عاجل

بابا المحبة والسلام.. كيف وطد البابا فرانسيس علاقته مع كنائس العالم؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ تولي البابا فرانسيس الكرسي البابوي عام 2013، برز كشخصية دينية تسعى بجدية إلى تعزيز التقارب بين الكنائس المسيحية المختلفة، فقد جعل من الحوار المسكوني إحدى أولوياته، مؤمنًا بأن الانقسام لا يخدم رسالة المسيحية، وتجلّى ذلك في مبادراته المتعددة تجاه الكنائس الأرثوذكسية واللوثرية، ساعيًا لبناء جسور من الفهم والتعاون المشتر.  

وفي 28 فبراير 2013م حدثت واقعة نادرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، حيث أعلن البابا بنديكتوس السادس عشر عن استقالته من منصبه لأسباب صحية وتقدُّمه في العمر، وكانت هذه المرة الأولى منذ قرون التي يستقيل بابا الفاتيكان بإرادته، وهذا فتح الباب لاختيار خليفة جديد؛ ليُعلن بعدها في 13 من مارس في نفس العام من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان عن انتخاب بابا جديد للكنيسة الكاثوليكية، وهو الكاردينال الأرجنتيني خورخي ماريو برغوليو، الذي أصبح أول بابا من قارة أمريكا اللاتينية، وأول بابا من الرهبنة اليسوعية، وأول من اختار اسم فرنسيس تيمنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي، رمز الفقر والتواضع والسلام وخدمة الفقراء. 

واختيار هذا الاسم كان أول مؤشر على نهجه المختلف، في أول خطاب له كبابا، وجّه التحية لكل المسيحيين، وليس الكاثوليك فقط وقال: «لنصلِّ من أجل بعضنا البعض، ومن أجل وحدة الكنيسة». 

لتترجم هذه الكلمات على أرض الواقع في مايو 2013م حيث لبى البابا تواضروس الثاني دعوة البابا فرنسيس وزارة الفاتيكان فى أول لقاء جمع الكنيستين منذ 40 عاما بمقر كنيسة القديس بطرس والمقر البابوى لبابا روما؛ فكانت هذه الخطوة هامة جدًا في تعزيز العلاقات بين الكنيستين؛ وبناءً على هذه الزيارة قرر البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني أن يكون 10 مايو من كل عام هو "يوم المحبة الأخوية"، وهو يوم مخصص للصلاة من أجل وحدة المسيحيين، ولتعزيز المحبة المتبادلة بين الكنائس. 

وجاء هذا التعاون في ضوء عودة العلاقات بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، بعد انقطاع دام ١٥ قرنا من الزمان بعد مجمع خلقيدونية عام 451م وذلك بزيارة البابا شنودة الثالث الفاتيكان فى الفترة من 4 – 10 مايو عام 1973م، حيث التقى بقداسة البابا الراحل بولس السادس بابا روما، وكانت الزيارة بمناسبة مرور 16 قرنًا على نياحة القديس البابا أثناسيوس الإسكندري «الرسولي»، كما يعتبر هذا اللقاء استعادة لتاريخ قديم حينما تقابل البابا أثناسيوس الرسولى مع البابا يوليوس الأول في روما عام 341 م خلال منفاه «البابا أثناسيوس» إلى الغرب. 

كانت هذه الزيارة خطوة لدفع مسيرة المسكونية وتطورها بين الكنيستين، القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، حيث صدر فى نهاية الزيارة بيان مشترك تناول نقاط الخلاف، والاتفاق في النواحي اللاهوتية، وذلك بهدف الوصول إلى حل لهذه الخلافات تمهيدًا لاستعادة الشراكة الكاملة بين الكنيستين. 

علاقات قوية مع الكنيسة القبطية 

 وفي ضوء ذلك، يحدثنا الباحث جرجس حنا، بقسم العلاقات الكنسية والمسكونية بمعهد الدراسات القبطية في تصريحات خاصة لـ«البوابة» حول جذور تلك العلاقة: تعد العلاقات القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية الرومانية، من العلاقات الكنسية الفريدة التي هي بمثابة نمو حقيقي اتجاه المحبة والتلاقي والحوار، وهي تمثل أرقي مثال للعلاقات الكنسية والمسكونية في التاريخ الكنسي. 

 وتابع، بدأت رحلة العلاقات المسكونية بين الكنيستين منذ عهد القديس البابا كيرلس السادس عام 1968، عندما طلب بابا الإسكندرية من بابا روما، جزءا من الذخائر المقدسة التي للقديس مار مرقس الرسول كاروز الديار المصرية، وبالفعل تم تلبية طلبه، ثم في عهد الراحل قداسة البابا شنودة الثالث والذي زار الڤاتيكان عام 1973، كان أول بابا من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يزور الڤاتيكان، وعادت العلاقات بين الكنيسة القبطية والكنيسة الكاثوليكية في روما، بعد انقطاع الحوار بين الكنيستين لمدة خمسة عشر قرناً من الزمان، إلى أن نصل إلى آخر محطاتها حين جلس قداسة البابا تواضروس الثاني على السدة المرقسية في 18 نوفمبر 2012، ففي يوم تجليس قداسته حضر وفد رسمى لحضور الصلوات وفى شهر أبريل 2013. 

 وأكمل حنا، ثم تجلت عظمة هذه العلاقة في الزيارة التاريخية لقداسة البابا تواضروس الثاني إلى روما في 10 مايو 2013، حتى تكون استكمالا لمسيرة البابا شنودة الثالث، وهنا وجه الفاتيكان لقداسة البابا تواضروس، ثم اقترح البابوان أن يكون يوم 10 مايو من كل عام هو «يوم المحبة الأخوية» بين الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية القبطية.. وقد ألقى البابا فرانسيس كلمة قال فيها: «إن هذه الزيارة اليوم تقويّ روابط الصداقة والأخوّة التي تربط كرسي بطرس بكرسي مرقس، الوريث لميراث نفيس من شهداء ولاهوتيين ورهبان قديسين وتلاميذ أمناء للمسيح شهدوا للإنجيل عبر الأجيال وغالبًا في أوضاع في غاية الصعوبة». 

 وتابع، في أبريل 2017 زار قداسة البابا فرانسيس قداسة البابا تواضروس الثاني على أرض مصر واعتبر قداسته زيارته للكاتدرائية المرقسية علامة صلابة للعلاقة التي سنة بعد سنة تنمو في التقارب والإيمان ومحبة المسيح، ووقع البابوان في هذا اللقاء التزامًا بالسعي من أجل الوحدة، وحرص البابا فرنسيس في هذه الزيارة أن يصلى على أرض الأنبا رويس الصلاة المسكونية ليشارك في مسكونية الآلام متذكرًا شهداء الكنيسة البطرسية. 

وأضاف، وفي حدث تاريخي استثنائي، توجه قداسة البابا تواضروس الثاني، يوم الثلاثاء 9 مايو عام 2023، إلى الفاتيكان، حيث التقى بقداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في زيارة حملت أسمى معاني المحبة والوحدة المسيحية، وجاءت الزيارة احتفالًا بمرور خمسين عامًا على بدء الحوار اللاهوتي الرسمي بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، بعد قطيعة امتدت نحو خمسة عشر قرنًا منذ مجمع خلقيدونية عام 451م، كما أحيت الذكرى العاشرة لإعلان «يوم المحبة الأخوية»، المبادرة التي أطلقها قداسة البابا تواضروس الثاني خلال زيارته الأولى للفاتيكان في عام 2013، والتي مهدت لزيارة قداسة البابا فرانسيس التاريخية إلى مصر عام 2017، وتوقيع البيان المشترك الذي أكد التزام الكنيستين بالسعي نحو تعزيز الحوار والتقارب. 

واختتم قائلاً: وفي يوم الخميس 11 مايو، التقى قداسة البابا تواضروس الثاني مع قداسة البابا فرنسيس مجددًا في لقاء خاص مع وفدي الكنيستين، أعقبه إقامة صلاة مسكونية في كنيسة «أم الفادي» بالقصر الرسولي، حيث صلى البابوان صلاة مشتركة، وأكد قداسة البابا فرنسيس في كلمته أن دم الشهداء، الذي توحد فوق الأرض كما في السماء، هو بذرة وحدة الكنيسة، وأن شهداء المسيحية، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية، اتحدوا في شهادة واحدة للمسيح. واستعاد الحاضرون ذكرى استشهاد الأقباط بليبيا عام 2015، الذين سُفك دمهم لأنهم مسيحيون. 
 

c7fe09c054.jpg
البابا فرنسيس يقبل صليب البابا تواضروس
f07313a80b.jpg
الباحث جرجس حنا


 كنيسة المؤسسات 

واستكمالاً لإسهامات البابا فرانسيس المسكونية يحدثنا الأب جون جبرائيل الراهب الدومنيكاني، المتخصص في اللاهوت العقيدي في تصريحات خاصة لـ«البوابة»: والذي قال: نوضح أن الكنيسة الكاثوليكية هى كنيسة مؤسسات، فهي تعمل بدساتير ووثائق فليس هناك بابا يستطيع أن يلغي أو يخفي الوثائق التي تسبقه؛ فالبابا فرانسيس في علاقته مع الكنائس الأرثوذكسية «اللا خلقدونية»، فقد صار في مسار الكنيسة الكاثوليكية التي بدأت في الخمسينات، حيث بدأ الحوار مع كنائس الروم الأرثوذكس، وتسمى هذه الحركة باسم «الآباء الجدد»، فقد اجتمعوا أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها خصوصاً في باريس. 

 وتابع، ومن ناحية الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، أبرزهم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومن المعتاد أن يولي بابا الفاتيكان اهتماماً بالكنائس الضخمة مثل الأنجليكانية أو الروم الأرثوذكس؛ ولكن أولى البابا فرنسيس اهتماماً كبيراً بالكنيسة القبطية ونشأت صداقة بينه وبين البابا تواضروس الثاني، وبدأ هذا الاهتمام منذ لقاء البابا بولس السادس مع الأنبا شنودة الثالث قبل أن يرسم كبطريرك للكنيسة القبطية، ونوصف هذا العلاقة بأنها علاقة محبة، واستمرارية وذلك في ظل وجود بطريرك محب ووديع ويملك عقلية منفتحة مثل البابا تواضروس الثاني. 

وأكمل: هناك تطور في العلاقة ولكن فقط من ناحية الكنيسة القبطية وصراعاتها الداخلية، فالكنيسة الكاثوليكية ترى أنه ليست هناك مشاكل عقائدية ولاهوتية كبيرة، بينما على جانب الكنيسة القبطية، نرى خلافات أكثر وخصوصاً في وجود البابا تواضروس الثاني، مع وجود تيار موال للبابا الذي يسبقه، فهناك صراعات داخلية وتصفية حسابات؛ فيضغط هذا التيار على البابا تواضروس، فمثلاً كان هناك حديث عن إعادة إيقاف المعمودية وهو شيء لم يتم أبداً في تاريخ الكنيسة القبطية غير بعد وصول البابا شنودة بسنوات؛ فإذن هو شيء فرضه البابا شنودة على الكنيسة؛ وذلك بسبب ضغط بعض الأساقفة الملقبين بالحرس القديم وهذا الذي يوقف التطور، في النهاية الكنيسة الكاثوليكية ثابتة على موقفها والكنيسة الكاثوليكية لا تستطيع أن تدخل في صراعات الكنيسة القبطية الداخلية، ولكنها تُبقي القنوات مفتوحة خصوصاً أنه ليست هناك خلافات لاهوتية كبيرة بين الكنيستين، فالكنيستان رسوليتان وعريقتان. 

 واختتم الأب جون معلقاً على زيارة البابا فرنسيس لمصر، كان من المفترض أن يكون في هذه الزيارة إمضاء على إلغاء إعادة معمودية الكاثوليك، وهذا في الكنائس التقليدية ترفضه، فكيف لكنيسة رسولية أن تعمد شخص من كنيسة رسولية أخرى؛ فهذا شيء مريب، ولاهوتي، ولكن لظروف داخلية وتدخل بعض أساقفة الكنيسة القبطية أوقفت هذا الموضوع، ودائماً تكون هذه الاتفاقيات في التعاون، ولكن أكبر اتفاق قد حدث كان مع البابا شنودة الثالث وكان يتعلق بالمسيح وناسوته، وكان ذلك أساس الانشقاق القديم؛ فإذن العقبة الكبيرة قد تم إزالتها فإذن لم يتبق الكثير. 
 

e19ca7d9ce.jpg
الأب جون جبرائيل

الكنيسة السريانية 

 ومن منطلق اهتمام البابا فرانسيس بالكنائس الشرقية لم يغفل الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وقد عُرفت الكنيسة السريانية بتاريخها العريق، ولغتها السريانية القديمة، وشهادتها في مواجهة الاضطهادات، ما جعلها تحظى باحترام خاص من البابا فرنسيس، في يونيو 2015، استقبل البابا فرنسيس في الفاتيكان البطريرك إغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، في زيارة تاريخية جسدت روح التقارب والحوار بين الكنيستين. خلال هذا اللقاء، عبّر البابا فرانسيس عن إعجابه بالتراث السرياني، ووصف الكنيسة السريانية بأنها «كنيسة الشهداء»، مشيرًا إلى معاناة أبنائها في سوريا والعراق، حيث تعرضوا للاضطهاد والتهجير بسبب إيمانهم، في كلمته، قال البابا فرانسيس: «وحدة الشهداء هي بالفعل وحدة الدم، التي تسبق وحدة العقيدة.. دماؤهم توجّه إلينا نداءً لنكون حقًا واحدًا». 

 ويستكمل الباحث جرجس حنا حديثه حول هذه العلاقة قائلاً: «تمتد العلاقات السريانية الأرثوذكسية والكاثوليكية والفاتيكانية منذ عقود طويلة الأمد، حيث أخذت في النمو في عهد البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث، والتي تميزت بظهور الإعلان المشترك في عام 1971، عقب ذلك قمة مسكونية كبري عقدت في روما عام ١٩٨٤، جمعت كلًا من البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص وقداسة البابا يوحنا بولس الثاني وشارك فيها ايضا مفريان الهند ما باسيليوس بولس الثاني، حيث صدر بعد هذه القمة إعلان مشترك آخر عام 1984». 

 وتميزت العلاقات بين الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكاثوليكية بالهدوء والتفاهم دائما، وكانت زيارة قداسة البطريرك مار أفرام الثاني إلى الفاتيكان عام 2015،ذات أهمية كبيرة في دفع العلاقات بين الكنيستين، والتي أثنى عليها قداسة البابا فرنسيس بقوله «نعزز أكثر فأكثر روابط الصداقة والأخوّة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية. ولنُسرِع خطانا على الطريق المشترك، موجهين أنظارنا إلى اليوم الذي سنحتفل فيه بانتمائنا إلى الكنيسة الواحدة للمسيح، حول نفس مذبح الذبيحة والتسبيح. لنتبادل كنوز تقاليدنا كهدايا روحية، لأن ما يوحدنا هو أعظم بكثير مما يفرقنا». 

ويقول الأب فيلبس عيسى، راعي السريان الأرثوذكس في مصر لـ«البوابة»: انتقل منذ أيام مضت قامة عظيمة من ألمع الرموز الدينية المؤثرة في تغيير وتجديد وجه الإنسانية المتألم على المستوى الروحي والاجتماعي والفكري، عاش البابا فرنسيس الفقير راعيا أمينا، راهبا ناسكا، كاهنا بسيطا، أسقفا غيورا، رئيس أساقفة نشيطا، بابا الفاتيكان المتواضع والوديع القلب، انتمى في صغره إلى جماعة رهبانية مسيحية، الرهبنة اليسوعية التي تمتع فيها بالخلق العال والعلم الرفيع، فدعاه الرب الإله إلى رفع شأنه لينال وزناته الكثيرة الثمن ويستثمرها ويتاجر بها في حقل الكنيسة الكاثوليكية في العالم كله، فاستجاب النداء الإلهي وصرخ عالياً: هأنذا يا سيد اتّبعك أينما تمضي. 

وتابع، التهب قلب المؤمنين لحبه، حب الأبناء لأبيهم الروحي، الراعي الأمين والقائد الشجاع والمعلم المثقف والمدبر الحكيم، عندما اعتلى الكرسي البابوي، لم تغير المناصب والكراسي والسلطة من شخصيته الطيبة أبداً، بل زادته تجرّداً وتواضعاً ووقارًا، روح القدس دفعه إلى الخروج من حاضرة الفاتيكان ليجول كسيده ومعلمه الأرض كلها، يصنع السلام ويجدد الرجاء الحي في نفوس البائسين المنهكين من ثقل الحياة وهمومها، بابا أب محب وحنون يشعر بالأبوة إلالهية ليعكسها على كل الناس، مسيحي وغير مسيحي من مختلف الانتماءات والطوائف داعياً الجميع إلى الإيمان الحقيقي بالله خالق الكون ومبدعه. 

واختتم كلمته قائلاً: حقاً شخصيته الفريدة جمعت بين العمل الرعوي العظيم والفكر الإيماني الإنجيلي، كاتب وعالم ومبشر بكلام الرب، يقول ويفعل، يعظ ويعيش، يكرز ويسلك، رحم الله البابا وتغمده بجزيل رحمته لينضم إلى صفوف البابوات في السماء أورشليم الثانية، خالص التعازي القلبية إلى كل محبيه والكنيسة الكاثوليكية في العالم أجمع.  

e909cea942.jpg
الأب فيلبس عيسى

الكنيسة البيزنطية 

أما عن علاقة البابا فرنسيس بالكنيسة البيزنطية يكمل الباحث جرجس حنا قائلاً: في عهده حبريته شهد طفرة كبيرة في العلاقات الجدية بين كرسي القسطنطينية «البطريركية المسكونية» والفاتيكان، حيث كانت هناك زيارة مرتقبة للراحل قداسة البابا فرنسيس إلى القسطنطينية، حيث كان من المقرر له زيارة مقررة انعقاد المجمع المسكوني الأول، في مدينة نيقية في 24 مايو 2025 برفقة البطريرك المسكوني برثلماوس، للاحتفال بالذكرى السنوية الـ1700 للمجمع المسكوني الأول، مجمع نيقية، ولكن نياحة البابا حالت دون حدوث هذه الزيارة المهمة. 

وتابع، لن ننسي الحدث الأعظم الذي جعل العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القسطنطينية في قمة عظمتها، هذه الزيارة التاريخية التي قام بها البابا فرنسيس إلى الفنار في إسطنبول في 29 نوفمبر 2014، والذي شارك فيها فرنسيس احتفالات البطريركية المسكونية بعيد شفيعها القديس أندراوس، ولا ننسى اللحظة التي انحنى فيها البابا فرنسيس بعمق أمام برثلماوس، الذي وضع يده على رأسه واحتضنه وقبله بشكل أخوي. وبعد ذلك عقد الاثنان اجتماعًا خاصًا في الكرسي البطريركي في الفنار. 

واختتم، كما أن الوساطة الدبلوماسية التي قامت بها الكنيسة الكاثوليكية، في المسألة الأوكرانية الروسية، والتي قادها بحرفية الكاردينال ماتيو ماريا زوبي، والتي أظهرت عمق الدبلوماسية الفاتيكانية وقدرتها على إدارة وحل الأزمات ذات الطابع السياسي الديني.
 

01aa2890a9.jpg
البابا فرنسيس مع بطريرك القسطنتطينية 

   

المسيرة مستمرة  

 كرّس البابا فرنسيس جانبًا مهمًا من حبريته لتعزيز الحوار مع الكنائس البروتستانتية كذلك، وللبابا فرنسيس لفتات كثيرة، أبرزها مشاركته في 2016 باحتفال تاريخي بمدينة لوند السويدية، لمرور 500 عام على الإصلاح البروتستانتي، وهذه المشاركة كانت الأولى من نوعها لبابا كاثوليكي في مثل هذا الحدث، وحملت دلالات رمزية قوية على رغبة الفاتيكان في تجاوز جراح الماضي والعمل من أجل مستقبل مشترك، وقد أقيمت صلاة مسكونية مشتركة بين البابا وقيادة الاتحاد اللوثري العالمي داخل كاتدرائية لوند، عبّر فيها الطرفان عن توبتهما المشتركة عن الصراعات التاريخية، وتعهدا بالسير معًا نحو مزيد من الحوار والتعاون. 

 وفي ختام هذه المناسبة، وقّع الطرفان بيانًا مشتركًا أكدا فيه أن ما يوحّد المسيحيين اليوم أقوى بكثير مما يفرقهم. كما شددا على ضرورة التعاون في مواجهة التحديات الأخلاقية والإنسانية التي تواجه العالم، مثل الفقر، والنزاعات المسلحة، واللجوء، والتغير المناخي، مؤكدين أن الكنائس يجب أن تكون صوتًا للسلام والعدالة والرحمة. 

 البابا فرانسيس أكد في أكثر من مناسبة أن الوحدة لا تعني التطابق، بل التلاقي في التنوع، وهو ما ظهر جليًا في نهجه مع البروتستانت، لقد ركّز على "الوحدة في العمل، والصلاة المشتركة، وخدمة الإنسان"، بدلًا من التوقف عند الفروقات اللاهوتية المعقدة التي فرّقت بين الكنيستين قرونًا طويلة. 

ويقول القس رفعت فكري، الأمين العام المشارك لمجلس كنائس الشرق الأوسط وراعي الكنيسة الإنجيلية بروض الفرج لـ«البوابة»: كان البابا فرنسيس شخصية فريدة جداً وقد لن تتكرر مرة أخرى؛ فكان يملك عقلا مستنيرا وقلبا منفتحا، فهو قد وقف على أرضية الإنسانية؛ ولذلك تجاوز كل الحدود والسدود التي كان يضعها المتعصبون. 

وتابع، وكان يملك عقلا وقلبا يتسعان لمن يؤمنون بالأديان ومن لا يؤمنون بها، ملحداً أو مؤمناً، فكان قلبه محباً للجميع للصالحين والخطاة، كما أنه قد تعامل مع الإنجيليين الأرثوذكس بقلب منفتح، عدد كبير من الإنجيلين عندما كانوا يسافرون الفاتيكان كان يستقبلهم بترحاب كبير.  

وأكمل، وكان لديه علاقات طيبة بمجلس كنائس الشرق الأوسط، فكان البابا فرنسيس منفتحاً جداً، وذلك كان واضحاً عندما استقبل البابا تواضروس الثاني في الفاتيكان؛ فكان استقبالاً حافلاً وألقى وقتها قداسة البابا كلمة في ساحة القديس بطرس، وهذا كان على غير المعتاد وهذا بجانب أنه سمح بعمل قداس أرثوذكسي في كنيسة كاثوليكية في روما، وكل هذا يؤكد أنه كان صاحب عقل مستنير. 

واختتم فكري، لم يكن البابا يحكم أو يدين أحداً؛ وذلك إيمانا بأن هذا عمل الله وحده، ونحن كبشر دورنا أن نحب بعضناً البعض وأن نعيش في سلام فقط، أما الدينونة من اختصاص الله، كان البابا فرنسيس شخصية بارزة وخدم الإنسانية وقدم أفكاراً مستنيرة عديدة وأتمنى أن يتعلم البشر من هذا المسيرة. 
 

42e274d689.jpg
القس رفعت فكري
5271d06a35.jpg
في صفحات البوابة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق