بعد أن ازداد انتشار الدعوة الإسلامية بين القبائل بدأ الكفار يضيقون الخناق علي المسلمين خاصة داخل مكة وكانوا يعذبونهم أيما عذاب.. فعندئذي علم رسول الله -صلَّي الله عليه وسلَّم- أنَّه لن يستطيع إقامة دولةي للمسلمين وسط هذا الرَّفض الشَّديد. فكان ذلك سبب هجرة الرسول وصحابته. فجعل ينشر الإسلام خارج مكَّة المكرَّمة. وكما جاء سابقا دخل معه الكثير من الأوس والخزرج في الإسلام. وبايعوه بيعتي العقبة الأولي والثَّانية. وعاهدوه علي نصرة الإسلام والمسلمين.
وبعدما بدأ عدد المسلمين في مكة وما حولها في الازدياد. بدأت قريش تشعر بأن الميزان سوف يميل لصالح الإسلام. وهذا بالطبع ضد العديد من مصالحها الدينية والاقتصادية والاجتماعية. لأن الإسلام جاء ليهدم أسس النظام الاجتماعي القائم علي العداوة والبغضاء والظلم. ويساوي بين السادة والعبيد في الحقوق والواجبات. وما كان ذلك ليرضي سادة قريش. لذا كلما ازداد عدد الأفراد الذين يدخلون يوميًا في الإسلام. اشتد إيذاء الكفار لهم. وقد وصل الإيذاء لدرجة الاعتداء علي رسول الله وصحابته حتي يردوه ويردوهم عن الدعوة والإيمان بالله وحده لا شريك له. وليس أشد مما حدث في يوم الطائف عندما ذهب الرسول ليدعو أهلها إلي الإسلام فرفضوا ورأي منهم أشد أنواع الرفض والاعتداء.
ثم جاء الإذن بالهجرة حيث أنزل الله -تعالي- علي نبيِّه أمراً بضرورة ترك الصَّحابة مكَّة واللَّحاق بأنصارهم من أهل المدينة. ثمَّ بدأ أصحاب رسول الله -صلَّي الله عليه وسلَّم- بترك مكَّة أفراداً وجماعات متَّجهين إلي وطنهم الجديد المدينة المنوَّرة. تاركين خلفهم بيوتهم وأعمالهم وعشائرهم. حتي أنَّ بعضهم ترك زوجته. ومنهم من ترك أبناءه. ومنهم من تنازل عن أموالي وأملاكي كثيرةي يملكها. ومع ذلك ساروا متجاوزين كلَّ العراقيل من أجل نصرة الدِّين. وبقي في مكَّة المكرَّمة رسول الله -صلَّي الله عليه وسلَّم- ونفرى قليلى معه متنظرين نزول الأمر بالهجرة من السَّماء.
كان أوَّل المهاجرين إلي المدينة أبو سَلَمة وزوجته -رضي الله عنهما-. فقد هاجرا قبل بيعة العقبة. وذلك لمَّا رجعوا من الحبشة ورأوا تعذيب قريشي لهم. وعارضهم قومهم وفرَّقوا بين أبي سلمة وزوجته وابنيهما. وخرج صهيب الرُّومي مهاجراً بعد ذلك. إلَّا أنَّ قريش حالت بينه وبين الخروج إلَّا حين تنازله عن كلِّ ما يملك في مكَّة.. لكنَّ الأمر كان يبدو مختلفاً عندما قرَّر عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- اللَّحاق بأصحابه. فقد خرج في وضح النَّهار لم يأبه لما تفعله قريش. فهو الذي تخشاه قريش. وخرج معه عيَّاش بن أبي ربيعة. وظلَّ الصَّحابة هكذا يتتابعون في الهجرة واحداً تلو الآخر. فلم يمضِ شهران علي بيعة العقبة الكبري حتَّي خلت مكَّة من الصَّحابة. ولم يبقَ فيها إلَّا رسول الله -صلَّي الله عليه وسلَّم- وأبا بكري الصِّدّيق وعليّاً بن أبي طالب -رضي الله عنهما-. وقد جمع رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- جهازه منتظراً الأمر بالهجرة.
وقد ثبت عن السَّيدة عائشة أمُّ المؤمنين -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله قال: "قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ» رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلي بيْنَ لَابَتَيْنِ. وَهُما الحَرَّتَانِ. فَهَاجَرَ مَن هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذلكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّي اللهُ عليه وسلَّمَ. وَرَجَعَ إلي المَدِينَةِ بَعْضُ مَن كانَ هَاجَرَ إلي أَرْضِ الحَبَشَةِ. وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْري مُهَاجِرًا. فَقالَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّي اللهُ عليه وسلَّمَ: عَلَي رِسْلِكَ» فإنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي. قالَ أَبُو بَكْري: هلْ تَرْجُو ذلكَ بأَبِي أَنْتَ؟ قالَ: نَعَمْ. فَحَبَسَ أَبُو بَكْري نَفْسَهُ علَي رَسولِ اللَّهِ صَلَّي اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَصْحَبَهُ. وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُري".
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
أخبار متعلقة :