واشنطن- قوبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتزامه رفع العقوبات عن سوريا بتصفيق مطول في منتدى الاستثمار السعودي. وفي اليوم التالي، التقى ترامب -بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان– الرئيس السوري أحمد الشرع، في ما يُعد أهم حدث تشهده علاقات الدولتين منذ عقود.
وأشادت دمشق بتصريحات ترامب واعتبرتها محورية لإعادة بناء سوريا بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب والعزلة الدولية. وفي لقائه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، أقر ترامب بأن "العقوبات معوقة حقا وقوية للغاية"، وأن رفعها سيعطي سوريا "فرصة للعظمة"، واعترف بأن "الأمر ليس سهلا على أي حال".
لكن في واشنطن، جاءت ردود الفعل مرتبكة ومتناقضة، إذ قال للجزيرة نت مسؤول أميركي سابق -تحفظ على ذكر اسمه- إن "الأقوال أسهل من الأفعال؛ ما قاله ترامب عفوي وغير مخطط له، ومن الصعب تصور رفع كل العقوبات التي فرضتها الإدارات الأميركية المتتالية الديمقراطية والجمهورية على مدار نحو 4 عقود، والتي شملت مختلف القطاعات داخل سوريا، بسهولة أو بسرعة".
ورجح أن يستغرق رفع العقوبات شهورا، وربما سنوات، إذا لم يبادر الكونغرس باتخاذ خطوات سريعة لتنفيذ ما قرره ترامب.
مطالب أميركية
يُذكر أن فرض العقوبات الأميركية بدأ منذ عام 1979 على نظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، بعدما أدرجت واشنطن دمشق لأول مرة على قائمة الدول "الراعية للإرهاب"، واستمرت وتضاعفت في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، خاصة بعد بدء الثورة عام 2011، وظلت سارية بعد فرار الأسد وسقوط نظامه في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.
إعلان
في حديث للجزيرة نت، أشار السفير فريدريك هوف، المبعوث السابق لسوريا والأستاذ بجامعة بارد بولاية نيويورك والخبير بالمجلس الأطلسي بواشنطن، إلى أن "اللقاء بين ترامب والشرع جاء نتيجة جهود مكثفة من قبل السعودية وتركيا والإمارات وقطر".
وحسب هوف، يتطلب قرار ترامب بالسعي إلى إلغاء العقوبات على سوريا تحركا من الكونغرس، "فقد اتخذ ترامب بنفسه قرار لقاء الرئيس السوري دون نقاش كثير مسبق بين الوكالات المختلفة في الحكومة الأميركية، وبالتالي كان مفاجئا إلى حد ما".
وعقب اللقاء، نشرت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت -عبر منصة إكس- ما يشبه بيانا تفصيليا عن توقعات واشنطن من الحكومة السورية الجديدة. وذكرت 5 نقاط على النحو التالي:
الانضمام لاتفاقيات أبراهام لتأسيس علاقات مع إسرائيل. طرد جميع الإرهابيين الأجانب من سوريا. ترحيل "الإرهابيين الفلسطينيين" إلى خارج سوريا. العمل مع واشنطن على منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية. تحمل المسؤولية عن مراكز الاحتجاز في شمال شرق سوريا.واعتبر السفير هوف أنه من "مصلحة الشرع تخليص سوريا بالكامل من الإرهابيين. وسيستغرق الأمر وقتا وتخطيطا دقيقا للقيام بذلك، لأنه وزملاءه المقربين لا يحتكرون القوة المسلحة في البلاد".
طريق طويل
وعقب لقاء وزراء خارجية سوريا وتركيا والولايات المتحدة أمس الخميس بمدينة أنطاليا، قال الوزير الأميركي ماركو روبيو إن "هذه فرصة تاريخية لسوريا، لكن الطريق سيكون طويلا".
وعن مصير العقوبات المفروضة على سوريا منذ سبعينيات القرن الماضي، رجح هوف أن يعقد الكونغرس جلسات استماع ويتحرك لتفكيك نظامها، "لم يتضح بعد إذا ما كان التفكيك سيتحرك بسرعة أم بصورة تدريجية. أظن أن ترامب سيوجه تعليماته بتعليق إنفاذها بينما يمضي الكونغرس في مساره".
وأشار تقرير لوكالة رويترز إلى أن مسؤولي العقوبات في وزارتي الخزانة والخارجية فوجؤوا بقرار ترامب، خاصة مع عدم إجراء أي مناقشات داخلية حول هذه القضية مؤخرا. وقال مسؤول كبير للوكالة إن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيهات لمسؤولي العقوبات في الوزارتين للاستعداد للفك، ولم ينبههم إلى أن إعلان الرئيس وشيك.
إعلان
ومما يزيد المهمة تعقيدا العقوبات المفروضة بموجب "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين"، الذي اُقر عام 2019 ومُدِّد أواخر العام الماضي بعد سقوط نظام الأسد، والذي فرض عقوبات صارمة ليس فقط على حكومة الأسد، ولكن فرض أيضا أخرى ثانوية على الشركات الخارجية أو الحكومات التي عملت معها.
وعلى هامش هذه التطورات، التي تضمنت مطالبة الشرع ترامب بالاستثمار في قطاع النفط والغاز السوري، والمساعدة على جعل دمشق مركزا تجاريا مستقبليا، هاجم أنصار إسرائيل في واشنطن خطوة ترامب، وطالبوه بالتأني في منح هذه الثقة للنظام السوري الجديد.
وانتقدت قرارَ ترامب منظمة الدفاع عن الديمقراطيات "إف دي دي"، وهي مركز بحثي شديد القرب من الحكومة الإسرائيلية.
ردود فعل
في حين طالب آرون زيلين، خبير الشؤون السورية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤلف كتاب "عصر الجهادية السياسية: دراسة لهيئة تحرير الشام"، بأن يخدم تواصل واشنطن مع دمشق المصالح الأميركية، وعلى رأسها إخراج المقاتلين الأجانب، ووضع مسار للتطبيع مع إسرائيل وتقديم ضمانات أمنية لها، بما يمهد لانسحاب جيش الاحتلال من الأراضي التي انتشر فيها بعد سقوط نظام الأسد.
بيد أن الكونغرس لم يُظهر موقفا موحدا من دعوة ترامب، وانقسم الأعضاء بين مؤيدين ومتحفظين، ومن يطالب بوضع شروط لمراحل تدريجية لرفع العقوبات عن سوريا.
ودعا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام -في بيان له- إلى اتباع نهج حذر ومدروس لرفع العقوبات عن سوريا، وأكد أن الكونغرس لديه دور رقابي كبير يلعبه. وقال إنه "يميل بشدة إلى دعم تخفيف العقوبات في ظل الظروف المناسبة"، لكنه حذر من أن الحكومة السورية "استولت على السلطة بالقوة"، واعتبر أن التنازل عن العقوبات عملية معقدة"، كما أشار إلى "ضرورة أن يتم ذلك بطريقة منسقة مع حلفائنا، وخاصة أصدقاءنا في إسرائيل".
إعلان
وأضاف غراهام أن المسؤولين الإسرائيليين "قلقون للغاية بشأن الوضع في سوريا"، وأنه يخطط لمناقشة هذه المخاوف والبقاء على اتصال وثيق معهم بشأن مصير هذه العقوبات.
في المقابل، مدح السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قرار ترامب وطالب "بتخفيف تدريجي ومشروط للعقوبات المفروضة على سوريا".
كما أشادت السيناتورة الديمقراطية جين شاهين بالقرار وطالبت -بالمثل- بتخفيف مشروط لها، وقالت "أُثني على قرار ترامب، نجحت هذه العقوبات في هدفها الأصلي المتمثل في المساعدة في إسقاط نظام الأسد الوحشي. أرحب بإزاحتهم الآن لمنح سوريا الجديدة فرصة للتطور إلى دولة حرة ومزدهرة مستقلة عن النفوذ الخبيث لروسيا وإيران والصين".
0 تعليق