هل تنجح تركيا في فرض "نيكست سوشيال" كمنصة وطنية للسيادة الرقمية؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

أنقرة- دوّن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أول مشاركة له على تطبيق "نيكست سوشيال" مساء أمس الاثنين، مدشنا ميلاد منصة تركية جديدة باقتباس بيت شعري للشاعر التركي أردم بيازيد "زهرة نبتت بين جدران خرسانية"، متسائلا: "هل أنتم مستعدون؟".

لم تكن هذه التدوينة مجرد جملة شعرية، بل كانت إشارة البدء لمنصة تسعى أنقرة إلى تقديمها كبديل وطني لمنصات التواصل العالمية، وسط دعم حكومي واسع ومشاركة وزراء ومسؤولين كبار.

فبعد أيام قليلة من إطلاقها التجريبي في أواخر يوليو/تموز الماضي، خلال معرض تكنوفيست، وترويجها على يد سلجوق بيرقدار، كبير التقنيين في شركة بايكار ورئيس مؤسسة التكنولوجيا التركية (تي 3)، أعلنت المنصة تجاوز عدد مستخدميها حاجز المليون خلال مدة وجيزة.

 

كيف ولماذا أُنشئت؟

ومع انضمام وزير الخارجية هاكان فيدان وعدد من الوزارات والإدارات الرسمية إليها، بدا أن "نيكست سوشيال" لم تُطرح كتجربة تقنية فحسب، بل كجزء من مشروع أوسع لتعزيز السيادة الرقمية التركية وإعادة رسم مشهد التواصل الاجتماعي في البلاد.

تعود فكرة المنصة إلى شراكة تجمع بين القطاعين العام والخاص، يتصدرها اسم شركة "بايكار" للصناعات الدفاعية ومؤسسة التكنولوجيا التركية. وقد تولى فريق من المهندسين الشباب مهمة تطوير واجهة المنصة وبنيتها التقنية، بدعم حكومي مباشر أحيانا، وربطها بالأطر التنظيمية المعمول بها في البلاد.

وقال سلجوق بيرقدار في تصريحات صحفية مطلع الشهر الجاري إن إطلاق المنصة يأتي في إطار مسعى تركيا لكسر ما وصفه "بالهيمنة الرقمية الغربية" على فضاء التواصل الاجتماعي.

وأوضح أنها صُمّمت لتكون شاملة لجميع شرائح المجتمع، وطُورت بالاعتماد على كود (شيفرة) مفتوح المصدر في محاولة لترسيخ مبدأ الشفافية. وأضاف أن اختيار اسمها باللغة الإنجليزية يهدف إلى تسهيل انتشارها عالميا وتوسيع نطاق حضورها خارج حدود تركيا.

إعلان

وشدد بيرقدار على أن فريق العمل يركز على مكافحة التلاعب بالمحتوى والمعلومات المضللة، وأن المنصات المهيمنة حاليا لا تعرض جميع المشاركات على قدم المساواة، بل تبرز بعضها وتدفع بأخرى إلى الهامش. وقال "نطمح أن تصل منصتنا إلى الدول الشقيقة والصديقة كافة، ونريد كسر الهيمنة الرقمية الحالية التي تتحكم في تدفق المعلومات".

وأظهرت تجربة السنوات الماضية -وفقا له- كيف يمكن لمنصات التواصل الكبرى أن تفرض رقابة مباشرة حتى على قادة دول، لافتا إلى أنه شخصيا تعرض لإغلاق حسابه بالكامل بعد نشره محتويات تتعلق بغزة.

سلجوق بيرقدار: المنصة صُممت لتكون شاملة لجميع شرائح المجتمع (الأناضول)

السيادة الرقمية

في السياق، قال الصحفي والباحث في الإعلام الرقمي شكري أصلان إن إطلاق منصة "نيكست سوشيال" يعكس توجه تركيا نحو تعزيز السيادة الرقمية ومواجهة ما تعتبره هيمنة للمنصات الغربية الكبرى، مستشهدا بتجارب سابقة من إغلاق حسابات سياسية أو تقييد محتوى حساس.

وأضاف أن المنصة تسوق رسميا كوسيلة لفك الارتباط عن الهيمنة الخارجية، وفي الوقت نفسه لإعادة تنظيم المجال الإعلامي محليا داخل فضاء أكثر ضبطا.

وبرأيه، فإنها قد تنجح محليا في جذب القاعدة الموالية للحكومة والمؤسسات الرسمية، لكنها تواجه صعوبة في استقطاب الشباب والمعارضة. و"من غير المرجح أن تحقق دوليا انتشارا واسعا إلا بتقديم مزايا تقنية أو حرية أكبر للتعبير".

وخلص أصلان إلى أن المنصة تبقى مشروعا سياسيا ورمزيا أكثر من كونها منافسا حقيقيا لعمالقة التواصل العالمي، ونجاحها مرتبط بمدى قدرتها على كسب ثقة المستخدمين خارج الدوائر الرسمية.

ورغم الزخم الدعائي الذي رافق انطلاقتها، لم تسلم "نيكست سوشيال" من الانتقادات، تقنيا أو سياسيا. فقد كشفت تقارير متخصصة أن بنيتها تعتمد جزئيا على برمجيات "ماستدون" مفتوحة المصدر، مما يتناقض مع الصورة التي روجت لها كمنصة محلية صرفة.

وأثار غياب نشر الشيفرة المعدلة للجمهور -خلافا لمقتضيات ترخيص رخصة جنو أفيرو العمومية- قلق خبراء التقنية الذين رأوا في ذلك ثغرة تمس الشفافية التي ترفعها المنصة شعارا.

ويرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن الحملة الحكومية الواسعة للترويج للمنصة قد تكشف عن توجه نحو إعادة ضبط المجال الإعلامي داخل فضاء رقمي يخضع لرقابة أكبر.

ويضيف للجزيرة نت أن المشروع، وفق قراءة العديد من الناشطين، يهدف بالدرجة الأولى إلى تجميع القاعدة الموالية للحزب الحاكم ضمن بيئة محكومة، بعيدا عن منصات التواصل العالمية التي اعتادت أن تكون ساحة مفتوحة لانتقاد السلطة وتداول الخطاب المعارض.

بدائل رقمية

وحذر سراج أوغلو من أن انتقال المؤسسات الرسمية إلى نشر بياناتها عبر "نيكست سوشيال" قد يفرغها من دورها كمنصة عامة للتعددية، ويحولها عمليا إلى منبر رسمي الطابع أكثر من كونها ساحة حرة للحوار.

كما يربط هذه المخاوف بالسجل الرقمي لتركيا، "حيث لم يخلُ العقد الماضي من حجب متكرر لمواقع كبرى مثل يوتيوب وإكس وفيسبوك، الأمر الذي يعزز الشكوك في إمكانية أن تُستخدم المنصة الجديدة كأداة إضافية لتعزيز المراقبة الحكومية في المستقبل".

إعلان

تشير بعض التحليلات إلى أن إطلاق منصة "نيكست سوشيال" يندرج ضمن حركة عالمية أوسع، حيث يلجأ بعض القادة السياسيين إلى إنشاء شبكات اجتماعية موازية بعد حظر حساباتهم أو حدوث قطيعة مع المنصات التقليدية.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، منصة "تروث سوشيال" التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب كرد فعل على حظر حساباته سابقا في فيسبوك وإكس.

ولكن تجربة "تروث سوشيال" أظهرت محدودية تأثير منصات القادة الجديدة، فقد انطلقت في فبراير/شباط 2022، وتصدرت متجر آبل فور إطلاقها، لكنها بقيت منصة محصورة بالناخبين المحافظين، واستقطبت ملايين محدودة من المتابعين مقارنة بالمنصات التقليدية.

وتشير التقارير إلى أنها سجلت نحو 5 ملايين زيارة شهرية في فبراير/شباط 2024، في مقابل مليارات الزيارات التي تحققها شبكات كبرى مثل فيسبوك وتيك توك، مما يعكس الصعوبات الكبيرة التي تواجه منصات القادة السياسيين في منافسة الشبكات العالمية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق