تعيش وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) واحدة من أكثر مراحلها اضطراباً في السنوات الأخيرة، وسط أزمة داخلية متصاعدة تتعلق بتسريب معلومات أمنية حساسة، واتهامات تطال شخص وزير الدفاع نفسه، بيت هيجسيث، بتعريض أمن العمليات العسكرية للخطر، عبر قنوات تواصل غير رسمية.
تسريبات خطيرة.. ودائرة غير رسمية من الثقة
بحسب ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز، فإن هيجسيث شارك معلومات تتعلق بجدول ضربات جوية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، من خلال مجموعة دردشة على تطبيق "سيجنال"، ضمت زوجته، وشقيقه، ومحاميه الشخصي، بالإضافة إلى عدد من أصدقائه المقربين. ما يثير تساؤلات جدية حول خروقات للبروتوكولات الأمنية واستخدام قنوات خاصة لتداول معلومات مصنفة على أنها حساسة أو سرية.
ما يزيد من تعقيد الموقف أن هذه المحادثات – التي تعود إلى يناير، أي قبل تثبيت هيجسيث رسميًا وزيرًا للدفاع – جرت من خلال هاتفه الشخصي، وليس الهاتف الحكومي المؤمَّن، ما يُعد مخالفة صريحة لمعايير أمن المعلومات في مؤسسات الأمن القومي.
البنتاجون في دوامة الإقالات والتسريبات
الأزمة لم تتوقف عند الوزير، بل شملت موجة من الإقالات التي طالت ثلاثة من كبار مساعديه، بالإضافة إلى الإعلان عن مغادرة كبير موظفيه، جو كاسبر. كما تم التحقيق مع عدد من المسؤولين، بينهم دان كالدويل وكولين كارول، على خلفية اتهامات بتسريبات أخرى تتعلق بإحاطة سرية كان من المقرر إجراؤها لإيلون ماسك حول سيناريوهات عسكرية محتملة في حال نشوب صراع مع الصين.
المفارقة أن كاسبر نفسه، الذي قاد التحقيقات الداخلية، أصبح لاحقًا أحد ضحايا الإقالات، في مشهد يعكس الفوضى الداخلية والانقسام الحاد داخل أروقة الوزارة.
دفاع رسمي.. وهجوم على الإعلام
المتحدث باسم البنتاجون، شون بارنيل، سارع إلى نفي الاتهامات الموجهة للوزير، واصفًا ما نشرته الصحيفة بأنه "قصة قديمة أعيد تدويرها"، ومهاجمًا وسائل الإعلام التي وصفها بـ"الزائفة والمعادية لأجندة الرئيس دونالد ترمب"، دون أن يؤكد أو ينفي بشكل مباشر وجود المحادثة المشار إليها.
هذا الموقف الدفاعي لم يقنع كثيرين، لا سيما بعد تعليق زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، الذي اعتبر أن ما قام به هيجسيث "يعرض حياة الأمريكيين للخطر"، مطالبًا بإقالته الفورية.
زوجة الوزير.. حضور لافت دون صفة رسمية
جزء من الانتقادات تركز أيضًا على الدور غير الرسمي الذي تلعبه جينيفر هيجسيث، زوجة الوزير ومنتجة سابقة في شبكة فوكس نيوز، التي رافقت زوجها في عدة مهام خارجية واجتمعت مع قادة عسكريين ومسؤولين أجانب، رغم أنها لا تحمل أي صفة حكومية. ويمثل وجودها في دردشات خاصة يتم فيها تداول معلومات عسكرية، نقطة مثيرة للجدل بشأن حدود النفوذ العائلي في مؤسسة يفترض أنها من أكثر مؤسسات الدولة انضباطًا وسرية.
أزمة التسريبات في البنتاجون تكشف أكثر من مجرد تجاوزات فردية، فهي تعكس تآكلًا خطيرًا في معايير العمل المؤسسي داخل واحدة من أهم مؤسسات الأمن القومي الأمريكي. وتحول وزارة الدفاع إلى ساحة لتبادل النفوذ العائلي، وإقحام شخصيات خارج الإطار الرسمي في نقاشات استراتيجية، يهدد ليس فقط بسوء إدارة داخلية، بل بأضرار استراتيجية على مستوى السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
كما تعكس هذه الفوضى هشاشة العلاقة بين البيت الأبيض والبنتاجون، خاصة في ظل إدارة متوترة سياسيًا، تسعى للحفاظ على تماسك أجهزتها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أخبار متعلقة :