مناورات بريطانيا بين التزامات البريكست وطموحات الاتفاقيات التجارية مع أوروبا - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

لندن- يبدو أنه بعد أن استشعر البريطانيون وجيرانهم الأوروبيون الأثمان الباهظة التي دفعت مقابل قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يستعد الجانبان لطي صفحة "بريكست" وإبرام اتفاق جديد يصلح ما أفسدته سنوات الانفصال الصعبة.

ويلتقي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر القادة الأوروبيين في العاصمة لندن لأول مرة منذ توقيع اتفاق فك الارتباط بين بلاده والاتحاد الأوروبي قبل 5 سنوات، في محاولة لحل عقد الخلاف العالق في أكثر من ملف ورص الصفوف من جديد مع شركائه الأوروبيين.

وقال ستارمر، إنه يوشك على عقد صفقة مع الاتحاد الأوروبي تضخ دماء جديدة في الاقتصاد البريطاني، وتفي حكومته من خلالها بوعدها الانتخابي بإعادة تأهيل العلاقات مع الكتلة الأوروبية وإخراج البلاد من دوامة أزمات "البريكست".

تعرف على النقاط المتعلقة بإيرلندا الشمالية في البريكست
الأوروبيون يفاوضون على رفع الحواجز على السلع البريطانية مقابل توقيع بريطانيا على اتفاق صيد جديد (الجزيرة)

عقيدة البريكست

لكن يبدو أن كلا من البريطانيين والأوروبيين لا يجيدون -كلما جلسوا إلى طاولة واحدة- إلا الخوض بالمباحثات المعقدة بحساسية سياسية عالية، إذ يعكف الجانبان منذ أسابيع على بحث تفاصيل الصفقة التي يمثل اتفاق التعاون الدفاعي عصبها المحرك، في حين يسعيان لانتزاع تنازلات متبادلة تتعلق باتفاقيات الصيد والرقابة على المنتجات الغذائية والزراعية، فضلا عن تنقل الشباب بين طرفي الحدود.

وفي الوقت الذي يصر فيه رئيس الحكومة البريطاني كير ستارمر على تبني نهج البراغماتية السياسية في إدارة علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، يحذّر خصومه من "خيانة عقيدة البريكست" وتهديد مكسب استقلال القرار البريطاني عن مركزية القرار الأوروبي.

فقد هددت زعيمة حزب المحافظين (المعارض) كيمي بادونيك بتمزيق أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يتجاوز الخطوط الحمر لقرار "البريكست" إذا عاد حزبها للسلطة، متهمة ستارمر بتقديم مزيد من التنازلات بدل انتزاع مكاسب حقيقية.

إعلان

يذكر أن البريطانيين صوتوا في يونيو/حزيران 2016 على قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة تأييد بلغت 51%، وخاض المفاوضون في بروكسل ولندن على مدى 3 سنوات جولات صعبة من المفاوضات قبل التوقيع على اتفاق الانفصال عام 2020.

محرك الشراكة

وبادر رئيس الوزراء البريطاني ستارمر إلى الحشد لـ"تحالف الراغبين" بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلطة وتلويحه بالتخلي عن الحلف الدفاعي مع الأوروبيين، خاصة على جبهة القتال ضد روسيا في أوكرانيا، وهو ما شجع الأوروبيين على إبرام شراكة دفاعية أوسع مع بريطانيا لإعادة بناء منظومة الدفاع الأوروبية.

وسيمنح الاتفاق الدفاعي الجديد الشركات البريطانية فرصا أفضل للمشاركة في مشاريع التصنيع الحربي، والحصول على قروض أوروبية لفائدة شركات الصناعات الدفاعية البريطانية، في سياق السباق الأوروبي لإعادة التسلح وبناء قدرات دفاعية مستقلة عن الحليف الأميركي.

ويرجح ديفيت هينيغ، مدير برنامج السياسات التجارية البريطانية بالمعهد الأوروبي للاقتصاد السياسي، في حديث للجزيرة نت، أن مبادرة بريطانيا لدعم تحالف عسكري مع الأوروبيين كانت إشارة حسن نية التقطها الطرفان لبناء علاقات تجارية أقل تعقيدا، إذ سينطلق مسارها خلال القمة الأوروبية البريطانية في لندن، وسيحتاج لبعض الوقت لتتبلور مخرجاتها بوضوح.

ويرى الباحث البريطاني في السياسات التجارية، أنه رغم صعوبة تجاوز جروح "البريكست"، فإن تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي يمثل المكسب التجاري الأكبر الذي يمكن أن تحققه الحكومة الحالية بغض النظر عن ضعف المكاسب الفورية وطول مدة التفاوض.

Britain's Prime Minister Keir Starmer delivers a statement on Ukraine at the House of Commons, in London, Britain, March 3, 2025. © House of Commons/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. MANDATORY CREDIT. IMAGE MUST NOT BE ALTERED.
ستارمر يحاول إقناع البريطانيين بجدوى الاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي في تحسين معيشتهم اليومية (رويترز)

مفاوضات تجارية شاقة

لكن ما يجري من تفاهم بريطاني أوروبي في مجال الدفاع قد يكون صعب المنال في قطاعات أخرى، إذ لا ترغب الحكومة البريطانية في أن يتخطى طموح الاتفاقيات التجارية خطوط "بريكست" الحمر، مثل طلب العودة للسوق الأوروبية المشتركة، بينما تسعى بجهد لتخفيف التفتيش والحواجز التجارية المعقدة على تصدير المنتجات الغذائية والنباتية إلى السوق الأوروبية.

إعلان

لكن في المقابل، يصر الاتحاد الأوروبي على خضوع تلك المنتجات للمعايير الصحية الأوروبية، ويشترط لتسهيل حركة الصادرات قبول بريطانيا برقابة المحكمة الأوروبية على بنود الاتفاقية.

ويقايض المفاوضون الأوروبيون، خاصة الفرنسيين، رفع الحواجز على السلع البريطانية مقابل توقيع بريطانيا على اتفاق صيد جديد، يمنح الصيادين الأوروبيين حقوقا طويلة الأمد للصيد في المياه الإقليمية البريطانية، بعد انتهاء مدة صلاحية الاتفاق الحالي نهاية العام المقبل.

وترى صحيفة إندبندنت البريطانية، أن هذه الشروط الأوروبية قد تعقد تنفيذ اتفاقيات أخرى أبرمتها بريطانيا مع شركاء تجاريين آخرين، كالولايات المتحدة والهند.

فقد استطاعت حكومة حزب العمال البريطانية خلال الأسبوعين الماضيين تأمين اتفاق تجارة حرة مع الهند، بعد مفاوضات شاقة امتدت إلى نحو 3 سنوات، في حين تقدمت صفوف الموقعين على اتفاق تجاري مع إدارة الرئيس الأميركي ترامب لتخفيف الرسوم الجمركية الأميركية.

وفي هذا السياق، يرى ستيف وولكوك أستاذ التجارة الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية -في حديث للجزيرة نت- أن بريطانيا تتمتع بهامش تفاوضي أكبر حين تبرم اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، لكن تبدو تلك المهمة صعبة مع الاتحاد الأوروبي لارتباط المفاوضات بحساسيات سياسية وتفاصيل تقنية وقانونية معقدة، تفرضها طبيعة هياكل الاتحاد وسياساته.

خيارات حزب العمال

من جهته، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بزهو، أن حكومته على أبواب تأمين صفقات تجارية كبرى مع 3 من أهم الأسواق التجارية في العالم خلال أقل من 3 أسابيع، بعد انتزاعها اتفاقا تجاريا مع كل من الهند والولايات المتحدة، واستعدادها للتوقيع على صفقة الشراكة الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي.

ويلمح ستارمر إلى أنه نجح بإصراره على عدم المفاضلة بين أي من شركائه الدوليين، إذ أمّن صفقات مع الجميع، سعى خلالها بواقعية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الممكنة للاقتصاد البريطاني الذي يعاني منذ سنوات.

إعلان

ويضيف الخبير الاقتصادي البريطاني وولكوك، أن الحرب التجارية -التي أطلقها الرئيس الأميركي- ساهمت في دفع الأوروبيين والبريطانيين لتكثيف جهودهم للتوصل إلى صفقة تجارية، تحاول تجاوز حالة الفوضى الحالية التي فرضتها سياسات ترامب التجارية.

ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لبريطانيا، حيث تتوجه 41% من الصادرات البريطانية للسوق الأوروبية، بينما تتجاوز نسبة واردات بريطانيا من دول الاتحاد نسبة 51%.

ويحاول رئيس الوزراء البريطاني أن يخاطب الناخبين بلغة تجعل من الاتفاقيات التي لا يتردد في إبرامها مكسبا انتخابيا، محاولا إقناع البريطانيين بجدواها ومساهمتها في جلب آلاف الوظائف الجديدة وتحسين معيشتهم اليومية.

ودفعت الخشية من عرقلة تنفيذ سياسات الهجرة المتشددة التي تبنتها حكومة حزب العمال، لتحفّظ المفاوضين البريطانيين على إبرام اتفاقية تسهيل حركة الشباب دون سن الثلاثين على طرفي الحدود بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

ويحاول حزب العمال -بتبنيه سياسات هجرة متشددة- التصدي للصعود غير المسبوق لحزب الإصلاح اليميني المتطرف بعد تصدره نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، إذ يسعى رئيس الحزب نايجل فاراج لانتخابه رئيسا للوزراء في الانتخابات المقبلة.

ورغم مرور سنوات على اتخاذ قرار فك الارتباط بالاتحاد الأوروبي، لا يزال البريطانيون يؤنبون بعضهم بعضا على اتخاذ القرار، إذ كشف استطلاع للرأي -أجرته مؤسسة "يوغوف" البريطانية المستقلة- أن 72% من البريطانيين يدعمون علاقات تجارية متقدمة مع الاتحاد الأوروبي، وأن 31% منهم يدعمون العودة للسوق الأوروبية المشتركة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق