في التدخل

العسكري في الخارج، كما أنها أشعلت انقساماً اجتماعياً وسياسياً لم تشهد له البلاد مثيلاً منذ الحرب الأهلية.

توحيد فيتنام: انتهت الحرب بتحقيق هدف الشمال في توحيد البلاد تحت راية الشيوعية، لكن فيتنام الموحدة خرجت من الحرب دولة مدمرة ومنهارة

اقتصادياً.

الآثار البيئية والصحية: قامت الولايات المتحدة برش ملايين اللترات من المواد الكيميائية السامة، وأشهرها "العامل البرتقالي" (Agent Orange)،

لتجريد الأدغال من أوراقها.

أدت هذه المواد إلى كوارث بيئية، وتسببت في مشاكل صحية خطيرة وعيوب خلقية لملايين الفيتناميين، ولا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.

لم تكن حرب فيتنام مجرد صراع عسكري، بل كانت مأساة إنسانية غيّرت مسار التاريخ وأعادت تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، وتركت درساً قاسياً

حول حدود القوة العظمى وتكاليف التدخل في صراعات لا يمكن حسمها بالقوة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق