عاجل

"اليد الخضراء" لجمانة منّاع.. "أبارتهايد" الزعتر والعكّوب! - جريدة الكويت

0 تعليق ارسل طباعة

 

كتب يوسف الشايب:

استطاعت المخرجة والمنتجة الفلسطينية جمانة منّاع، في فيلمها "اليد الخضراء"، وعُرض في مركز خليل السكاكيني الثقافي بمدينة رام الله، بحضورها، مساء أول من أمس، فضح السياسات العنصرية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، على مستوى قطاف الزعتر البرّي والعكّوب ما بين فلسطينيين ويهود، خاصة داخل الخط الأخضر، دون أن تقدّم أي تنازلات جماليّة على مستوى التصوير وتوظيف الصوتيّات وحركة الكاميرا في الفيلم الوثائقي الدرامي.
منذ المشهد الأول، تمكنت منّاع من إلقاء القبض على المشاهد بصرياً، وتحويله إلى جزء ممّا يدور داخل الشاشة الكبيرة، فيرافق الواحد منّا زيدان في رحلة بحثه عن العكّوب، أو فراره من "ضبّاط" ما يعرف باسم "سلطة حماية الطبيعة"، أو عند إلقاء القبض عليه وتغريمه 730 شيكلاً، وإجباره على إلقاء ما في الكيس من عكّوب أو "عكوبيت هجلجال" بالعبرية، وهو ما ينطبق على مرافقتنا لأحمد عند التحقيق معه بتهمة قطف "الزعتر البري" أو "الزوفا" بالعبرية، ومرافعته بأنه يدرك جيداً أن قطاف الزعتر والعكّوب ممنوع تماماً على العرب، ومسموح دائماً لليهود، وهو ما يؤكده تجار إسرائيليون في تقرير تلفزيوني عتيق، ضمّنته منّاع فيلمها دون إحداث أي خدش بصري، أو في تسلسل السرد لديها، عندما أشار أحدهم صراحة إلى أنهم يزرعون الزعتر للبيع في أسواق الضفة الغربية، مع إدراكهم أنه لا يمكن خداع أهل الضفة وسكانها ممّن يعرفون الزعتر الفلسطيني، ولكن الحيلة قد تنطلي على بعض المُغتربين، لتعالجه المذيعة: إذا كنت تريد بيع الزعتر للعرب الفلسطينيين فإنك كمن يبيع الثلج لسكّان الأسكيمو.
ولم يغب والدا منّاع، عادل وعزيزة عن رحلة التحدي هذه عبر القطاف، وإن كان للاستخدام المنزلي للكثيرين وليس للمتاجرة، هما اللذان رصدتهما كاميرا الابنة، في تحركات مبهرة على مستوى التقريب والتبعيد، حتى تشعر مع الأولى أنك داخل مسامات جسد الأم وهي تستحم أكثر مما تعوم في بحيرة طبريا، مستعيدة ذكريات البحيرة مع الأب، عندما كانا عريسين قبل عقود، دون الإشارة من المخرجة إلى أنهما والداها.
وهذه التقنية الاحترافية في التعامل مع المشاهد، تعكس مدى احتراف جمانة منّاع الذي وصل بها إلى العالمية، وعدم الاستسهال عند تقديم فيلم وثائقي.
جعلتنا منّاع، نتماهى مع الشخصيات جميعاً، ومع "خروبة" كلبة زيدان، والقطة التي تداعبها، أو كلبه "كوشكو"، حتى يكاد من لا يعاني "الفوبيا" أن يمدّ يده داخل الشاشة ليربت على جسد إحداها أو يداعبها كما يفعل صاحبها، وهذا يُحسب للفيلم على المستوى التقني، الذي يقود إلى تفاعل حسّي كبير لا تجده في الكثير من الأفلام التي يُطلق عليها جُزافاً وصف "وثائقي".
استطاعت منّاع على مدار ساعة فضح عنصرية الاحتلال في جانب غير مُعلن، أو لم يتم تسليط الضوء عليه من قبل، في منتج بصري يستحق وصفه بالسينمائي، حيث الزعتر والعكّوب محرم على أصحاب الأرض، ومُباح لمغتصبيها، وهو ما أكد عليه المسّن سمير، خلال التحقيق معه، بالقول، نعم، أجمع العكّوب، ولا أعترف بقوانينكم العنصرية التي تطال حتى جمع الطعام، الأرض لنا ليست لكم كما حال النباتات فيها، ألقيتم القبض عليّ في الأعوام 2002، و2009، و2011، والآن في 2018، وستلقون القبض عليّ برفقة أبنائي وأحفادي في العام 2050.. سأتابع طريق أبي وأمي وأجدادي، هذا هو قانوني، وهذا هو واقعي الذي لا أعترف بغيره.
وكما بدأت منّاع بصورة علوية لمساحة من الأرض تحوي مباني ذات معمار فلسطيني ريفي عتيق، تعكس النظرة الاستعمارية للأرض وأصحابها الأصلانيين، تنهي فيلمها الذي يحمل فيما وراء صوره المتحركة "نوستالجيا" لاستعادة الجغرافيا ولو عبر الذاكرة، وللتحرر بمختلف تأويلاته، بالمشهد نفسه أو ما يلامسه، مشيرة إلى أن أحد المباني في المشهدين الافتتاحي والختامي، هو فناء عائلتها الذي لم تتعرف عليه، بعد أن انهار جزء منه وتغيّرت ملامحه، مناشدة كل واحد من أصحاب الأرض الأصلانيين، الباقين فيها، بأن "استمر.. سأنتظرك هنا".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق