عاجل

كيف تنعكس زيادة الرواتب 200% على معيشة السوريين؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

شام السبسبي

دمشق- في بلد يعاني فيه الملايين من الفقر المدقع وتآكل القدرة الشرائية، تأتي أي زيادة في الرواتب كطوق نجاة مرتقب، وإن كانت في نظر كثيرين مجرّد تعويض متأخر لا يلبي سوى الحد الأدنى من الاحتياجات.

وفي هذا السياق، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع مرسومين يقضيان برفع رواتب موظفي الدولة وأصحاب المعاشات التعاقدية بنسبة 200% بداية من يوليو/تموز الجاري.

وأكد مسؤول المكتب الإعلامي بوزارة المالية إسماعيل المقبل أن الزيادة الأخيرة في الرواتب ستنعكس بشكل إيجابي على مستوى معيشة المواطنين، مشيرًا إلى أن الفرق سيكون ملموسًا لدى الناس.

وأوضح المقبل -في تصريح للجزيرة نت- أن الرواتب التي كانت تتراوح بين 200 و300 ألف ليرة (20-30 دولارًا) ارتفعت لتصل إلى ما بين 900 ألف ومليون ليرة (90-100 دولار) من دون أن تُفرض عليها أي ضرائب، مما يجعلها "خطوة في الاتجاه الصحيح".

وفي الوقت الذي أقر فيه بأن هذه الزيادة غير كافية لتلبية كامل الاحتياجات المعيشية للسوريين، أكد المقبل أنه سيكون هناك زيادات أخرى قبل نهاية العام الجاري، في محاولة تدريجية لتحسين واقع الدخل ومواكبة التضخم.

زيادة غير كافية

وحول كفاية هذه الزيادة، تقول كوثر الجندي (موظفة متقاعدة من وزارة التربية في دمشق) إن الزيادة كانت ضرورية جدًا في هذا التوقيت "لأن رواتبنا السابقة، والتي كان متوسطها 30 دولارًا، لم تكن تكفي لأكثر من 4 أيام".

محل في سوق مدحت باشا_ أرشيف المراسل_ الجزيرة نت
القدرة الشرائية للمواطن السوري لا تزال متدهورة رغم مضاعفة الرواتب (الجزيرة)

وتضيف كوثر في حديث للجزيرة نت "يبلغ راتبي بعد الزيادة 750 ألف ليرة (75 دولارًا) وهو ما يزال غير كافٍ مقارنة بالالتزامات والمصاريف الشهرية الكبيرة، وارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية، ولكن بالطبع هو أفضل من الراتب السابق".

أما مهند زنبقة (موظف في المؤسسة العامة للكهرباء بمدينة جرمانا) فيرى أن الزيادة التي كانت مرتقبة ليست 200% بل 400%، وذلك تبعًا لوعود حكومية سابقة لم تتحقق حتى الآن.

إعلان

ويتابع في حديث للجزيرة نت "مع ذلك، فهذه الزيادة مهمة، فهي على الأقل باتت قادرة على تغطية إيجار شقتي البالغ 850 ألف ليرة (85 دولارًا)". ويعتمد مهند، وهو رب أسرة مكونة من 4 أفراد، في تأمين ما تبقى من مصاريف عائلته الشهرية على ما يجنيه من عمله المسائي على سيارة أجرة بعد دوامه الرسمي.

ويشير المواطن إلى أن مصروف عائلته الشهري يتراوح بين 5 و7 ملايين ليرة (500-700 دولار) ويرتفع وينخفض بحسب المواسم والفصول، ففي الشتاء والموسم المدرسي قد يتضاعف المصروف، أما في الصيف فإنه ينخفض قليلًا.

القدرة الشرائية ومؤشرات الإنفاق

وفي مقابل هذه المعاناة التي تتقاطع مع آمال جزئية بتحسن محدود، تظهر بعض المؤشرات المحلية تغيرًا في تكاليف المعيشة. فقد انخفض متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية المكونة من 5 أفراد في الشهر بنسبة 13% بالربع الأول من العام الجاري، وفقًا لمؤشر قاسيون المحلي.

وكشف المؤشر أن الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة خلال شهر انخفض بحوالي مليون ليرة، أي من 9 ملايين ليرة (900 دولار) -في يناير/كانون الثاني- إلى 8 ملايين ليرة (800 دولار) نهاية مارس/آذار الماضي. ورغم أن هذا الانخفاض لا يعكس بالضرورة تحسنًا فعليًا بالظروف الاقتصادية، فإنه يعكس إعادة ترتيب أولويات الإنفاق لدى المواطنين نتيجة الأوضاع الطارئة، لا سيما في ظل استمرار أزمة السيولة.

زيادة غير مسبوقة

ومن جهته، أوضح الخبير الاقتصادي زياد عربش أن نسبة الزيادة الحالية، التي بلغت 200%، تُعد الأعلى على الإطلاق مقارنة بالسابق، حيث لم تتجاوز نسب الزيادة في الماضي -خلال سنوات حكم النظام المخلوع- نسبة 100% رغم موجات التضخم المتعاقبة التي كانت تضرب البلاد.

بسطة خضر في شارع الأمين_أرشيف المراسل_ الجزيرة نت
المتقاعدون ومحدودو الدخل يشكلون الفئة الأكثر تضررًا من ارتفاع الأسعار (الجزيرة)

وأشار إلى أن تطبيق هذه الزيادة من شأنه أن يُحفّز النشاط الاقتصادي العام من خلال ضخ السيولة بالسوق، مما سينعكس على قطاعات متعددة دون أن يتسبب ذلك بالضرورة في حدوث ضغوط تضخمية، خاصة وأن أسعار الطاقة والسلع الأخرى شهدت ارتفاعًا سابقًا بسبب التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران.

وأكد عربش أن تحريك الاقتصاد يتطلب تخلي الحكومة عن سياسة حبس السيولة، وإزالة مختلف الاختناقات، وضمان حصول المواطنين على أموالهم بسهولة، وليس عبر "القطّارة" في إشارة إلى السياسة النقدية التقييدية المعتمدة من قبل البنك المركزي.

وحذّر الخبير الاقتصادي من أن استمرار أزمة حبس السيولة قد تخلف أزمة ثقة شاملة، مشيرًا إلى أن هذه الأزمة لن تقتصر على قطاع بعينه، بل ستمتد لتشمل الجميع، وهو ما قد يؤدي لتأخير عملية اندماج سوريا في الفضاء الاقتصادي الإقليمي، خاصة في ظل مساعٍ حكومية لتوسيع العلاقات التجارية مع بعض الدول المجاورة.

ويضطر السوريون إلى الوقوف عدة ساعات أسبوعيًا في طوابير بالبنوك لتسلم رواتبهم أو سحب أموالهم على دفعات، وذلك بسبب السياسة النقدية التي يتبعها "المركزي" في حبس السيولة، مما أدى إلى أزمة انعكست بشكل سلبي على معيشة السوريين والحركة الاقتصادية في البلاد.

ويرزح 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويعاني نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي منذ عام 2021، وفقًا لتقارير أممية.

إعلان

وبينما تُعلن الحكومة زيادات غير مسبوقة في الرواتب، يأمل المواطنون أن تكون هذه الإجراءات بداية مسار جدي نحو تخفيف المعاناة اليومية، لا مجرد حلول مؤقتة. ومع استمرار التضخم وتقييد السيولة وغياب إصلاحات هيكلية حقيقية، لا تزال الأغلبية تكافح لتأمين أبسط أساسيات الحياة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق