د. منال إمام تكتب.. القيم الإنسانية للتفاوض في الفكر الإسلام - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

إن التفاوض في الفكر الإسلامي ليس مجرد أداة للتوصل إلى حل للصراعات أو لتحقيق مصالح فردية، بل هو في جوهره عبادة تسعى إلى تحقيق العدالة والمساواة والسلام بين الأطراف المختلفة. وقد حظي التفاوض في الفكر الإسلامي بمكانة عالية إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً في التفاوض، حيث تمحور اهتمامه حول القيم الإنسانية التي تشمل العدالة، والصدق، والرحمة، والتسامح.

أولاً: العدالة أساس التفاوض:

يُعتبر التفاوض في الفكر الاسلامي وسيلة لتحقيق العدالة بين الأطراف المتفاوضة. فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" (النساء: 58). هذه الآية توضح أن التفاوض يجب أن يتم بصدق ونزاهة لضمان الحقوق، بعيداً عن أي انحياز أو ظلم. العدالة هي أسمى غايات التفاوض في الإسلام، حيث يسعى المسلم لتحقيق التوازن بين الأطراف المتفاوضة في كل قضية، مهما كانت.
ثانياً: الصدق وللشفافية:

يُعد الصدق من أهم القيم الإنسانية التي حثَّ عليها الإسلام في جميع التعاملات، وخاصة في التفاوض. ففي الحديث الشريف: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة" (رواه البخاري). هذا الحديث يعكس أهمية الصدق في كل قول وفعل، ويعني أن التفاوض يجب أن يتم بأمانة وبدون غش أو تدليس. الشفافية في التفاوض تساهم في بناء الثقة بين الأطراف مما يعزز من قدرة التفاوض على الوصول إلى حلول مرضية للجميع.
ثالثاً: الرحمة والتفاهم:

تُعتبر  الرحمة من الصفات التي يتصف بها المسلم في كل شؤون حياته، وتنعكس في مواقفه التفاوضية. يقول الله سبحانه وتعالى : "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ" (آل عمران: 159). فالرغبة في تخفيف الألم عن الآخرين والسعي لتحقيق مصالحهم المشروعة، من خلال التفاهم، يجعل التفاوض أكثر إنسانية. إن التفاوض الذي يقوم على الرحمة يهدف إلى تجاوز الخلافات بطرق سلمية، من خلال الاستماع المتبادل والتفهم العميق لاحتياجات الآخرين.
رابعاً: التسامح وحل النزاعات:

يشكل التسامح في الفكر الاسلامي ركيزة  أساسية لإنهاء النزاع وحل القضايا العالقة. فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: "وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (البقرة: 237)، مما يوضح  أن التسامح ليس ضعفًا، بل هو منتهى القوة الأخلاقية. التفاوض الذي يُبنى على التسامح يساهم في تقليل حدة الصراعات ويعزز من قدرة الأطراف على الوصول إلى حلول ترضي الجميع. (الكل رابح) ولذلك، لا يعد التفاوض وسيلة لحل الخلافات فقط، بل هو أيضًا وسيلة لبناء علاقات قائمة على الود والاحترام المتبادل.
خامساً: التوازن بين المصلحة العامة والفردية:

بحيث  أن يكون هناك توازن بين تحقيق المصلحة الفردية والمصلحة العامة. المسلم مطالب بأن يتفاوض بما يعود عليه بالنفع، ولكن دون الإضرار بالآخرين أو بالمجتمع ككل. ومن هنا، فإن التفاوض في الإسلام لا يعني البحث عن المصلحة الذاتية فقط، بل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة والعدالة الاجتماعية.

إن القيم الإنسانية للتفاوض في الفكر الإسلامي تمثل منظومة من المبادئ الأخلاقية التي توازن بين المصالح الفردية والجماعية، وتسعى إلى تحقيق العدالة والرحمة والتسامح. تلك القيم تجعل من التفاوض وسيلة لبناء مجتمع يسوده الاحترام المتبادل، وتحقيق الأهداف المشروعة، والعمل على ايجاد حلول سلمية للأزمات. من خلال هذه المبادئ، يتحقق السلام الاجتماعي ويتوطد التعاون بين أفراد المجتمع، مما يجعل التفاوض في الفكر الإسلامي أداة فاعلة لتحقيق رفاهية الإنسان في الدنيا والآخرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق