عاجل

مخيمات شمال الضفة.. من محطة انتظار إلى حلم بالعودة - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

جنين- "والدتي نسيت طفلتها الرضيعة في مغارة على الطريق بين جنين وطولكرم بعد تهجيرها من قرية المنسي بقضاء حيفا عام 1948″، بهذه الحادثة الصعبة بدأت نهاية الجندي (53 عاما) حديثها عن ذكريات عائلتها مع النكبة.

هُجّرت عائلة الجندي من قريتها إلى منطقة جنزور في جنين، قطعت الطريق مشيا على الأقدام وهناك مكثت بضعة أشهر حتى جاء الشتاء وكان قاسيا، حمل معه الثلوج واضطر الناس إلى النزوح مرة أخرى، فخرجت الأسرة إلى طولكرم وقضت أياما في العراء، وفي الطريق لجأت إلى مغارة، وحين أكملت طريقها كانت الأم قد نسيت طفلتها الرضيعة.

ولم تتذكرها إلا عند وصولها مخيم نور شمس في طولكرم حيث كانت محطة اللاجئين القادمين من جنزور. مر يوم كامل قبل أن يجد الناس الرضيعة ويحملونها إلى أمها.

فاطمة محمود الجزيرة نت نور شمس فلسطين_ جزء من الدمار في منازل المواطنين في مخيم نور شمس
الاحتلال خلف دمارا في منازل الفلسطينيين بمخيم نور شمس (الجزيرة)

مشاهد مكررة

"كان النمل يغطي جسدها الصغير، تقول والدتي ولم تكن وحدها، فكثير من الناس تركوا خلفهم أموالا ومصاغا ذهبيا وأشياء أخرى ثمينة، فالطريق طويل جدا والناس قطعته مشيا" كما تقول الجندي للجزيرة نت.

يتذكر أهالي المخيمات في شمال الضفة الغربية أحداث النكبة، ويشعر من عايشها منهم أو سمع بتفاصيلها أن المشاهد تتكرر بعد 77 عاما. ويرون أن التكرار شمل المصطلح بشكل دقيق، لكنه اختلف عنها في 48 من حيث الوجع والقهر وقسوة الظرف.

تقول الجندي "نعم ما حدث الآن في المخيمات هو نكبة جديدة، لكنها أشد قسوة. فعلى الرغم من صعوبة ما حدث من تهجير وقتل سابقا، فإن ما نعيشه اليوم في المخيم هو نمط جديد للاحتلال لم يطبق لا في 48 ولا في كل مراحل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، لأنه يقوم على تهجير الناس وهدم بنايات وعمارات كاملة ثم عدم السماح لهم بالبناء من جديد".

فاطمة محمود الجزيرة نت نور شمس فلسطين_ جزء من الدمار في منازل المواطنين في مخيم نور شمس
الاحتلال يتعمد هدم منازل الفلسطينيين في مخيم نور شمس حتى لا يعودوا إليها (الجزيرة)

نزحت نهاية من منزلها في مخيم نور شمس في اليوم الثالث للعملية العسكرية الإسرائيلية فيه، بعد محاصرتها بداخله مع ابنتها البالغة 14عاما مدة 72 ساعة، بينما نزحت والدتها (100عام) من منزلها على الشارع الرئيسي للمخيم إلى منزل بناتها في منطقة جبلية. وبعد إبلاغ جيش الاحتلال بضرورة إخلاء المنزل، هجّرت بمساعدة سيارة إسعاف إلى ضاحية إكتابا في مدينة طولكرم، وتقول إن والدتها تردد دائما "أنا شخص كُتب له التهجير طوال حياته".

إعلان

وهجّر الاحتلال 13 ألف شخص من مخيم نور شمس شرق طولكرم، هم لاجئون أصلا، كانت إسرائيل قد طردتهم من قراهم ومدنهم في حيفا ويافا وعكا وغيرها. ويرى الأهالي أن خطة الاحتلال هي إرجاع المخيمات إلى حالتها عام 1948 بتغيير معالمها وهدم المنازل لإحداث مساحات فارغة في عمقها.

وتضيف الجندي أن "نور شمس مبني بطريقة حالت دون دخول قوات الاحتلال إلى حاراته وأحيائه وهو ما لا تريده إسرائيل. واللافت أن الخرائط التي وُزعت من قبل جيش الاحتلال للمنازل التي ستهدم في المخيم تشبه تلك الموجودة لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في السنوات الأولى لبنائه، وذلك يعني أن إسرائيل تريد أن تعيده لحالته الأولى عام 1953″.

مستقبل مجهول

في "حرش السعادة" بالقرب من بلدة برقين الذي نزح إليه جميل سلامة من مخيم جنين، يتذكر حديث والده عن تهجيرهم من قرية أم الزيات بقضاء حيفا بعد هجوم "العصابات الصهيونية" وقتل عمه قاسم سلامة، ويقول إن ما رواه والده يشبه إلى حد كبير ما يحدث اليوم في جنين، لكن المشهد اليوم أكثر صعوبة لأن حياة الناس توقفت ومستقبلهم مجهول.

ويرى سلامة أن العودة إلى المخيم أصبحت حلما، وأن حياة المخيم صارت ذكرى بكل تفاصيلها. ويقول إن "العالم كله مستمر بحياته وأهل المخيمات انتهت حياتهم، حتى إن انسحب الجيش منه كيف ستتم إعادة إعماره؟ حياتنا تغيرت ونعيش ظروفا قاسية جدا، لا يوجد أمان ولا مسكن مع ظروف اقتصادية سيئة للغاية".

يعتبر أهالي المخيم أن بعض المفاهيم قد تكون تأثرت بعد هدم الاحتلال للمخيمات، فمفهوم العودة أصبح مرتبطا بخروج الاحتلال منها وعودة النازحين إليها، ومفهوم اللاجئ استُبدل بنازح، والأجيال الجديدة ستكبر على فكرة التهجير في داخل الضفة وليس من أراضي الـ48.

صورة ٣_ فاطمة محمود الجزيرة نت جنين فلسطين _ مدخل مخيم جنين _ الاقواس_ بعد هدمه بجرافات الاحتلال واغلاقه بالسواتر الترابية
مدخل مخيم جنين بعد هدمه بجرافات الاحتلال وإغلاقه بالسواتر الترابية (الجزيرة)

وبحسب عبد الرحمن الزبيدي، فإن ما يعيشونه اليوم هو النكبة ذاتها، وهو أكبر وأقسى النكبات التي مرت بالشعب الفلسطيني. ويتحدث للجزيرة نت عن إحساس أهالي المخيم بعد 4 أشهر من تهجيرهم ونزوحهم وتشتتهم في بلدات جنين وقراها.

وقال "عمري 51 سنة، سمعت كثيرا عما حدث في سنة 48 وبعدها، وقرأت كثيرا عن صراعنا الفلسطيني مع الاحتلال، كل ما أراه اليوم يحدث في مخيم جنين يعطيني وميضا في عقلي لما سمعت عنه، ومباشرة يتحول إلى صور سوداء تتجسد أمامي على أرض الواقع وأعيشه أنا والعائلة التي لجأت من قيساريا إلى جنين. ليس فقط عذاب الهجرة، لكن كل التفاصيل التي حدثت معهم سواء بالفرح أو الحزن".

إعلان

نكبة جديدة

ويتابع الزبيدي "نعم عادت النكبة بكل تفاصيلها، نحن عايشنا كل ما حدثني عنه والدي، وهذا يؤكد أن كل تفصيل مر به أهلنا وأجدادنا كان صادقا وحقيقيا، الفكرة أننا عايشنا هذه المرحلة نحن وأطفالنا الذين سيذكرونها لـ50 سنة لاحقة".

ووفقا له، فإنه وكل أهالي المخيم يؤمنون بأن المنزل هو وطن صغير والكل متعلق به، و"لكن الاحتلال هدم هذا الوطن". ويقول "أصعب أنواع القهر والظلم هو ممارسة التهجير ضد أي انسان، لا أحد يمتلك الحق بطرد أي شخص من أرضه وبيته، نحن خلقنا في أراضينا في 48، وسنعود إليها حتى ولو بعد سنين طويلة".

نزح الزبيدي من منزله منذ بداية العملية العسكرية الإسرائيلية في المخيم، وسكن في بلدة الزبابدة بداية ثم انتقل إلى منطقة واد برقين، لكن لم يستطع الابتعاد عن بيته وكان ينتظر يوميا أن تشرق الشمس للذهاب لأقرب منطقة مطلة عليه ويقضي وقتا طويلا وهو يراقبه، كما يؤكد.

ويعتبر أهالي مخيم جنين أنه محطة انتظارهم لحين العودة إلى الناصرة وقيساريا ويافا والمنسي وزرعين، وهو النقطة الأقرب لهذه المناطق، ومنه كان باستطاعتهم النظر إليها. اليوم أصبح المخيم منطقة عسكرية إسرائيلية مغلقة يُمنع الدخول إليها أو الاقتراب منها، وصار حلما لكل اللاجئين للعودة إليه وإعادة بنائه مرة أخرى.

يوضح الزبيدي أن "لاجئي المخيم سكنوا جنزور قرب بلدة قباطية عام 1948، لكن جنزور لا يطل على قراهم التي هُجروا منها لذا بنوا خيامهم في مخيم جنين وصار محطة انتظارهم لحين العودة. اكتشفتُ بعد بلوغي 50 من العمر أن مجرد قدرتي على رؤية البلاد من المخيم هي جزء من احتياجاتي كصاحب لها، وهذا رأي كل الأهالي، فإن لم نستطع الوصول إلى البلاد، على الأقل يصل نظرنا إليها".

ويختم " كل حياتنا انتظار، ما دام الاحتلال مستمرا فنحن ننتظر العودة، ليس فقط للبيت والأرض، لكن للحياة الطبيعية التي حُرمنا منها كبقية شعوب العالم".

إعلان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق