في إطار التوجهات الاستراتيجية لجامعة القاهرة نحو تعزيز منظومة التعليم والتدريب التربوي، وتنمية مهارات المعلمين في ضوء التحولات الرقمية المتسارعة، تنظم كلية الدراسات العليا للتربية ندوة علمية مهمة بعنوان: "التمكين المهني للطالب المعلم وتوظيفه في ضوء الذكاء الاصطناعي"، وذلك صباح الأحد المقبل بمقر الكلية. تأتي الندوة تحت رعاية الدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، وبإشراف كل من الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا والبحوث، الدكتورة غادة عبد الباري، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، في تأكيد واضح على اهتمام الجامعة بدمج التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية، ورفع كفاءة الطالب المعلم لمواكبة متطلبات العصر.
تسلط الندوة الضوء على التجارب التطبيقية للطلاب المعلمين في أثناء تدريبهم العملي، ومدى استفادتهم من أدوات الذكاء الاصطناعي في تصميم وإنتاج محتوى تعليمي مبتكر، بما يسهم في تطوير مهاراتهم التدريسية.
كما تهدف إلى تعميق الفهم بأهمية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في دعم الأداء المهني للمعلمين، وتحقيق التواصل الفعّال بين الكلية والمدارس ومجتمع التعلم، في إطار استراتيجية شاملة تسعى لتأهيل كوادر تعليمية قادرة على الابتكار والإبداع.
ما الهدف الأساسي من الندوة التي عقدتموها مؤخرًا؟
تهدف الندوة إلى استعراض وتقييم جهود طلاب الكلية في تطبيق ما تعلموه عمليًا، وكذلك تسليط الضوء على دور مكتب التربية العملية، والمديرين والمشرفين في المدارس المتعاونة. منظومة التربية العملية لدينا تبدأ بتوزيع الطلاب على المدارس وفقًا لمكان السكن والتخصص، ثم تتم متابعتهم من قبل مشرفين أكاديميين متخصصين وأحيانًا من طلبة الدراسات العليا المؤهلين، بما يضمن تجربة تدريبية فعلية ومتكاملة.
كيف يتم توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تدريب الطلاب عمليًا؟
نحرص على توجيه الطالب خلال فترة التدريب العملي لتحقيق أقصى استفادة، من خلال تنسيق فعال بين إدارة المدرسة والمشرف الأكاديمي والطالب نفسه. لا نريد للطالب أن يخرج من التدريب دون اكتساب مهارات واقعية داخل الفصل. في الندوة، عرضنا أداء الطلاب ومستوى التعاون مع المدارس. كما نظمنا معرضًا ضم إنتاجًا طلابيًا استخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل تصميم وسائط تعليمية تفاعلية تعكس مدى جدية تطبيق المفاهيم التكنولوجية التي تعلموها.
ما طبيعة هذه الوسائط التعليمية؟ وكيف تُسهم في تجويد عملية التدريس؟
المنتجات الطلابية تمثل نقطة تحول، حيث نسعى لأن يكون المعلم المعاصر قادرًا على توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي بمرونة. لم نعد في زمن المعلم التقليدي، بل أصبح المعلم الرقمي هو النموذج الأمثل. ومن خلال المقررات الدراسية والتدريبات المتخصصة، زودنا الطلاب بأدوات متعددة، ليتمكنوا من إنتاج محتوى تفاعلي يناسب مراحل التعليم المختلفة، ويسهم في تحسين التفاعل داخل الفصل.
كيف تُؤهلون الطلاب والمعلمين للتعامل مع الذكاء الاصطناعي؟
بفضل توجيهات الدكتورة إيمان هريدي، عميدة الكلية، أنشأنا وحدة الذكاء الاصطناعي بهدفين رئيسيين: الأول، تأهيل أعضاء هيئة التدريس لاستخدام ونقل المعرفة والأدوات التكنولوجية بشكل أخلاقي ومنهجي. والثاني، إعداد الطالب المعلم ليمارس دوره المستقبلي بكفاءة. لذلك أطلقنا دورات تدريبية تستهدف تطوير مهارات الطلاب ومفاهيمهم، ليصبحوا أكثر استعدادًا للانخراط في بيئات تدريس حديثة.
ما الرسالة الأساسية التي تسعون لنقلها من خلال هذا التوجه؟
نريد أن نؤكد أن الذكاء الاصطناعي واقع قائم لا يمكن تجاهله، ويجب استثماره بما يتناسب مع طبيعة التخصصات والمراحل التعليمية. عملنا على تنظيم ورش تعريفية وندوات تمهيدية لتوضيح مفاهيم أساسية كتعلم الآلة والتعلم العميق، قبل تدريب الطلاب على أدوات محددة. لا يمكننا تعليم استخدام أداة دون بناء أساس معرفي نظري متين لدى الطالب.
هل هناك تركيز أيضًا على الطالب الباحث وليس فقط الطالب المعلم؟
بالطبع. الطالب الباحث يحتاج إلى إدراك كيفية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في إعداد رسالته العلمية، بدءًا من أدوات مثل ChatGPT وGemini، وصولًا إلى كيفية التحقق من مصداقية المحتوى وتوثيقه. نعمل على توجيههم للاستفادة من هذه الأدوات بذكاء وبشكل علمي دقيق، ونسعى لتوسيع قائمة التطبيقات التي يمكنهم الاعتماد عليها في أبحاثهم.
هل تشمل خطتكم نشر التدريب ليشمل المدارس والمجتمع؟
هذا جزء جوهري من خطتنا. بعد تدريب أعضاء هيئة التدريس والطلاب، نخطط لتقديم برامج تدريبية موجهة للمجتمع. نريد أن يعرف أولياء الأمور كيف يتعامل أبناؤهم مع أدوات الذكاء الاصطناعي، وأن نساعدهم في توجيه الاستخدام السليم. التدريب يجب ألا يقتصر على البيئة الأكاديمية، بل يمتد ليشمل الأسرة والمجتمع ككل، تعزيزًا لاستخدام واعٍ ورشيد لهذه التقنيات.
ما أبرز التوصيات التي خرجت بها الندوة؟
التوصية الأساسية كانت بضرورة الربط الفعلي بين ما يتلقاه الطالب من تدريبات في الكلية، وبين ما يطبقه في مدارس التدريب العملي. الطالب يجب أن يعرف كيف يوظف ما تعلمه في تصميم الدروس، وابتكار أساليب تدريس جديدة قائمة على التكنولوجيا. كذلك، شددنا على أهمية بناء وعي تقني لدى الطالب، فلا يقتصر الأمر على إتقان أداة واحدة، بل على امتلاك أساس معرفي يمكنه من التعامل مع أي تقنية مستقبلية بكفاءة ووعي.
كلمة أخيرة؟
نقول للجميع: العالم يتغير سريعًا، والذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من المنظومة التعليمية. علينا أن نواكب هذا التغير، ونتسلح بالمعرفة والتدريب، بما يتماشى مع استراتيجية الجامعة ووثيقة مصر الوطنية للذكاء الاصطناعي. المعلم هو محور التطوير، ويجب أن يكون مستعدًا دائمًا.
في ختام هذا اللقاء، تؤكد الدكتورة إيناس السيد محمد ناسه أن دمج الذكاء الاصطناعي في منظومة إعداد وتأهيل الطالب المعلم لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة تفرضها طبيعة العصر ومتغيراته التكنولوجية السريعة. فالتحول نحو المعلم الذكي والطالب الباحث القادر على توظيف الأدوات الرقمية الحديثة يتطلب تأهيلًا منهجيًا شاملًا يبدأ من الكلية ولا ينتهي عند حدود المدرسة. ومن خلال الجهود المبذولة داخل وحدة الذكاء الاصطناعي بكلية الدراسات العليا للتربية، تتجلى رؤية جامعة القاهرة في تقديم تعليم عصري، قائم على الابتكار والوعي التكنولوجي، يواكب تطلعات الدولة المصرية نحو التحول الرقمي، ويسهم في تحقيق أهداف وثيقة مصر للذكاء الاصطناعي. كما أن التوصيات التي خرجت بها الندوة تمثل خارطة طريق مهمة لتعزيز التكامل بين الجوانب النظرية والعملية في إعداد المعلم، وتوسيع نطاق الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل المجتمع، بما يشمل الأسر وأولياء الأمور، لبناء وعي مشترك يعزز من الاستخدام الرشيد للتكنولوجيا في التعليم.
0 تعليق