الجفاف يتصاعد في لبنان.. هل دخل زمن شحّ المياه الدائم؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

البقاع- بخطى بطيئة تمر "أم علي" قرب بحيرة البياضة بمنطقة رأس العين في بعلبك (شرقي لبنان) التي جفت مياهها وتشققت أرضها، تتأمل المشهد بصمت قبل أن تقول للجزيرة نت: رحم الله تلك الأيام.. كانت البحيرة عامرة بالماء والبط، لا تجفّ ولا تهدأ، كنّا نأتي للاستمتاع بجمالها، كانت معلما سياحيا وأقرب إلى القلب، ولنا فيها ذكريات لا تُنسى. لكنها اليوم لم تعد سوى أطلال ذكريات".

وغير بعيد، يجلس أبو حسين على مقعد إسمنتي يطل على البحيرة الغائبة، وبين تنهيدة وأخرى، يسترجع مشاهد الطفولة والشباب "كنا نجتمع هنا، فالمكان كان مجهزا بمقاعد وأشجار وارفة، ومراجيح للأطفال. كنا نرتاح تحت ظلّها، ونستمتع ببرودة المياه في عزّ الصيف".

ويتابع حديثه للجزيرة نت "لم نخسر فقط مَعلما جميلا في بلدتنا، بل إن شحّ المياه أثّر على حياتنا اليومية، بتنا نشتري المياه بعدما كانت البحيرة مصدر فخر وارتواء".

خطر الجفاف

يؤكد رئيس بلدية بعلبك أحمد الطفيلي -في حديث للجزيرة نت- أن "جفاف بحيرة البياضة" يعد مؤشرا خطيرا على تفاقم الأزمة المناخية بالمنطقة، في ظلّ تراجع كميات المتساقطات.

وقال إن توقف تدفق مياه البحيرة أدى إلى انقطاع نهر رأس العين الذي يُعد الشريان الحيوي لري بساتين بعلبك، مما يهدد الموسم الزراعي، ويزيد من أعباء المزارعين.

وحذر من أن تداعيات الجفاف تتجاوز القطاع الزراعي، لتطال الاستخدامات اليومية للمياه، مشيرا إلى أن السكان مهددون بالعطش خلال أسابيع إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، خاصة في ظل صيف قاس يلوح في الأفق.

حيرة البياضة حوض خاوٍ من الحياة بعد أن جفت مياهه بالكامل
حوض خاوٍ بعد أن جفت بحيرة البياضة بالكامل (الجزيرة)

وأكد الطفيلي ضرورة التحرك العاجل لحفر آبار جديدة وتوفير مصادر بديلة، داعياً إلى تدخل الوزارات المعنية -خصوصا مؤسسة مياه البقاع ووزارتي الطاقة والزراعة- إلى جانب الجهات الدولية المانحة لمواجهة ما سماها "مرحلة شديدة الخطورة".

إعلان

كما كشف أن المواطنين باتوا يشترون المياه من مصادر بعيدة، مما يضاعف أعباءهم المعيشية في ظل أوضاع اقتصادية خانقة، داعيا الأهالي إلى ترشيد استهلاك المياه والابتعاد عن الهدر.

وختم الطفيلي بتوجيه رسالة إلى الجهات الرسمية والدولية، محذرا من أن جفاف البحيرة لا يهدد فقط معلما أثريا وسياحيا له رمزية خاصة في وجدان أبناء بعلبك، بل يمسّ حياة الناس وكرامتهم بشكل مباشر.

مناخ يتغيّر

من جانبه، يحذر رئيس حزب البيئة العالمي والخبير البيئي دوميط كامل من أن لبنان يقف اليوم على حافة تحول مناخي وبيئي خطير، ينذر بمستقبل مائي وزراعي قاتم، وسط غياب سياسات فاعلة وتخطيط مستدام.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال كامل "ما نعيشه اليوم ليس أزمة مفاجئة، بل نتيجة مسار بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي، والخوف الأكبر أن الأسوأ لم يأتِ بعد".

ويربط كامل بين الاحترار العالمي واختلال التوازن المناخي، مشيرا إلى أن تراكم الحرارة في الطبقات الجوية بات يتجاوز قدرة المحيطات والكتل الهوائية والغطاء الحرجي على امتصاصها، مما أثّر مباشرة على حركة الغيوم ونسبة المتساقطات.

ويضيف أن "لبنان ودول الجوار شهدت تراجعا مقلقا في معدل الأمطار وصل إلى الثلث، في حين باتت الثلوج شبه غائبة عن المناطق التي تقلّ عن 1400 متر، بعدما كانت تغطي ارتفاعات لا تتجاوز 200 متر مطلع القرن الحالي".

ويكشف الخبير البيئي عن معطى أكثر خطورة، إذ تظهر الدراسات دخول حشرات استوائية إلى لبنان، في مؤشر واضح على انتقال المناخ من نمط "معتدل بارد" إلى "معتدل حار" يقترب تدريجيا من النمط الصحراوي.

A man fills a tanker delivery truck with water from an underground water well distribution facility in Beirut on July 3, 2025.
معظم سكان لبنان يشترون الماء نتيجة  الجفاف وشح المياه (الفرنسية)

وقد انعكس هذا التحول المناخي مباشرة على المزارعين، حيث يشير كامل إلى أن محاصيل أساسية مثل المشمش والكرمة واللوز لم تعد قادرة على النمو تحت ارتفاع 800 متر، في حين بدأت النباتات البرية تذبل وتختفي تدريجيا بسبب موجات الحر الشديد.

ويؤكد أن لبنان سجل العام الماضي أكثر من 225 يوما من الجفاف التام، مقارنة بأقصى حد تاريخي لم يكن يتجاوز 70 يوما، في حين تقلص الموسم المطري الذي كان يمتد من أكتوبر/تشرين الأول حتى يونيو/حزيران إلى أمطار خفيفة ومتقطعة انتهت كليا مع مطلع مايو/أيار.

وفي قراءة قاتمة لواقع المياه، يشير كامل إلى أن معظم الأنهار اللبنانية تشهد تراجعا حادا، من بينها نهر الإبراهيم في جبل لبنان قضاء جبيل، والذي كان يغذّي محطات الطاقة الكهرومائية بأكثر من 560 مليون متر مكعب سنويا، لكنه جفّ هذا العام بشكل شبه تام.

ويضيف "لطالما حذرنا من تحويل الأنهار إلى مصبات للصرف الصحي، لكن الدولة لم تتحرك، واليوم نرى نهر بيروت وقد تحول إلى مجرور مفتوح يمر أمام وزارة الطاقة، من دون أي معالجة تُذكر".

تحذير من انهيار

ويحذر كامل من انهيار شامل في المنظومة البيئية والمائية في لبنان، مشددا على أن البلاد تواجه "خطرا وجوديا" في ظل تواطؤ السلطات مع واقع التلوث والانهيار البيئي.

ويقول "أزمة المياه لم تعد نقصا في الموارد، بل تحولت إلى تهديد مباشر لصحة الإنسان والحياة الزراعية بسبب الاستخدام العشوائي للمياه الملوثة وغياب أي رقابة".

إعلان

ويكشف أن نحو 130 ألف بئر ارتوازية تُستخدم للتخلص من مياه الصرف الصحي، إلى جانب أكثر من 7 آلاف مصدر تلوث تصبّ في نهر الليطاني وحده، وهو النهر الأطول والأكبر في لبنان، وينبع من غرب بعلبك في سهل البقاع ويصب في البحر المتوسط شمال مدينة صور.

وحمّل كامل الدولة مسؤولية التلوث المباشر للمجاري المائية، مضيفا "نحن أمام كارثة صحية مكتملة الأركان، معظم المزروعات في لبنان تروى بمياه المجارير، الخضار التي تصل إلى موائد اللبنانيين، من خس وبقدونس وجزر وبطاطا، تُسقى من مصادر ملوثة، وتشكل خطرا حقيقيا على الصحة العامة".

ويختم حديثه بانتقاد حاد للقيادات السياسية، واصفا إياها بـ"الجاهلة" ويقول "الناس تأكل خضارا من المجارير دون أن تدري، والقيادات نفسها تأكل من هذه المزروعات، وتُقتل ببطء، من دون وعي أو مساءلة".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق