ماذا سيحدث في سوريا بعد رفع علم إسرائيل في السويداء؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

ليست المرة الأولى التي يُرفع فيها علم إسرائيل في السويداء 16 أغسطس/آب الجاري، لكن رفعه هذه المرة اقترن بصور شيخ العقل حكمت الهجري في مظاهرة تدعو إلى الانفصال، وتطالب بـ"حق تقرير المصير"، والانضمام إلى إسرائيل، ورفعت فيها لافتات تشكر نتنياهو على تدخله.

فيما أظهرت مقاطع مصورة مسلحين موالين لشيخ العقل حكمت الهجري اعتلوا مقام مشيخة العقل في عين الزمان وسهوة البلاط، ورفعوا عليهما علم إسرائيل إلى جانب صور للشيخ الهجري.

أثار ما جرى في هذه المظاهرة، ردود فعل متناقضة، وأشعلت مشهديتها جدلا واسعا بين معظم السوريين والمهتمين بالشأن السوري، وطرحت أسئلة كثيرة حول المسؤول عنها، ودوافع منظمي المظاهرة، وعما إذا كانت الانتهاكات الجسيمة التي حدثت في السويداء، والصدام الحاصل مع السلطة في دمشق يبررها، كونها تشكل سابقة تتجاوز مسألة استفزاز السلطة ومناكفتها.

الحيثيات والأسباب

بداية، يمكن القول إن رفع المحتجين والمتظاهرين أعلام دول أجنبية حدث خلال فعاليات حركات احتجاج عديدة في العالم، وغايته مناكفة السلطة الحاكمة، والانتقاص من شرعيتها، ومن تمثيلها للمحتجين، لكن في الحالة السورية، تمثل إسرائيل دولة احتلال لأراضيها منذ 1967، فضلا عن احتلالها للأرض الفلسطينية، وحرب الإبادة والتجويع التي تخوضها حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية منذ نحو عامين ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

وبالتالي، فإن رفع العلم الإسرائيلي يثير غضب عموم السوريين بمختلف أطيافهم، ويسهم في فقدان السويداء تعاطف ودعم شرائح واسعة من المجتمع السوري، فضلا أنه لا يحقق أي مكاسب سياسية واضحة.

ولن يستدرّ رفع علم الكيان الإسرائيلي سوى إثارة غضب مضاد، وذلك في ظل تصاعد خطاب الكراهية والحشد الطائفي بين بعض أوساط من السوريين في الآونة الأخيرة.

كما أنه يكشف عجز القادة السياسيين في السويداء عن صياغة برنامج سياسي واقعي يناسب مصالح أبناء السويداء وأهلها، الذين يشكلون جزءا أساسيا من النسيج السوري، وساهموا في بناء سوريا الحديثة منذ بداية تشكلها.

إعلان

ليس خافيا أن المتظاهرين في السويداء، أيا كانت أعدادهم، خرجوا لأسباب مختلفة، ويجمعهم غضب عارم من الانتهاكات والجرائم التي حصلت لذويهم وأقاربهم، ولا يمثل من حملوا الأعلام الإسرائيلية تطلعات قسم كبير منهم، ولا مواقف غالبية أهل السويداء، وأن من يقف وراءهم ثلة من السياسيين الذين يتخفى بعضهم في لباس رجال دين، إلى جانب قادة مجموعات مسلحة ترتبط بإسرائيل.

نصب هؤلاء الساسة والعسكريون أنفسهم كسلطة أمر واقع في محافظة السويداء، مسؤولة عن "حماية الدروز"، ويلتقون بذلك مجرم الحرب بنيامين نتنياهو الذي يستخدم الذريعة نفسها.

لكنهم في الواقع لا يدركون أن حكومة نتنياهو تستخدمهم كورقة من أجل مصالح إسرائيل ومخططاتها الهادفة إلى ضرب النسيج السوري وتمزيق سوريا، ولا يكترثون بذلك؛ لأن غايتهم فرض خياراتهم ومطامحهم على السلطة السورية الجديدة، من أجل الحفاظ على مكاسبهم ومصالحهم الشخصية الضيقة، وتثبيت سطوتهم وسيطرتهم على سكان المدينة وما حولها، لذلك لم يقيموا حسابا للعواقب السياسية التي تضر بأهل السويداء وناسها.

لا شك في أن ثمة أسبابا وتراكمات سياسية أفضت إلى مظاهرة السويداء، وتأججت بفعل الصدمة التي أصابت المجتمع في محافظة السويداء بعد الانتهاكات التي حصلت في يوليو/تموز الماضي والحصار المستمر من قبل القوات الحكومية، وليس ذلك فحسب إنما أيضا بسبب علاقة الهجري بإسرائيل ومواقفه منها، التي عبر عنها صراحة في مقابلة أجرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية في شهر مايو/أيار الماضي، واعتبر فيها أن "إسرائيل ليست العدو"، بل وزعم أن ما عاشه السوريون لعقود من شعارات معاداة إسرائيل لم يكن يخدم مصلحتهم.

وهذا يتنافى مع مواقف غالبية السوريين، ومن بينهم غالبية أهل الجولان السوري المحتل، وهم من الدروز الموحدين، الذين يرفضون الاحتلال الإسرائيلي والجنسية الإسرائيلية، ويتمسكون بانتمائهم لسوريا وهويتهم السورية.

ليس جديدا القول إن حيثيات وأسباب الأزمة سياسية بامتياز، ولا تتعلق بالدروز كطائفة، إنما بتعامل السلطة الجديدة مع مكونات المجتمع السوري، الساعية إلى إخضاع كافة مناطق سوريا لها، وكذلك بالطائفية السياسية، أي بتسييس المسألة الطائفية، التي تلجأ إليها بعض القوى، وتقحم الدين بالسياسة، كي تخفي مطامحها ومصالحها الضيقة.

إضافة إلى غياب الثقة وسوء الفهم الحاصل، إذ لا تزال هناك مجموعات تتوجس من السلطة الجديدة بالنظر إلى ماضيها الفصائلي، وتعتبرها جهادية لا تفترق عن تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة، وتتهمها باستهداف الدروز مثلما استهدفت العلويين.

ويسهم في تسعير ذلك سياسيون ومثقفون، يتحدثون عن "إبادة جماعية" متنقلة، وعن خطر وجودي زائف يعيشه العلويون والدروز، متناسين سياق الأحداث ووقائعها، وأن أحدا لم يمس مئات آلاف الدروز الذين يعيشون في بلدات جرمانا، وصحنايا، وأشرفية صحنايا، وفي محافظة إدلب وسواها.

ثمة اختلاف واسع بين تحميل السلطة السورية الجديدة مسؤولية الانتهاكات التي حصلت في السويداء، والمطالبة بالانفصال عن سوريا وحق تقرير المصير، ليس فقط بسبب التاريخ والعيش المشترك، والارتباط الكامل لمحافظة السويداء بسوريا على كافة المستويات، لذا من الحكمة والواقعية الابتعاد عن رد الفعل الغاضب الذي يصل إلى حد الطيش.

موقف الحكومة

لم يتأخر موقف السلطة في دمشق حيال ما جرى في مظاهرة السويداء، حيث أقر الرئيس السوري أحمد الشرع بحصول "تجاوزات من كل الأطراف"، وأن الدولة ملزمة بمحاسبة كل من قام بهذه الانتهاكات، ثم أرجع الشرع أحداثها إلى عاملين:

إعلان

الأول هو وجود "فئة تحاول أن تؤزم المشهد وعندها نوايا ليست جيدة"، ويقصد بها الهجري والمجموعات المسلحة التابعة له. الثاني هو تدخل إسرائيل المباشر، ومحاولتها تنفيذ سياسات تهدف إلى "إضعاف الدولة أو محاولة اختلاق حجة للتدخل".

اللافت هو إعلانه أن "توحيد البلاد يجب ألا يكون بالدماء والقوة العسكرية"، الأمر الذي يشي بأن الإدارة الجديدة أدركت أنها ارتكبت خطأ كبيرا في تعاملها مع محافظة السويداء، وينسحب ذلك على الأحداث والانتهاكات التي جرت في الساحل السوري.

إذًا، ثمة تغير في الخطاب الذي صدر عن الشرع، تجسد في إعلانه الصريح في استبعاد القوة العسكرية وسفك الدماء في مسعى إدارته الرامي إلى إعادة توحيد سوريا، وهو ما يعتبر شرطا أساسيا لاعتماد الحوار كأسلوب وحيد لبحث ممكنات ترميم ما أصاب الجسد السوري من تهتّكات.

المطلوب سوريًا

المأمول من هذا التغير في خطاب الشرع أن يُترجم إلى أفعال تبدد القلق، الذي أثار في الفترة الماضية بعض المكونات في المجتمع السوري، كما تم اتباع أسلوب فصائلي، اعتمد على مناورات أثارت توجس فصائل وقوى الأمر الواقع في شمال شرقي سوريا وجنوبها وساحلها، ورأت فيه محاولة من الإدارة الجديدة تهدف إلى تفكيكها، لذلك لم تخفِ تمردها على مشروع الدولة الجديدة التي لم تثبت أقدامها بعد.

وتجسد ذلك في مؤتمر "توحيد الموقف" الذي عقد في الحسكة، وأعلنت فيه القوى المجتمعة تمردها على هذا المشروع، وطالبت بتقاسم السلطة، والاعتراف بسلطتها على المناطق التي تسيطر عليها، حفاظا على مكاسب القوى المهيمنة فيها.

بات المطلوب سوريًا الخروج من منطق العصبيات القاتلة، الذي تنتهجه المجموعات المسلحة والفصائل، وتبني نهج يسهم في بناء دولة تشاركية جديدة، وعدم الاستقواء بقوى الخارج، أو الركون إلى دعمها لتحقيق الاستقرار في الداخل؛ لأن الداخل شأن سوري بحت قبل كل شيء.

ولعل عقد مؤتمر وطني جامع يمكن أن يشكل سبيلا لتحقيق ما يريده السوريون من دولتهم الجديدة، لذلك تبرز أهمية التخلي عن منطق التحشيد والفزعة والتجييش، والسعي إلى تبني منطق الدولة التي يحكمها القانون ومبادئه، وتعمل من خلال مؤسساتها الإدارية والقانونية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق