
أكاديمي وخبير في مجال التراث
16/8/2025-|آخر تحديث: 12:51 (توقيت مكة)
يُجمع عدد كبير من المحللين في الولايات المتحدة وخارجها على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب زاد من حالة اللايقين في علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها في أوروبا، وشرق آسيا بصورة أساسية.
وقد نشأ هذا اللايقين من أجندة ترامب الجمركية العدائية، ووجهة نظره بأن حلفاء أميركا يستغلونها، فهو يطلق التهديدات هنا وهناك ثم يتراجع عنها، مما يجعل حلفاء أميركا أكثر حذرا.
انخرطت إدارة ترامب في حروب تجارية أدت إلى توتر لدى الحلفاء، كما قوض ترامب التزامات أميركا تجاه حلف الأطلسي، مما أدى إلى شروخ مع الحلفاء عبر الأطلسي. وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقيات العالمية المتعلقة بالمناخ والصحة وحقوق الإنسان، وهي اتفاقيات تجعل العالم أكثر أمنا.
في الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة بردع الصين، القوة الصاعدة، تتزايد تكاليف حماية الحلفاء في المحيطين؛ الهادئ والهندي، وسط ظروف غير مستقرة، وهذا يدفع الولايات المتحدة إلى تحميل الحلفاء أعباء أكبر قد تتعارض مع مصالحهم الإستراتيجية وقدراتهم المالية.
إن سياسات ترامب في استفزاز جوار الصين ليست جديدة، لكن إدارة بايدن أجبرت حلفاء أميركا على محاذاة سياسات الولايات المتحدة في الدفاع والأمن الاقتصادي تجاه الصين.
ومع ذلك، فإن الرسوم الجمركية- إلى جانب فرض شروط جديدة على الالتزام الأميركي تجاه الحلفاء- بثت حالة من انعدام الثقة وعدم اليقين في تحالفات راسخة منذ عقود. إن ربط قضايا الاقتصاد السياسي بالأمن والدفاع يخلق متطلبات جديدة للحفاظ على التحالفات قويةً.
الأصوات التي كانت خافتة في اليابان، وكوريا الجنوبية بشأن طبيعة التحالف مع أميركا أصبحت أعلى، بل وصل بعضها إلى المطالبة بفك الارتباط مع الولايات المتحدة. وصار كلا البلدين يسابق الزمن لتصنيع السلاح؛ فكوريا الجنوبية تنتج الآن واحدة من أفضل الدبابات في العالم، واليابان بدأت في توظيف قدراتها التكنولوجية في صناعة السلاح، كما حصلت كوريا على عقود لتصدير السلاح.
إعلان
ورغم ذلك فإن فكرة دخول دول جوار الصين في حرب مع الولايات المتحدة ضد بكين باتت مستحيلة في عهد ترامب؛ لأن نتائج الحرب ستكون سلبية على الجميع، بينما تتبع الصين سياسة قوة واضحة مع تعزيز تحالفاتها الاقتصادية، في وقت يتراجع فيه الوجود العسكري الأميركي، وتهدد الرسوم الجمركية الأميركية اقتصادات هذه الدول.
وإذا كانت هذه الدول ستقبل لفترة بالشروط الأميركية لبقاء القوات الأميركية على أراضيها، فإن الدعوات لفصل اليابان عن الاعتماد على الحماية الأميركية أصبحت علنية، لكن تظل قدرات هذه الدول على رفع الإنفاق الدفاعي مشكلة كبيرة.
ما لا يدركه ترامب هو أن إلحاق الضرر بصناعة السيارات الألمانية سيقلل من رغبة ألمانيا في بقاء القوات الأميركية على أراضيها، فالسيطرة على ألمانيا تعني ضمنا السيطرة على أوروبا وحلف الأطلسي. فالاقتصاد الأقوى في أوروبا هو الذي يرفع ميزانية الدفاع.
وقد جاءت الحرب الأوكرانية لتسقط عن ألمانيا كل القيود التي فُرضت عليها بعد الحرب العالمية الثانية، ورغم أن المواطن الألماني سيتأثر سلبا برفع موازنة الدفاع، فإن المتطرفين الألمان سيدفعون نحو ذلك ويدعمونه.
وفي هذا السياق، بدا أن فرنسا، وألمانيا تتبعان نهجا لبناء قدرات دفاعية مستقلة عن أميركا، ولهذا رأينا القلق الأوروبي في الاستقبال الاستثنائي من قبل الملك تشارلز لماكرون في لندن. فبريطانيا، الحليف الأوروبي الأقرب لأميركا، أصبحت أكثر قلقا من التقلبات الأميركية، وكل ذلك يدفع الولايات المتحدة نحو العزلة دوليا.
إن من المؤسف بالنسبة للكثير من الأميركيين الشرخ الذي أحدثه ترامب في العلاقة مع الجار الودود كندا. فلم تمثل كندا تهديدا للولايات المتحدة إلا في رياضة الهوكي، ولطالما اعتبر الكنديون الأميركيين أقرباء لهم.
فالحدود الفاصلة بين البلدين هي أطول حدود غير محمية في العالم، واقتصاداهما متشابكان بشكل وثيق. ومع ذلك، فإن ما فعله ترامب بحديثه عن كندا كأنها الولاية الحادية والخمسون، وفرضه رسوما جمركية عقابية، وتهديده بعدم الدفاع عنها بموجب نظام الدفاع الصاروخي المقترح "القبة الذهبية" ما لم تدفع تكلفته (مع الاستمرار في رفع الفاتورة)، قد أثار كل ذلك استياء شعب عُرف باعتداله.
ويسود في كندا حتى الآن شعور بالصدمة وعدم التصديق، حتى مع تراجع ترامب عن بعض تصريحاته، فما بدا أنه أسس راسخة للسياسة الخارجية الكندية يذوب كالأنهار الجليدية، ويبدو أن ما تهدّم لن يُصلح بسهولة، بل يحتاج إلى جيل قادم على الأقل.
ترى مارغريت ماكملان، أستاذة التاريخ الدولي في جامعة أكسفورد، أن التحالفات وبناءها عمل صعب، تتطلب إدارتها الصبر والتحمل والمهارة، تماما كالحديقة التي تحتاج إلى عناية دائمة. فالتوصل إلى فهم أعمق للدول الأخرى وقادتها وتعلم كيفية التفاوض معهم، أمر شاق.
إن توبيخ الحلفاء علنا على عيوبهم المزعومة، كما فعل نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس مع الأوروبيين في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير/شباط 2025، أو إصدار الأوامر والإهانات على وسائل التواصل الاجتماعي كما يفعل ترامب يوميا تقريبا، أو إرسال رسائل علنية إلى رؤساء الدول الآخرين قبل تسليمها لمتلقيها، لا يؤدي هذا إلا إلى تراكم الاستياء وجعل العلاقات المستقبلية أكثر صعوبة.
إعلان
ولنتذكر أنه لو لم يتمكن كيسنجر من إقامة علاقة احترام متبادل مع نظيره الصيني تشو إن لاي، لكان افتتاح العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلال إدارة نيكسون قد تأخر لسنوات.
وهكذا، ففيما يواصل الرئيس الأميركي الضغط والتنمر على حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين، يبدأ هؤلاء رويدا رويدا في رسم مسار جديد لأنفسهم، وقد لا يجدهم ترامب عندما يحتاجهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
0 تعليق