طرابلس- على الرغم من محاولات حكومة الوحدة الوطنية فرض الاستقرار الأمني في العاصمة طرابلس، لا تزال الأوضاع الأمنية هشة، وسط تصاعد التحذيرات من الانزلاق إلى موجة جديدة من التوتر والعنف.
ويستمر هذا الوضع في وقت قدمت فيه مبعوثة الأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتة إحاطة شاملة أمام مجلس الأمن الدولي، مساء الثلاثاء 24 يونيو/حزيران، حول تطورات الوضع في ليبيا، حيث ركزت بشكل خاص على الوضع الأمني المتأزم في العاصمة، وحالة الجمود السياسي التي تُعيق الوصول لحل شامل.
وفي كلمتها، أعربت تيتة عن قلق البعثة الأممية إزاء التصعيد المتكرر في طرابلس، مؤكدة أن استمرار الانقسام السياسي والتضارب في الولاءات الأمنية يُهددان فرص السلام، وشددت على أن معالجة الأزمة الليبية لا يمكن أن تتحقق دون مؤسسات موحدة، وسلطة مدنية فاعلة قادرة على احتواء الفوضى المسلحة، وإنهاء ظاهرة المجموعات غير النظامية.
تقييم السلطات
يقول عضو المجلس الأعلى للدولة ورئيس اللجنة الأمنية السابق بلقاسم دبرز، إن الوضع في طرابلس مستقر نسبيا، موضحًا أن أي اختلال أمني يظل في حيز ضيق ويتم التعامل معه بمرونة وفعالية.
ويضيف دبرز في تصريحه للجزيرة نت إن "العاصمة آمنة، والحركة طبيعية، ولا وجود لتمركزات مسلحة واسعة، وما حدث في جنزور من تمركز مسلح كان على خلفية تعيين رئيس جديد لجهاز دعم الاستقرار، وعولج خلال ساعتين فقط".
ويشير إلى أن الحكومة أصدرت قرارات بحل وإعادة هيكلة بعض التشكيلات الأمنية غير المنضبطة، مضيفا أن الأسلحة الثقيلة التي كانت تملأ الشوارع سابقا اختفت، وأن الأسلحة الشخصية هي المتبقية فقط، لكنها أيضا في طريقها إلى الزوال.
لكن الصورة ليست بهذا الهدوء في نظر عضو مجلس النواب خليفة الدغاري، الذي وصف الوضع الأمني في العاصمة بأنه "مختطف من المليشيات" حسب وصفه.
إعلان
ويحمّل الدغاري المجلس الرئاسي والحكومة مسؤولية غياب سلطة أمنية قوية. ويقول "كل مربع في طرابلس واقع تحت سيطرة تشكيل مسلح، ولا توجد إرادة حقيقية لتجفيف منابع الفوضى"، مضيفا أن طرابلس لم تنعم بأي استقرار حقيقي منذ سنوات.
ويرى الدغاري في حديثه للجزيرة نت، أن المعضلة الأمنية مرتبطة بمشكلة أعمق على المستوى السياسي "حيث لا تزال البلاد غارقة في صراع السلطة والمال منذ 12 عاما"، حسب تعبيره.
من جهته، يعتبر دبرز أن الانقسام السياسي العميق بين حكومة "الوحدة" غربا و"الاستقرار" شرقا، إلى جانب النفوذ المتزايد للواء المتقاعد خليفة حفتر في الشرق والجنوب، هو العامل الأكثر تأثيرا في هشاشة الاستقرار.
ويقول إن حفتر هو العقبة الكبرى أمام أي حل سياسي، ويمنع التوافق من خلال فرض أبنائه في مناصب عليا، ومحاولته فرض نفسه، بمطالبة حكومة الوحدة الوطنية بتسليمه حقيبة الدفاع منذ تسلم الحكومة لمهامها.
أما على صعيد المجالس، فيؤكد الدغاري أن كلا من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة يتصرفان بشكل فردي، دون التزام فعلي بالاتفاقات السياسية، مما يجعل المشهد أكثر تعقيدا.
تعطّل سياسي
يرى المحلل السياسي أحمد دوغا أن السبب الجذري لهشاشة الهدنة هو غياب اتفاق سياسي نهائي يعالج جذور الأزمة، ويضيف "عندما يشعر طرف بأنه سيكون هدفا في المرحلة القادمة، فإنه يبادر بالتصعيد، كما أن تداخل مناطق النفوذ بين المجموعات المسلحة يؤدي إلى احتكاكات يومية تخرق الهدنة بشكل متكرر".
ويؤكد دوغا أن الهدنة ستظل مهددة ما لم تتوفر سلطة موحدة، وبإشراف نزيه وفعّال من بعثة الأمم المتحدة، مشددا على ضرورة فرض عقوبات صارمة على من يخرق الاتفاقات.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي مصباح الورفلي، أن الهدنة في طرابلس هي نتيجة انسداد سياسي وعسكري وانقسام مؤسساتي، ويعتبر أن الفوضى الحالية تعكس غياب دور رادع من البعثة الأممية، وأن الانقسامات داخل مجلس الأمن تعزز شعور بعض الأطراف بأنهم فوق المحاسبة.
وحذر الورفلي في حديثه للجزيرة نت، من أن استمرار الوضع على هذا النحو سيؤدي إلى تقسيم تدريجي للبلاد، وعودة الفوضى والنهب، وتوسّع الفساد، وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة.
الدور الدولي
أجمعت أغلب آراء المحللين على ضعف دور بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، حيث غابت إجراءات الردع الفعّالة ضد الأطراف التي تخرق الهدنة، مما أفقدها كثيرا من المصداقية، ويقترحون مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تُعيد للبعثة دورها، من بينها:
فرض عقوبات مالية على الأطراف المعرقلة. إصدار مذكرات قبض دولية بحق قادة الجهات المسلحة. الحرمان من المناصب والتمثيل السياسي أو العسكري.لكنهم يؤكدون أن نجاح هذه الخطوات مشروط بتوافق دولي وإقليمي واسع، وهو ما لا يبدو متاحا في ظل التنافس الدولي الحاد على الملف الليبي.
وفي ظل هذا الواقع المعقد، تتراوح السيناريوهات المطروحة بين استمرار الهدوء النسبي مع تجدد الخروقات، أو اندلاع اشتباكات أوسع في حال فشل الحكومة في ضبط الأمن، أو تفكك تدريجي لمؤسسات الدولة وعودة النزاع المفتوح.
إعلان
بدورها، أكدت المبعوثة الأممية هانا تيتة في إحاطتها أن الوضع الأمني في طرابلس لا يمكن التنبؤ به، واصفة الهدنة بالهشة. وأضافت "يرغب الليبيون بعملية سياسية تمنحهم فرصة الانتخاب، وإنتاج حكومة ذات ولاية واضحة، تعد بتقديم خارطة طريق بمدة زمنية محددة، وعملية سياسية تحقق مطالب الليبيين بإنهاء المراحل الانتقالية في السلطة".
ورغم أن الهدنة صامدة في ظاهرها -حتى الآن- فإن الوقائع على الأرض تكشف أنها تقف على حافة الانهيار في أي لحظة. والمطلوب -كما أجمع الخبراء- هو حل سياسي شامل، وسلطة أمنية موحدة، ومجتمع دولي جاد في فرض الاستقرار.
أخبار متعلقة :