موسكو- ما زال الاقتصاد الروسي يراوح في دائرة التحديات مع تواصل الحرب مع أوكرانيا والعقوبات الغربية وتداعيات حروب التعريفات الجمركية التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فضلا عن انخفاض في عائدات التصدير.
ويضاف إلى قائمة التحديات الرئيسية التي يواجهها الاقتصاد الروسي مخاطر الهبوط الحاد في ظل معدل مرتفع للتضخم وركود في القطاعات المدنية من الاقتصاد.
مرونة الاقتصاد في وجه العقوبات
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الروسي، كما تؤكد بيانات رسمية، تغلب على محاولات تقويضه بسبب العقوبات والإنفاق على الحرب والهجمات الأوكرانية على مرافق تخزين النفط الروسية، وأبدى مرونة من خلال قدرة الشركات المحلية على التكيف مع الظروف الجديدة واستبدال المنتجات المستوردة بمثيلاتها المحلية، فإن استمرار الحرب مع أوكرانيا والتعقيدات الدولية السياسية والاقتصادية ستشكل تحديا جديدا لقدرة الاقتصاد الروسي على الصمود.
جدير بالذكر أن تقديرات رسمية أشارت إلى أنه في عام 2025، سيتباطأ الاقتصاد الروسي بشكل حاد، وذلك من 4% إلى 1-2% من الناتج المحلي الإجمالي.
الاقتصاد ليس على شفير الانهيار
ويرى خبراء روس في الاقتصاد، وإن اعترفوا بأن الاقتصاد الروسي ليس في أفضل حالاته بسبب العقوبات المفروضة والهجمات الأوكرانية والزيادة الحادة في الاستثمارات في المجمع الصناعي العسكري، أن روسيا لا تزال بعيدة كل البعد عن الانهيار الاقتصادي.
إعلان
ويقول الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون إنه إذا فشلت التسوية السياسية للحرب مع أوكرانيا، فإنه من الممكن أن يتكرر نهج الدولة في السنوات السابقة والمتمثل بزيادة نفقات الميزانية مرة أخرى خلال العام الحالي ولو بشكل جزئي، لتنفيذ المهام العاجلة وتحفيز النشاط الاقتصادي.
ويُوضح للجزيرة نت أنه بعد 3 سنوات من بدء الحرب مع أوكرانيا، يمكن الاستنتاج أن الاقتصاد الروسي صمد إلى حد كبير أمام ضغوط العقوبات.
ويلفت إلى أنه من بين مختلف قطاعات الاقتصاد الروسي، هناك من يحقق أرباحا ومن يتكبد الخسائر في هذه الحرب، ولا تقتصر الأرباح على صناعة الدفاع فحسب، بل تشمل أيضا عددا من القطاعات المدنية البحتة التي تستفيد من إزالة المنافسة الأجنبية.

ثورة في الرواتب رغم الحرب
علاوة على ذلك، يُشير الخبير إلى أن روسيا تشهد رغم ظروف الحرب "ثورة في الرواتب"، حيث يتجاوز النمو الحقيقي لمتوسط الرواتب نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ، وبلغ 8% مقابل 3.5% في عام 2023 و9.1% مقابل 4.3% في عام 2024.
ويتابع لاشون بأن الرابحين هم قطاعات الجيش والتصنيع والزراعة والبناء والقطاع الرقمي، بينما الخاسرون هم وظائف الحكومة المدنية ومعظم وظائف قطاعي الخدمات وتجارة التجزئة.
العلاقات مع الغرب
يُؤكد الخبير أنه حتى إن انتهى الصراع مع أوكرانيا، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الغرب لن تعود إلى ما كانت عليه قبل ذلك.
فالتغييرات التي طرأت على مدى السنوات الثلاث الماضية -حسبما يقول- أثبتت أنها لا رجعة فيها، ولن تُقبل العلاقات الاقتصادية مع المنظومة الغربية إلا في المجالات الضرورية التي لا غنى عنها، أو في المجالات التي تعود بفوائد إستراتيجية واضحة على كلا الجانبين، مثل الصناعات التكنولوجية المتقدمة والطاقة ومشاريع القطب الشمالي.
إعلان
تباطؤ عالمي وصدمات تجارية
من جانبه، يقول محلل الشؤون الاقتصادية، أندريه زايتسيف، بأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي بسبب "حرب" التعريفات الجمركية التي بدأت سيؤثر على الاقتصاد الروسي كـ"صدمة" للتجارة الخارجية الروسية، من خلال تراجع عائدات التصدير نتيجة لانخفاض الأسعار، وانحسار مردود الميزانية، وتباطؤ الاقتصاد، وزيادة التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة.
لكن العواقب الرئيسية للحروب الجمركية على الاقتصاد الروسي تتمثل -وفق رأيه- في إضعاف اليوان الصيني، وبالتالي زيادة القدرة التنافسية للمنتجين الصينيين في الأسواق الأجنبية، بما في ذلك السوق الروسية.
ويُوضح زايتسيف أن روسيا، وإن لم تكن مدرجة في قائمة الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة لأن واشنطن تتفاوض معها حاليا، فإنه إذا "تمادى" الجانبان الأميركي والصيني في هذه المواجهة، فقد تكون النتيجة إضعاف العملة الصينية، وهذا بدوره يزيد من قدرة السلع الصينية على المنافسة في الأسواق الروسية، نظرا للحصة الكبيرة من الواردات الصينية إلى روسيا، وهو ما قد يخلق مخاطر على الاقتصاد الروسي.

ضغوط مزدوجة على الروبل والنمو
ووفقا له، فإن النتيجة الأكثر وضوحا للحروب التجارية هي تباطؤ الاقتصاد العالمي، وبالتالي تراجع الطلب على المواد الخام -الجزء الرئيسي من الصادرات الروسية- وبالتالي انخفاض عائدات التصدير في روسيا، مما قد يضع ضغوطا على العملة الوطنية، ويسبب بعض المخاطر التضخمية، ويجبر الحكومة على اتباع سياسة نقدية أكثر صرامة.
تراجع العائدات وارتفاع الاقتراض
ويلخص زايتسيف تأثير الحروب التجارية على روسيا بأنها ستؤدي إلى إبطاء معدل نمو الاقتصاد العالمي، وانخفاض الطلب العالمي على النفط والغاز والمعادن، وبالتالي إلى انخفاض أسعارها العالمية، مما سيكون له تأثير سلبي على روسيا باعتبارها اقتصادا موجها نحو التصدير.
ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سيؤدي انخفاض الأسعار إلى تراجع إيرادات المصدرين، يليه انخفاض الإيرادات الضريبية للخزانة. وعلى هذه الخلفية، من المتوقع أن يرتفع عجز الميزانية في روسيا.
وتقوم السلطات بإنفاق المزيد من الأموال من صندوق الرعاية الاجتماعية الوطني لتعويض هذا العجز.
إعلان
وقد تلجأ الحكومة الروسية لزيادة حجم الاقتراض في السوق المحلية، وهو ما سيؤدي إلى زيادة التضخم.
وبحسب المتحدث، فإن فقدان عائدات التصدير سيكون له أيضا تأثير سلبي على معدل النمو الاقتصادي، وسيؤدي إلى إضعاف الروبل.
0 تعليق