مراسلو الجزيرة نت
غزة- يستذكر الطفل باسم أحمد اللحظات الأخيرة التي سبقت فقدانه الوعي، بعد أن شعر بقوة رهيبة قذفته من نافذة منزل عائلته المكون من ثلاث طبقات، وألقت به في الشارع.
كان ذلك في الشهر الأول من الحرب الإسرائيلية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، عندما فقد الطفل أباه وأمه وشقيقه وعددا كبيرا من عائلته إثر سقوط صاروخ أطلقته الطائرات الحربية على رؤوسهم، وبقي وحيدا برفقة شقيقته التي تكبره قليلا.
يعيش الطفل ذو العشر سنوات حالة من شرود الذهن كما تصفها خالته التي ترعاه، وتزداد سوءا مع اشتداد القصف وهو يحاول الانزواء بعيدا، ويخشى أن يتعرض للقصف مرة أخرى.
وينطبق حال باسم على أكثر من 39 ألف طفل في غزة فقدوا أحد والديهم أو كليهما، حسب ما كشفه تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ويحتاجون رعاية خاصة.
ظروف مأساوية
يفتقد الأيتام للرعاية التي تتناسب مع الظروف القاسية التي يحيونها مع استمرار القصف والنزوح، وهو ما يؤكده المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة بأن الأيتام يعيشون أوضاعا إنسانية مأساوية وغير مسبوقة.
وقال في حديث خاص للجزيرة نت إن العدوان الإسرائيلي أدى إلى استشهاد أكثر من 18 ألف طفل، وفقد أكثر من 39 ألفا و400 طفل أحد والديهم أو كليهما، من بينهم 17 ألف طفل حرموا كلا الوالدين، نتيجة قصف الاحتلال للمنازل فوق رؤوس ساكنيها، واستهداف العائلات الآمنة بشكل مباشر، مما أدى إلى محو أكثر من 2172 عائلة من السجل المدني بالكامل، وإبادة أكثر من 5070 عائلة لم يتبق منها سوى فرد واحد فقط.
إعلان
وأوضح الثوابتة أن معظم الأطفال الأيتام يعانون من فقدان السكن، والرعاية، والتعليم، والغذاء، بل حتى الشعور بالأمان، ويواجهون صدمات نفسية عميقة في ظل انعدام البيئة الحاضنة وغياب الاستقرار.
وفي ما يتعلق بالجهود الحكومية لرعاية الأيتام، أضاف الثوابتة "رغم الظروف الكارثية وتدمير الاحتلال لأكثر من 224 مقرا حكوميا، فإن المؤسسات الحكومية، من خلال وزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسات الرعاية المختصة، تبذل أقصى جهدها في ظل شُحّ الإمكانات، وتُوفّر رعاية أولية لهؤلاء الأطفال من خلال تسجيل بياناتهم وتوجيههم إلى أسر حاضنة، أو مراكز إيواء مؤقتة.
ولفت إلى أن المؤسسات الحكومية بغزة تحاول العمل على تأمين الاحتياجات العاجلة للأيتام من غذاء ودواء وخدمات نفسية قدر المستطاع، والتنسيق مع المؤسسات الشريكة ووكالات الأمم المتحدة رغم التضييق الإسرائيلي من أجل تقديم الإعانات والدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الأيتام، في ظل انعدام مصادر الوقود، وإغلاق المخابز، ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
ونبه الثوابتة إلى أن الجهود لم تصل إلى كل الأيتام المذكورين، واستفاد أقل من 30% منهم بسبب ضخامة الملف وصعوبة السيطرة عليه حاليا في ظل استمرار الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي المستمر من دون توقف، ونتيجة خطورة وصعوبة الظروف الميدانية التي يعيشها قطاع غزة.
احتضان الأيتام
ويلعب المجتمع المحلي دورا جوهريا ومؤثرا في احتضان الأيتام، فقد بادرت عشرات الأسر الفلسطينية رغم نزوحها وتدمير منازلها إلى استضافة ورعاية الأطفال الأيتام ومحاولة توفير البيئة الدافئة لهم.
وأسهمت عشرات الجمعيات، والهيئات، والمبادرات المجتمعية، والمجموعات الشبابية التطوعية، في جمع التبرعات وتقديم الدعم النفسي والمعنوي والعيني للأيتام، وتنظيم أنشطة لمحاولة إخراجهم من دائرة الألم الذي يعيشونه.
إعلان
وفي هذا السياق، تعتقد الاختصاصية النفسية أرجوان حسن أن اليتيم في غزة ليس من فقد أحد والديه فقط، وإنما يمتد لمعظم الأطفال الذين فقدوا أحباءهم وعايشوا وشاهدوا أجواء القصف والموت والدماء.
وقالت أرجوان في حديث خاص للجزيرة نت إن "أبسط احتياجات رعاية الأيتام من أكل وشرب ومأوى آمن ليست متاحة في غزة، وذلك نظرا للظروف الصعبة التي تعصف بالقطاع واستمرار النزوح وعدم الاستقرار".
وتشير الاختصاصية النفسية إلى أن الأيتام يبقون في رعاية الأقرب لهم في العائلة، لكنه يصعب احتضانهم بسبب الحرب، وبالتالي فهم يعانون من انعدام الرعاية النفسية والمجتمعية، ولا يجدون أشخاصا حولهم يستمعون لهم ويعالجون سلوكهم.
وشددت على أن البيئة غير مواتية لتأهيل الأيتام بما فيها استكمال تعليمهم، حيث كانت توجد مؤسسات عدة مخصصة لرعاية اليتيم وتوفر أماكن آمنة لإقامتهم، لكن الآن لا يوجد قدرة لأي من المؤسسات الحكومية والأهلية لاحتضانهم في ظل تواصل الحرب.
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، يقدر عدد الأطفال المنفصلين عن ذويهم في غزة بأكثر من 17 ألف طفل، وإضافة إلى معاناتهم النفسية، يواجه الأطفال في غزة ظروفا معيشية قاسية بسبب نقص المياه والغذاء والدواء.
وبحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة، يعيش نحو 1.9 مليون شخص، أكثر من نصفهم أطفال، في ظروف مزرية داخل المخيمات في قطاع غزة، حيث تزداد معاناتهم اليومية مع استمرار الحرب.
0 تعليق