ثبت بالنص الصريح تبشير بعض النساء بالجنة. ومنهنَّ: حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما زوجة النبي صلي الله عليه وسلم.. فعَنْ أَنَسي. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ َالسَّلَامُ. فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ. طَلَّقْتَ حَفْصَةَ وَهِيَ صَوَّامَة قَوَّامَة. وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ. فَرَاجِعْهَا".
وهي أم المؤمنين حفصةپبنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وأمها زينب بنت مظعون رضي الله عنهم أجمعين.. ولدت في مكة قبل البعثة بخمس سنوات -وهو العام الذي شارك فيه النبي صلي الله عليه وسلم في بناء الكعبة. ولما بلغت سنّ الزواج تقدّم إليها خُنيس بن حُذافة السهمي فتزوّجها. حتي جاء ذلك اليوم المبارك الذي أشرقت فيه نفوسهما بأنوار الإيمان . واستجابا لدعوة الحق والهدي . فكانا من السابقين الأوّلين.
ولما أذن الله للمؤمنين بالهجرة. لحقت حفصة وزوجها بركاب المؤمنين المتّجهة صوب المدينة. حتي استقرّ بهم الحال هناك.. وما هو إلا قليلى حتي بدأت مرحلة المواجهة بين المؤمنين وأعدائهم. فكان خنيس من أوائل المدافعين عن حياض الدين. فقد شهد بدراً وأحداً. وأبلي فيهما بلاء حسنا. لكنّه خرج منهما مثخناً بجراحات كثيرة. ولم يلبث بعدها إلا قليلا حتي فاضت روحه سنة ثلاث للهجرة.پمخلّفا وراءهپحفصةپرضي الله عنها.
وشقّ ذلك علي عمر. واكتنفته مشاعر الشفقة والحزن علي ابنته. فأراد أن يواسيها في مصابها. ويعوّضها ذلك الحرمان. فقام يبحث لها عن زوجي صالح. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لقيت عثمان بن عفان. فعرضت عليه حفصة. فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر. قال عثمان: سأنظر في أمري. فلبث عثمان ليالي. ثم اعتذر لعمر بأنه لا رغبة له في الزواج. قال عمر: فلقيت أبا بكر. فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر. فسكت أبو بكر. ولم يُرجِع إلي عمر بجواب. قال عمر: فكان غضبي من فعل أبي بكر وعدم ردّه أشدّ من غضبي لرد عثمان. قال عمر: فلبثت ليالي. ثم خطبها رسول الله صلي الله عليه وسلم. فزوّجته إياها. فلقيني أبو بكر. فقال: لعله كان في نفسك شيء عليّ حين لم أُرجع إليك جواباً في حفصة؟. قلت: نعم. قال: فإنه لم يمنعني من ذلك إلا أني قد علمت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ذكرها. فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلي الله عليه وسلم. ولو تركها لقبلتها".
وهكذا شرّفها الله سبحانه لتكون زوجة للنبي صلي الله عليه وسلم. تقتبس من أنواره. وتنهل من علمه.پبما حباها الله من ذكاء وفطنة. وشغفي للمعرفة. ونلمس ذلك من أسئلتها التي تلقيها علي رسول الله صلي الله عليه وسلم استفهاماً للحكمة واستيضاحاً للحقيقة. فمن ذلك أنها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلا من أهل مكة. حتي إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم. فرجع من كان إمامهم لينظر ما فعل القوم. فيصيبهم مثل ما أصابهم". فقالت: يا رسول الله. فكيف بمن كان منهم مستكرها؟. فقال لها:پ"يصيبهم كلهم ذلك. ثم يبعث الله كل امرئ علي نيته".. وعنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "إني لأرجو ألا يدخل النار إن شاء الله أحداً شهد بدراً والحديبية". فقالت: "أليس الله عز وجل يقول: "وإن منكم إلا واردها". فأجابها:پ"ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا" "مريم: 72". يقول الإمام النووي معلّقا: فيه دليل للمناظرة والاعتراض. والجواب علي وجه الاسترشاد. وهو مقصود حفصة. لا أنها أرادت رد مقالته صلي الله عليه وسلم. وخلال السنين التي عاشتها في كنف النبي صلي الله عليه وسلم. ذاقت من نبيل شمائله وكريم خصاله . ما دفعها إلي نقل هذه الصورة الدقيقة من أخلاقه وآدابه . سواء ما تعلّق منها بهديه وسمته. ومنطقه وألفاظه. أو أحوال عبادته. أما أعظم مناقبها رضي الله عنها. فهو اختيارها لتحفظ نسخة المصحف الأولي. والتي جمعها أبوبكر رضي الله عنه من أيدي الناس بعد أن مات أكثر القرّاء. وظلت معها حتي خلافة عثمان.
وعاشت رضي الله عنها تحيي ليلها بالعبادة وتلاوة القرآن والذكر. حتي أدركتها المنيّة سنة إحدي وأربعين بالمدينة عام الجماعة في عهد معاوية بن أبي سُفيان -رضي الله عنه-. وكان تبلغ من العمر حين وفاتها ستّين عاماً.
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
0 تعليق