طالما مثّل الفقر في مصر القديمة موضوعًا متزايد الأهمية لدى الباحثين. ويشير الخبراء إلى أن أغلب المصريين القدماء عاشوا على خط الفقر، بما أجبر الأطفال على الخوض في سوق العمل منذ سن مبكرة لكسب قوتهم، حيث اضطر ثلثا أفراد الأسر المتوسطة إلى العمل الشاق، في حين امتلكت حفنة من الملوك والكهنة ثروات طائلة.
ورغم أن أغلب التمثيلات البصرية من نقوش ومنحوتات، وكذلك النصوص المصرية القديمة التي وصلت إلينا، كتبتها النخبة ولصالحها، فإنها سعت إلى إظهار عدم المساواة والفقر كجزء من النظام الطبيعي للعالم، الذي لا يمكن أن تُلام بسببه النخبة؛ بما يُعد تحيزا إلى ثقافة النخبة، ويشكّل في الوقت ذاته صعوبة في تحديد ماهية الفقر في مصر القديمة. لكن مع ذلك، يمكن رصد إشارات دالة على حضور الفقر والجوع وسوء الوضع الاقتصادي في البلاد.
يؤكد عالم المصريات حسام هلال حجازي، على ندرة النقوش الملكية المتعلقة بالفقر في مصر القديمة، نظرًا لأن الملوك أرادوا دومًا إظهار قوتهم وازدهار حكمهم بلا مشاكل أو أزمات اقتصادية، في حين أن أبرز الاستثناءات في هذا الصدد، يتمثل في لوحة المجاعة المنقوشة على وجه كتلة من الغرانيت، والتي تُعبّر عن أزمة اقتصادية حادة واجهت مصر في عهد الملك زوسر من الأسرة الثالثة واستمرت 7 سنوات، طبقًا لنص جزيرة سهيل بأسوان.
إعلان
ومع ذلك، وبحسب الخطوط واللغة المستخدمة في النقش، يُرجح بعض علماء المصريات أن اللوحة لم تنجز في عهد زوسر، وإنما تعود إلى العصر البطلمي، وعلى الأغلب إلى حقبة بطليموس الخامس، أي بعد حوالي 2500 سنة من عهد زوسر، وأن كهنة الإله المصري "خنوم" ألّفوها بغرض إضفاء الشرعية على سلطتهم، نظرًا لأن النقوش تصف رؤيا للملك يَعده فيها "خنوم" بإنهاء المجاعة مقابل أداء الضرائب إلى معبده.

من كان فقيرًا في مصر الفرعونية؟
غير أن ذلك لم يمنع وجود تمثيلات بصرية أخرى، تصوّر الطبقة المحرومة في مصر القديمة، أثناء انهماكها في أعمال الخدمة المنزلية أو في زراعة حقول الطبقة الثرية، أو غيرها من الأعمال الشاقة التي تبين مدى الذل والمهانة.
كما تعبّر المنحوتات الخاصة بطبقة الخدم، عن الحالة الاقتصادية الصعبة التي عاشها هؤلاء، حيث انعكس ذلك بوضوح على المادة الرخيصة المستخدمة في صُنع التمثال، مع صغر حجمه وعدم الاهتمام بدقة ملامحه، وهو ما يحمل أيضا نوعا من التحقير لأفراد هذه الطبقة.
في الوقت ذاته، تتعدد المصطلحات والألفاظ الدالة على الفقر في البرديات والنقوش المصرية، ومنها "طائر الشر" الذي يُعد أحد أهم المخصصات المرتبطة بالفقر في اللغة المصرية القديمة، نظرًا لأنه طائر يتغذى على محاصيل الفلاحين، مما دفع المصري القديم إلى استخدامه في التعبير عن المعاني والمفردات السيئة، وعلى رأسها الفقر والجوع والحرمان.
ويحاول علم الآثار أن يملأ بعض الفجوات المتعلقة بالحالة الاقتصادية لعموم الشعب في مصر القديمة، من خلال التنقيب في المساحات التي كان يقطنها أفراد من غير النخبة، فضلا عن تحليل المشاهد المتخلفة في قبور هؤلاء الأفراد. كما أن النصوص الاقتصادية المكتوبة خلال هذه الفترة، تساهم في فهم الأجور وتكاليف المعيشة والتناسب بينها، بغرض تحديد عتبة للفقر في ذلك العصر، إضافة إلى اكتشاف أسبابه.
إعلان
ومن ضمن المساعي في هذا الصدد، كان المؤتمر الدولي الذي جرت أحداثه في سبتمبر/أيلول الماضي بمدينة فيينا النمساوية، والذي حمل عنوان "من كان فقيرًا في مصر الفرعونية؟.. التقسيم الطبقي الاجتماعي والرؤية وفقًا للنصوص والصور والآثار".
تابعت صفحة "أبعاد" أحداث المؤتمر، كما حاورت اثنين من محاضريه، وهما: القائمة على المؤتمر دلفين دريو (Delphine Driaux)، أستاذة علم الآثار والمصريات ورئيسة المشروع البحثي "تمثيلات الفقر وواقعه في مصر القديمة"، ومارغريت مايتلاند (Margaret Maitland)، أستاذة علم المصريات وأمينة رئيسية لمتحف البحر الأبيض المتوسط القديم في أسكتلندا.

فقر نسبي
تقول الأستاذة دريو إن المؤتمر جزء من مشروع بحثي أوسع عن الفقراء في مصر الفرعونية، حيث شكّل هؤلاء جزءًا كبيرًا من المجتمع المصري، ومع ذلك بقيت آثارهم المهمة والجميلة أسيرة لظلال النخبة. لذلك، يهدف المؤتمر إلى تسليط الضوء على هؤلاء الأشخاص الذين تجاهلهم الباحثون لفترة طويلة.
وترى دريو أن الفقر في مصر الفرعونية لا يزال موضوعًا غير مستكشف نسبيًا، سواء في دراسات الشرق الأدنى أو في علم المصريات، وثمة أسباب وراء ذلك، منها اختيارات العلماء الذين ركزوا على مواضيع ومجموعات اجتماعية معينة، ربما تكون أسهل للدراسة أو على الأقل تعتبر أكثر جاذبية.
واستعرضتْ بعضَ الإشكاليات التي ساهمت في تجاهل دراسة الفقر في مصر القديمة، إذ لم يترك الفقراء عادة أي سجلات مكتوبة لأن معظمهم كانوا أميين، ولذلك تم الاستدلال عليهم من قبورهم ومنازلهم وممتلكاتهم فقط.
ومع ذلك، فإن البقايا التي خلفها هؤلاء كانت أقل وضوحًا وزخرفة وجمالا من مقابر الأغنياء، فبينما كان الأغنياء يُدفنون في مقابر كبيرة منحوتة في الصخر مع معدات جنائزية كاملة، كان الفقراء يُدفنون في حفر بسيطة في رمال الصحراء مع القليل من السلع الجنائزية. وينطبق الشيء نفسه على المنازل.
إعلان
ونظرا لأن مقابر الفقراء كانت في كثير من الأحيان أصغر حجما وأقل حفظا من مقابر الأغنياء، فقد ركز العلماء أبحاثهم لفترة طويلة على المقابر والمنازل المحفوظة بشكل أفضل والأكبر حجما والأفضل زخرفة، لأنها كانت أكثر وضوحا ويمكن الوصول إليها بسهولة، كما أنها غالبا ما تحتوي أشياء يمكن وصفها بأنها فاخرة أو مرموقة.
كما تشير الأستاذة دريو إلى قضية المصطلح باعتبارها عاملا آخر وراء القصور في دراسة الفقر في مصر الفرعونية. ففي الوقت الحاضر توجد معايير اقتصادية تحدد الفقر على أساس عتبة تقليدية، وفقا لقياسات مستخلصة من تقارير الأمم المتحدة، التي تشير إلى أن قرابة نصف سكان العالم يعيشون حاليا في فقر، وبدخل يومي لا يزيد عن 1.9 دولار، بينما يعيش أكثر من 800 مليون شخص في فقر مدقع (دخل يومي أقل من 1.25 دولار).
لكن، لا يمكن تطبيق هذا النوع من المعايير على العصور القديمة، فمن شأن ذلك أن يُظهر كل شخص في العصور القديمة فقيرًا، أو أن يُبدي فقراء اليوم أغنياء مقارنة بالماضي. كما أن النقود لم تكن معروفة على نطاق واسع حتى غزو الإسكندر الأكبر للمنطقة (في القرن الرابع قبل الميلاد)، مما يجعل محاولة تطبيق معايير الاقتصاد الحالية على مصر القديمة شيئا مستحيلا، فضلًا عن عدم جدواه.
وفقا لذلك، ترى دريو أن تحديد الفقر في مصر القديمة (وفي العالم القديم)، يحتاج إلى استخدام وسائل أخرى. وبشكل عام، تبدو فكرة الفقر النسبي منطقية، إذ تجعل تقييم مكانة الفرد في المجتمع أمرًا ممكنًا من خلال المقارنات مع الفئات الاجتماعية الأخرى.
وهذا يسلط الضوء على الاختلافات في مستويات المعيشة، بما يعني أنه من أجل معرفة من هم الفقراء في مصر القديمة، نحتاج أيضًا إلى معرفة من هم الأغنياء وكيف كانت ظروف معيشتهم.
وتتفق الأستاذة مارغريت مايتلاند مع هذه النظرة، حيث تقول إن الفقر المدقع كان موجودًا في مصر القديمة، إلا أنه فقر نسبي، ولا يمكن وضعه في محددات دقيقة، رغم أن فحص الأدلة الأثرية يوضح عدم المساواة في مصر القديمة، وهو ما يمكن استنباطه من التفاوت الهائل بين حجم المدافن وثرواتها، إضافة إلى الاختلافات في نطاق ورفاهية المساكن، أو الظروف الجسدية السيئة، والإصابات المرئية في بقايا الهياكل العظمية للعمال.
إعلان
وتشير مايتلاند إلى أن النخبة تمتعت بتغذية جيدة للغاية، وكانت قادرة على الوصول إلى نظام غذائي متنوع وفير يشمل اللحوم والفواكه والخضراوات، لكن النظام الغذائي الأساسي للعديد من العمال كان يتألف إلى حد كبير من الخبز، وهو ما يمكن اعتباره فقرًا نسبيًّا.
وثمة سطر في حكاية الفلاح الفصيح يشير إلى أن العمال عاشوا وفق إمكانيات أقل كثيرًا من النخبة، وفحواه: "ثلاثة أرغفة من الخبز، ما الذي تحتاج إليه أكثر من ذلك لتلبية احتياجات عائلتك؟".

هل امتلك الفقراء منازلهم الخاصة؟
وبالعودة إلى الأستاذة دلفين دريو وسؤالها عن تمثلات الفقر في مصر القديمة، وكيفية الحكم على فقر شخصٍ ما في هذه الحقبة؟
أجابت دريو أنه لا توجد في الوقت الحالي محددات واضحة، نظرا لأن مبحث الفقر في مصر القديمة لم يُستكشف بصورة كبيرة إلى الآن، والباحثون عمليًّا يبدؤون من الصفر. ومع ذلك، يمكن طرح بعض الملاحظات بناء على النتائج الأولية للبحث الذي أعدّته.
على سبيل المثال، تشير النصوص المصرية إلى أن العديد من أشكال الفقر ارتبط بعدم القدرة على تأمين الغذاء يوميا، وهناك نصوص تحكي عن أشخاص لا يملكون كفايتهم من الطعام، في حين تصوّر بعض المشاهد على جدران المقابر أشخاصا نحيفين مع ضلوع بارزة.
ورغم ذلك، ليس بالإمكان البتّ بشأن امتلاك الفقراء في مصر القديمة منازل خاصة بهم أو عدمه، إذ يمكن تماما أن نرصد امتلاك بعضهم منازل بالفعل، مع أن هذا يتناقض مع نظرتنا المعاصرة إلى الفقر، نظرا لأنه من النادر في الأيام الحالية أن يمتلك شخص فقير منزله الخاص.
ويتناول هذه المسألة عالم الرياضيات المصري، عادل أبو المجد، مشيرًا إلى وجود تناسب بين مساحة المنازل في مصر القديمة وحضور الفقر، حيث يرى أن الحفريات الحديثة توصلت إلى تحديد مساحات المنازل في مدينة "أخيتاتون" المصرية القديمة (تل العمارنة)، التي سُكنت لفترة قصيرة خلال القرن 14 قبل الميلاد، وإذا ما افترضنا أن مساحة المنزل تعتمد قانونيا على ثروة قاطنيه، فإن ذلك يسمح بمقارنة توزيع الثروة في المجتمعات القديمة.
إعلان
ويرى أبو المجد أن مدينة "أخيتاتون" التي أقامها الملك المصري إخناتون على بُعد 45 كلم جنوب مقابر بني حسن في المنيا، تُقدم صورة مثالية عن توزيع الثروات في مصر القديمة، فقد بلغت مساحة المدينة نحو كيلومترين مربعين، أي أنها كانت كبيرة نسبيا، لكنها في الوقت ذاته كانت قصيرة العُمر للغاية، وبالتالي لم تكتسب التغيرات التي طرأت على أجيال لاحقة.
ويشير إلى أن أغلب المنازل في "أخيتاتون" تتكوّن من طابق واحد مبني بالطوب اللبن، وهو مزيج من الطين والماء المتماسك من خلال مادة رابطة مثل قشور الأرز أو القش. وبينما بلغت مساحة أي من هذه المنازل في العادة نحو 60 مترا مربعا، فقد عُثر على منزلين يغطيان نحو 7 أمثال هذه المساحة، مما يعني أن توزيع الثروة في مصر القديمة كان أكثر استقطابا من وقتنا الحالي.
ظاهرة متعددة الأبعاد
وتستعرض الأستاذة دريو المحاضِرة بجامعة فيينا؛ دلائل أخرى معبرة عن الفقر في مصر الفرعونية، منها إبراز مظهر الفقراء الرث، على النقيض من الأثرياء الذين تم تصويرهم دائمًا في أفضل حلة، بينما تصف النصوص أشخاصا يرتدون الخِرق أو لا يرتدون شعرًا مستعارا (ونراهم أيضًا في بعض الرسوم).
ومع ذلك، تعتقد دريو أننا بصدد ارتكاب خطأ إذا حصرنا الفقر في الزاوية الاقتصادية فقط، وتستشهد في هذا الصدد بالاقتصادية الفرنسية، إستر دوفلو، الحاصلة على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2019، والتي ترى أن الفقر ظاهرة متعددة الأبعاد.
فقد كشف علم الاجتماع كيف أصبح الفقر ظاهرة أكثر تعقيدًا، ومن المرجح أن يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى الفقر في مصر القديمة، حيث تَعلّق بنقص الغذاء والموارد، لكنه ربما ارتبط أيضا بالافتقار إلى التعليم، إذ كان معظم المصريين القدماء يعانون من الأمية، أو انعدام القدرة على الوصول إلى بعض المرافق الأساسية، إضافة إلى محدودية القدرات البدنية في بعض الأحيان.
إعلان
أضف إلى ذلك، أن بعض النصوص -مثل النص المسمى "هجاء الحرف"- تقدم أوصافًا سلبية إلى حدٍ ما للعمال اليدويين، مثل عامل المعادن، والنجار، والبستاني، والخزاف وغيرهم. لكن الغرض الرئيسي من هذا النص هو تسليط الضوء على شرف مهنة الكاتب، من خلال تحقير مهن أخرى، نظرا لأنه نص مكتوب بواسطة أعضاء المجتمع الراقي ومخصص لأعضائه.
وفي ضوء ذلك، فمن المهم أن نضع في الاعتبار أن الفقر هو حالة لكنه أيضا حكم قيمي، بمعنى أنك دائما ستبقى فقيرا في نظر شخص ما.

نظرة سلبية
وتؤكد الأستاذة مايتلاند على تَعمد تصوير العمالة بشكل سلبي في مصر القديمة، من خلال النصوص أو التمثيلات البصرية، وذلك بغرض تطبيع فكرة الفقر وعدم المساواة في ثقافة المجتمع.
من ضمن ذلك، تمثيل العمالة بشكل موحد لإظهار امتثالهم للسلطة، أو وضعهم في قوالب نمطية سلبية، لإظهار اختلافهم الاجتماعي وانحرافهم المحتمل، سواء أكان انحرافا عن مقاييس الجسم المثالي، أو عن معايير السلوك المقبولة، بما يقدم مبررا للنخبة في السيطرة.
وتُظهر الكثير من هذه التمثيلات أجساد العمال منحرفة عن وضعها القياسي، فغالبا ما يتم إظهار الرعاة على أنهم نحيفون ومعوّقون ويرتدون ملابس رديئة، وفي أحيان يكون شعرهم كثيفا بلا عناية، في إشارة إلى التوحش والابتعاد عن الطابع المدني المهذب، وهي صورة نمطية تحدد وظيفة هؤلاء في الاعتناء بالماشية الثمينة دون امتلاكها.
ودائما ما ارتبطت خصائص محددة بالفقر، مثل العري والضعف، أو ربط القذارة والافتقار إلى ضبط النفس بالعمالة، وذلك للإشارة إلى الدونية الاجتماعية ونزع الصفة الإنسانية عنهم، وبالتالي إقصائهم عن أي خيارات.
وتشير مايتلاند إلى أحد أمثلة ذلك، في مشاهد تحصيل الضرائب ومعاقبة المتهربين الممثلة بشكل بارز في مقابر بني حسن، جنوب محافظة المنيا المصرية، حيث تصوّر هذه المشاهد النخبة المسؤولة عن الحفاظ على النظام والعدالة، بينما يظهر العمال في هيئة منحرفة.
إعلان
وفي الأدب، تُقدّم العقوبة البدنية وفق منطق تعليمي، ومن بين تعاليم "بتاح حتب" توجد مقولة "عاقب على الفور، إن ضبط النفس عن الخطأ يؤسس لقدوة حسنة". لكن مايتلاند ترى أن هذه الصيغة التعليمية كانت موجهة بالأساس للعمالة، لدفعهم إلى إدراك مكانهم الطبيعي والاستسلام لموقفهم الفقير في المجتمع.
وبسؤالها عما إذا كان هناك تمثيل بصري أو نص؛ يؤشر على وجود انحراف بين طبقات النخبة في المجتمع المصري القديم، أم أن ذلك اقتصر على الفقراء فقط، أشارت مايتلاند إلى أن النصوص المصرية القديمة تعطي توقعا عاما بأن الفقراء أكثر ميلا إلى الانحراف، وثمة عبارة أخرى في حكاية الفلاح الفصيح تنص على أن "السرقة تناسب شخصًا لا يمتلك أي شيء".
ورغم أن هذه القصة تعطي انطباعا باستعادة العدالة والنظام من قبل الوكيل الأعلى "رينسي"، الذي ينتزع ممتلكات الموظف الشرير ويعطيها إلى الفلاح المظلوم "خن-أنوب"، فإنها لا تتحدى التسلسل الهرمي للمجتمع الفرعوني، وتُقدّم الموظف الشرير كاستثناء لسلوك النخبة.
كانت مايتلاند قد ألقت المحاضرة الرئيسية في المؤتمر وتناولت خلالها دور التشهير في إدامة الفقر، وذلك بتقديم دراسة حالة لمشاهد من الجدار الجنوبي لمقبرة الحاكم الإقليمي "باقت الثالث"، إحدى مقابر بني حسن جنوب محافظة المنيا المصرية، وتعود تقريبا إلى عام 1985 قبل الميلاد.
وتفسر مايتلاند اختيارها لحقبة المملكة الوسطى، بأنها فترة شهدت تغييرا اجتماعيا كبيرا، في أعقاب الاضطرابات السياسية والاقتصادية في أواخر المملكة القديمة والفترة الانتقالية الأولى، بينما ترى أن التشهير المتمثل في إذاعة العقوبة، مثل ربط المزارعين بالحبال وسوقهم بالعصي مثل الحيوانات أمام آخرين، غالبا ما يثير مشاعر العجز وعدم الكفاءة، بما يحدّ من القدرات، ويجعل من الصعوبة بمكان الهروب من براثن الفقر.
إعلان
0 تعليق