في تطور سياسي لافت، كشفت مصادر في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن مفاوضات مباشرة ومتقدمة تجري مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقد فتح الإعلان عن هذه المحادثات -التي جاءت بعد أشهر طويلة من العدوان الإسرائيلي- بابا واسعا للتساؤل حول طبيعتها ومآلاتها، وما إذا كانت ستمضي رغما عن إرادة حكومة الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو.
وبحسب ما نقلته الجزيرة عن قيادي في حماس فإن هذه المفاوضات تدور منذ أيام، وتشمل إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع المحاصر ووقف العمليات العسكرية.
وفي السياق ذاته، أكدت مصادر أميركية وإسرائيلية أن مبعوث واشنطن إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف ينسق الاتصالات مع إسرائيل وقطر ومصر، ويتباحث من خلالها مع حماس بشأن إطلاق الأسرى، في مسعى أوسع لإنهاء الحرب.
وتتزامن هذه المفاوضات مع توتر ملحوظ بين واشنطن وإسرائيل، بلغ ذروته بعد أنباء عن قطع ترامب الاتصال بنتنياهو، على خلفية ما قيل إنه "تلاعب" الأخير بالإدارة الأميركية، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية.
وفي هذا السياق، يرى دوغلاس باندو كبير الباحثين في معهد كيتو للدفاع -في فقرة تحليلية عبر الجزيرة- أن إدارة ترامب تدرك مسبقا رفض نتنياهو أي اتفاق لا يلبي شروطه، لكنها عازمة على المضي قدما ولو كلف ذلك غضب الحكومة الإسرائيلية.
إعلان
ضرر بمصداقية ترامب
وحذر باندو من أن أي تراجع من واشنطن أمام تعنت نتنياهو سيلحق ضررا كبيرا بمصداقية ترامب، مؤكدا أن الأخير يسعى لإثبات استقلاله عن الضغوط الإسرائيلية، وهو مستعد لتحدي موقف نتنياهو إذا اقتضت مصلحة الولايات المتحدة ذلك.
واعتبر كبير الباحثين في معهد كيتو للدفاع أن هذه الخطوة تكرس نهجا جديدا في تعاطي واشنطن مع ملف غزة، بمعزل عن الرؤية الإسرائيلية المتشددة.
ومن جانبه، رأى الأكاديمي والخبير بالشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن تصريحات نتنياهو حول "أيام مصيرية" تؤشر إلى وجود ضغوط كبيرة تُمارس على حكومته للقبول بصفقة تبادل تشمل وقفا طويلا لإطلاق النار.
واعتبر الدكتور مهند أن نتنياهو بات محاصرا داخليا وخارجيا، خصوصا بعدما فشلت إسرائيل في فرض شروطها خلال أشهر من التصعيد والتجويع في غزة.
وأشار إلى أن الحديث عن مقترحات جديدة بوساطة أميركية، أقل تشددا من الطرح الإسرائيلي، من شأنه أن يهدد مستقبل حكومة نتنياهو التي كانت قد واجهت انقسامات وانسحابات بعد اتفاقات سابقة.
وأضاف الخبير بالشأن الإسرائيلي أن أي هدنة لا تنسجم مع توجهات اليمين المتطرف قد تعجّل بانهيار الائتلاف الحاكم في إسرائيل، وهو ما يفسر تشدد نتنياهو ومناوراته المتكررة.
محددات حماس
في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة أن حماس التزمت حتى الآن بمحددات واضحة في أي مفاوضات تقوم على ضرورة وقف العدوان وانسحاب الاحتلال ورفع الحصار، ورفض أي طرح يهدف إلى نزع سلاح المقاومة أو إذلال الشعب الفلسطيني.
وأكد أن حماس رفضت بشكل قاطع مقترحات نتنياهو السابقة، والتي حاول تمريرها عبر الوسطاء تحت عنوان إعادة الأسرى مقابل "الاستسلام".
واعتبر الحيلة أن دخول الإدارة الأميركية على خط التفاوض أعاد الزخم السياسي للمبادرة، لكنه لا يضمن تلقائيا نجاحها، في ظل تعنت إسرائيلي وانقسام داخلي عميق في إسرائيل، مشددا على أن فشل الخيار العسكري أجبر الأميركيين على مراجعة مقاربتهم.
إعلان
وأضاف أن التحول الأميركي الأخير يعكس إدراكا متأخرا بأن استمرار الحرب أصبح عبئا إستراتيجيا على واشنطن في المنطقة.
ورأى الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري أن الواقع الميداني في غزة شكل ورقة ضغط قوية لصالح المقاومة، مما منحها قوة تفاوضية أمام الإدارة الأميركية.
وأوضح اللواء الدويري أن أداء حماس القتالي، لا سيما في رفح وبيت حانون، عزز من موقفها التفاوضي، وأجبر واشنطن على تقديم مقترحات جديدة لم تكن واردة قبل أسابيع فقط.
لكنه حذر في الوقت نفسه من أن التفاصيل المبهمة لأي اتفاق قد تكون فخا للمقاومة، خاصة في ما يتعلق بالسلاح وملف الأسرى، وهي أوراق لا يمكن التفريط بها.
ورقة السلاح ضرورية
وأكد الخبير العسكري أن التجارب السابقة، من طالبان إلى فيتنام، أثبتت أن السلاح هو ما يجبر القوي على التفاوض مع الطرف الأضعف، وأن المقاومة يجب أن تتمسك بهذه الورقة حتى ما بعد الاتفاق.
وبينما أعرب باندو عن قناعته بأن ترامب يراهن على فرض الاتفاق كأمر واقع على إسرائيل، شدد الدكتور مصطفى على أن نجاح ذلك مرهون بوجود ضغط أميركي حقيقي ومباشر على نتنياهو، لأن الملف الفلسطيني يُعد بالنسبة له مسألة بقاء سياسي.
ولفت الخبير بالشأن الإسرائيلي إلى أن أي تنازل من قبل نتنياهو سيعني عمليا نهاية حكومته، والذهاب نحو انتخابات مبكرة قد يخسرها.
وفي هذا السياق، أشار الدويري إلى أن حماس، رغم صمودها العسكري، لا يمكن أن تتجاهل الوضع الإنساني الكارثي في القطاع، وأن عليها أن تبدي مرونة محسوبة من أجل إنقاذ الشعب الفلسطيني من المجاعة.
واعتبر أن قبول حماس باتفاق جزئي، يشمل إطلاق بعض الأسرى ووقف العدوان لفترة مؤقتة، قد يكون خيارا اضطراريا تحت ضغط الواقع.
بينما يرى الحيلة أن إطلاق سراح الأسير الأميركي عيدان ألكسندر كبادرة تجاه ترامب قد يُستخدم ورقة لحسن النية، من دون أن يعني ذلك تنازلا جوهريا.
إعلان
وأكد أن أي مفاوضات مقبولة يجب أن تؤدي إلى وقف شامل ومستدام للعدوان وانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع، وإلا فإن المشهد سيعود إلى مربع التوتر والانفجار من جديد.
0 تعليق